الاثنين 24 شباط (فبراير) 2014

عن “الخطر الإسلامي”

الاثنين 24 شباط (فبراير) 2014 par د. عبد الاله بلقزيز

منذ انهيار الاتحاد السوفييتي ومعسكره “الاشتراكي” وزوال ما سمَّتْه الدعاية الغربية طويلاً باسم “الخطر الشيوعي”، انصرف كثير من الباحثين الأمريكيين والأوروبيين، في الجامعات ومراكز الدراسات والأبحاث، ونظيرهم من الصحفيين والإعلاميين في كبرى الصحف وقنوات البث التلفزي الفضائي، إلى التحذير - ابتداءً- من صعود خطرٍ جديد هو “الخطر الأصولي” الإسلامي، وصولاً إلى التهويل منه، وتعزيز ذلك التهويل بانتقاء أحداث عنفٍ بعينها - معزولة عن سياقها ومجمل أسبابها وعواملها - لإقامة الدليل بها شواهد قوية ناطقة بذلك “الخطر” .
ولقد استمرأ إسلاميون عديدون التوصيف الغربي لهم بوصفهم ورثة شرعيين للشيوعيين، فأعادوا تسويق الرواية الأمريكية في أوساطهم ولدى جمهورهم، متباهين بها، متفوقين على أنفسهم في تصديقها، بل ما تردد قسمٌ منهم في تعميم العِلْمِ بها لدى سائر الخليقة في العالم، وخاصة خارج “دار الإسلام”، أعني: في مجتمعات أوروبا وأمريكا الشمالية، متجاهلاً أن ذلك التعميم هو بمثابة الضبط بالجُرم في “حالةِ تلبُّس”، وبمثابة الطعم المسموم الملقى به إليه على سبيل الاستدراج والإيقاع في الشراك، وهذا عينُ ما بلغته الأزعومه الغربية - الأمريكية واستحصلته من غير كبيرِ مشقة وعناء .
في غمرة تلك الحماسة الإسلامية النافرة لتأكيد صك الاتهام الأمريكي للإسلام بالتنزل منزلة “الخطر” الجديد على مصالح الغرب، بعد زوال الخطر الشيوعي، نسي راديكاليو “الإسلام الحزبي” أن يتساءلوا عن دواعي وخلفيات هذا “التشريف” الأمريكي - الغربي لهم بتهمة الضلوع في النهوض بما نهض به الشيوعيون قبلاً، كانوا في عجلة من أمرهم لاحتطاب نتائج رواية زائفة لم يتبينوا فيها ما ينبههم إلى أن الذي احتطبوه ليس أكثر من كومة أعواد يابسة لا تصلح إلا للإلقاء بها في مواقد السياسة الأمريكية المعدة، بإحكام، لمجتمعات العالم الإسلامي .
ولقد دفعت المجتمعات الإسلامية المعاصرة ثمن تينك الحماسة والخفة غالياً وعلى أكثر من صعيد: كان حصار العراق وأفغانستان والسودان وليبيا، وإشعال فتيل الاقتتال الأهلي في بعض تلك البلاد من ثمار ذلك، وكان الاستنزاف الدموي اليومي في الجزائر لوحدة البلاد، واستقرارها السياسي، وسِلْمِها الأهلي، ودورها الإقليمي، طوال سنوات التسعينات، مثلما كان نقل مسرح العمليات الإرهابية إلى المملكة العربية السعودية والمغرب والعراق ولبنان وسوريا، من الشواهد الكبرى على ذلك، وعلى المنوال نفسه جرت الأمور في مصر، ومنذ النصف الثاني من الثمانينات، وخاصة منذ ازاحة محمد مرسي من السلطة، فلقد أُهْرِق دم غزير من دماء المصريين وضيوفهم بغير حساب، وتعرضت فيه الدولة والاقتصاد والسياحة والأمن لاستنزاف لم يقو على بلوغه حتى العدو الصهيوني من خارج، وما انحصر أمر هذا العقاب على المسمين في ديارهم فقط، بل طالهم في بلاد المهجر أيضاً، خاصة في أوروبا وأستراليا والولايات المتحدة الأمريكية، ويكفي أنهم حوصروا - في بعض دول أوروبا وفي أمريكا - بترسانة من القوانين الجديدة تحد من حقوقهم وحرياتهم، وتضع القيود على مؤسساتهم، ثم تقفل باب الرزق على غيرهم من طالبي الهجرة إلى ديارها، وأكثر تلك القوانين قسوة ما صدر منها بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 في نيويورك وواشنطن وبنسيلفانيا، وبعد الهجمات التي طالت محطات القطار في إسبانيا، ومحطة الميترو في لندن .
لم تكن الولايات المتحدة ودول الغرب هي من فتحت على المسلمين دائماً جحيم الموت والمهانة، فعل ذلك معها نشطاء عديدون من الحركات الإسلامية الراديكالية، من خلال حروب “الجهاد” التي فتحوها على دولهم وأجهزة أمنها، بل على شعوبهم، ومثقفيهم، وصحفييهم، ممّن أفتوا بسفك دمائهم كما حصل - ويحصل - في الجزائر ومصر، مثلما فعلوا ذلك من خلال نقلهم ساحة عملياتهم المسلحة إلى أوروبا وأمريكا، بل إلى قلب إفريقيا، كما حصل في نيروبي، ودار السلام . . الخ ولقد أتقنت الولايات المتحدة ودول الغرب استغلال سوابق العنف هذه لتُرتِّب عليها حُكماً يقضي بوجود تلازمٍ بين الإسلام والإرهاب، بل ولترتب عليها سياسات عقابية أو إقصائية تجاه قسم كبير من المجتمعات الإسلامية، مثلما وجدت ألسنة لها تسوغ سياسات العدوان تلك (برنارد لويس وتلامذته من المثقفين والإعلاميين) .
ما نسيه الإسلاميون الراديكاليون، في تصديقهم الرواية الغربية بأنهم الخطر الجديد - بعد الشيوعيين - على الغرب، وفي اندفاعاتهم الهوجاء لإقامتهم الدليل المادي على أنهم كذلك، ما نسيه هؤلاء هو أن الغرب استدرجهم، بذكاءٍ واحتيال، إلى ارتكاب مثل تلك الحماقات كي يتخذها ذريعة لشرعنة سياساته العدوانية تجاه العالم الإسلامي، وهي سياساتٌ تتغيّا، في المقام الأول، التضييق على هذا العالم، والسيطرة عليه مباشرة أو وضعه تحت مجهر المراقبة الدقيقة لأسباب تتعلق بشعور قديم لدى دول الغرب بأن هذا العالم الإسلامي بات زاخراً بالإمكانات والطاقات والموارد الهائلة - الطبيعية والبشرية - التي تؤهله للتحوّل إلى قوّة كبرى في العالم المعاصر قد تلعب أدواراً حاسمة في المنافسة الكونية، مع القوى الكبرى الدولية، خلال العقود المقبلة من هذا القرن الجديد، سواء في المجالين الاقتصادي والتجاري أو في المجال العسكري .
لا نتزيَّد فيما نقوله، بل نعرف - على وجه اليقين - أن الغرب يحسب ألف حساب لعالمٍ إسلامي سيشكل - بعد أقل من عقدين - رُبُع ساكنة الأرض، وستدخل خمسٌ من دوله نادي القوى النووية خلال ذينك العقدين، وسيصل فيه عدد الدارسين في الجامعات عدد سكان الولايات المتحدة في منتصف هذا القرن الجديد، وسيظل فيه النفط مصدر الطاقة الرئيسي للصناعة في العالم خلال ثلاثة عقود على الأقل .
إسلاميونا الراديكاليون لا يفكرون إلا في “منافع” هذه اللحظة، أما أعداؤهم فيخططون لعقودٍ مقبلة، لذلك، فالأذكياء يراهنون دائماً على حماقات الأغبياء ليصلوا من طريقها، إلى مبتغاهم .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2178381

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2178381 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40