الاثنين 24 شباط (فبراير) 2014

القدس واحتمالات التسوية

الاثنين 24 شباط (فبراير) 2014 par ناجي صادق شراب

القدس ليست القضية الوحيدة التي يتوقف عليها مستقبل التسوية السياسية، وإمكانية الطرفين الفلسطيني و“الإسرائيلي” من الوصول إلى إطار اتفاق، من خلال دور أمريكي هذه المرة يقوم به جون كيري في زيارات مكوكية، وبممارسة مزيد من الضغط على الفلسطينيين، وعلى الدول العربية . ومع ذلك تبقى قضية القدس الأكثر جدلاً، والأكثر صعوبة، وتحدياً، فهي أكثرها تشابكاً وتعقيداً لأنها تشكل المكون الرئيسي للتصورات السياسية والرواية التاريخية للطرفين . ولا يعني ذلك أن القضايا الأخرى من السهل الوصول إلى تسوية بشأنها، ولكن تبقى قضية القدس مرتبطة بالبعد الديني المقدس الذي يصعب على أي مفاوضات أن تصل للتوافق بشأنه . والذي يجعل قضية القدس تبرز كلما كان هناك حديث حول التسوية، إضافة إلى قضايا أخرى مثل اللاجئين والمستوطنات، وتمسك كل طرف بموقفه من القدس عاصمة لدولته .
الرئيس الفلسطيني في آخر تصريحاته يؤكد أنه لا سلام من دون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، وهو ما ذهب بالإعلام “الإسرائيلي” إلى تصوير الرئيس عباس أنه الأخطر على “إسرائيل”، وأنه لا يمثل شريكاً للسلام، جراء موقفه من القدس تحديداً . وبالمقابل تتمسك “إسرائيل” على لسان نتنياهو وقادة الأحزاب الذين يشكلون الحكومة “الإسرائيلية” بأن القدس هي العاصمة الأبدية والموحدة ل “إسرائيل”، بل يربطون بين الاعتراف بيهودية “إسرائيل” والقدس باعتبارها تشكل المكون الرئيسي للمعتقد الديني لهم .
إذاً التناقض الواضح والكبير هو الذي يشكل العقبة التي يصعب حلها عبر مفاوضات الإطار . فالقدس كانت ومازالت القوة العاطفية التي تقف وراء الكثير من الأساطير الصهيونية، فشكلت مكوناً عاطفياً وروحياً للديانة اليهودية التي قد ارتبطت ووظفت لأهداف قومية علمانية جسدتها الحركة الصهيونية، بالعودة إلى “أرض الآباء”، و“الأرض الموعودة”، وهنا جاءت القدس لتشكل الحلقة بين اليهودية والصهيونية، هذه القوة الدافعة ما زالت تقف وراء الخطاب السياسي “الإسرائيلي”، ولذا نجد أن القدس مكون مشترك وموحد في كل البرامج السياسية لجميع الأحزاب “الإسرائيلية” من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، لا اختلاف على القدس، فهي إذاً ليست قضية دينية فحسب، بل أساس الخطاب السياسي “الإسرائيلي” لأي حكومة . وبالمقابل تشكل القدس أهمية دينية مقدسة ليس للفلسطينيين فقط، والعرب فقط بل لجميع المسليمن، فالقدس هي أولى القبلتين، وثالث الحرمين، كما أنها تضم العديد من المعالم المقدسة الإسلامية وأبرزها مسجد الأقصى، وقبة الصخرة، والعديد من المدارس الدينية الإسلامية، وكما للقدس أهمية للمسيحيين بوجود العديد من الكنائس فيها . والأهمية الدينية للمسلمين لم ترتبط ببعد قومي، أو سياسي فقط، بل ببعد ديني مطلق، وهذا يجعل من القدس وأهميتها الدينية، أكبر من مكونات الفكر والخطاب السياسي الفلسطيني، لتصل إلى حد أنها بمنزلة معيار ومحدد لدرجة الإيمان الكلي، فالتخلي عنها يعد تخلياً عن البعد الإيماني الذي قد يصل إلى حد الخروج عن الدين، وقد يتهم صاحبه بالردة . هنا تكمن التناقضات في الموقفين، هو ما يجعل من القدس القضية الأصعب، والأكثر تعقيداً .
وما زاد الأمور تعقيداً ما قامت وتقوم به “إسرائيل” من سياسات تهويد واستيطان، وتقليص للوجود الفلسطيني فيها وتقليص عدد أهلها .
يبدو أن “إسرائيل” نجحت إلى حد كبير في شراء زمن القدس، فمنذ احتلالها للجزء الشرقي عام ،1967 ووقتها لم يوجد يهودي واحد فيها، ولم يكن ل “إسرائيل” أي وجود فيها نجحت في أن تحول القدس إلى جزء من القدس الغربية، وتعيد توحيدها، وزاد عدد اليهود فيها ما يفوق عدد الفلسطينيين، وأنشئت العديد من المؤسسات الحكومية، والتعليمية وغيرها، بل وجعلتها مقراً لحكوماتها، وتضغط على عدد من الدول لتنقل سفاراتها إليها، وأقامت العديد من المستوطنات، وهدمت العشرات من المنازل للفلسطينيين، وأزالت الكثير من المعالم الإسلامية، وأغلقت كل مقار السلطة ومؤسساتها أياً كان طابعها حتى لوكان تعليمياً، وعملت على عزل القدس عن محيطها الفلسطيني، وقامت بتوسيع حدودها، في وقت فشل فيه الفلسطينيون والعرب والمسلمون من شراء زمن القدس ودعم صمود أهلها، فهذا الوجود في حد ذاته هو الخيار الوحيد للحفاظ على هوية القدس .
في هذا السياق تبدو القدس كم هي صعبة ومعقدة وشائكة للوصول إلى أي تسوية، قد تتعدد الحلول والرؤى التي تطرح، أو التي قد يتضمنها ما يعلن عنه في الإطار العام للمفاوضات، لكن أي محاولة أو مبادرة لا تأخذ في اعتبارها القدس من منظورها الديني الإسلامي المقدس، تبقى عملية التسوية بعيدة ومجرد سراب .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2178404

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2178404 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40