الأحد 23 شباط (فبراير) 2014

قضية فلسطين: التسوية والحل

الأحد 23 شباط (فبراير) 2014 par علي جرادات

القضية الوطنية الفلسطينية قضية قومية عربية نشأةً وعمقاً وجوهراً . ف “وعد بلفور” 1917 الذي أسس لتقسيم فلسطين وإنشاء “إسرائيل” والاعتراف الدولي بها ثم تمددها على كامل مساحة فلسطين كان جزءاً من مخطط تقسيم الوطن العربي باتفاقية سايكس - بيكو، 1916 . وقضية فلسطين هي- لا تداعياتها عربياً - جوهر الصراع العربي الصهيوني . ويعلم الجميع أن إيجاد تسوية متوازنة للصراع لا يعني حله كلياً ووضع حد نهائي له وللمطالب المترتبة عليه، بل تغيير أشكاله وتخفيف حدته بصورة جوهرية وإلى أجل مفتوح المدى يصعب التنبؤ به بدقة . وليس اكتشافاً للنار القول إن فكرة تسوية الصراع بالمعنى المشار إليه أعلاه لن تتحول إلى واقع طالما ظلت أسلحة جنود “إسرائيل” وأنياب جرافاتها وخرافات فكرها الصهيوني هي ما يحدد حدودها . وبالمثل ليس اختراعاً للبارود القول إن فكرة “السلام العادل الدائم والشامل” لن تتحول إلى واقع طالما ظلت المنظومة الأيديولوجية الصهيونية العدوانية التوسعية هي ما يحكم “إسرائيل” ويتحكم فيها سياسياً ومجتمعياً وعسكرياً وأمنياً وأخلاقياً .
على أية حال، وإن ليس كلياً، إنما بدرجة عالية، ظلت الحقائق أعلاه أساساً ناظماً للفكر السياسي الفلسطيني بألوانه ومحط إجماع بين فصائل الثورة الفلسطينية المعاصرة المنضوية في منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها إطاراً وطنياً جامعاً وممثلاً شرعياً وحيداً للشعب العربي الفلسطيني في الوطن والشتات حتى نهاية ثمانينات القرن الماضي . لكن الأمر بدأ يتغير بصورة متسارعة وجوهرية لجهة الخلط بين تسوية الصراع وحله . فباعتراف قيادة المنظمة، وللدقة تيارها المركزي، بالقرار 242 في العام 1988 اختزل برنامج العودة والدولة وتقرير المصير، (البرنامج المرحلي)، في إقامة الدولة الفلسطينية المنشودة على حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967 . وبمشاركة قيادة المنظمة عبر وفد من الأراضي المحتلة ضمن الوفد الأردني في مفاوضات “الأرض مقابل السلام” التي أطلقها “مؤتمر مدريد” ،1991 صارت المفاوضات بشكلها الثنائي المباشر تحت الرعاية الأمريكية هي الاستراتيجية الفلسطينية المعتمدة للحصول على هذه الدولة . وبإبرام “اتفاق أوسلو” ،1993 صار البحث عن تسوية تنجب دولة فلسطينية بحثاً خائباً وخياراً مدمراً . كان يشي بذلك منذ البداية قبول قيادة المنظمة الاعتراف ب“إسرائيل” غير محددة الحدود والرافضة للاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، عدا قبول تقسيم مفاوضات إقامة الدولة إلى مرحلتين، وقبول مواصلة التفاوض لأجلها في ظل سياسة الاستباحة الميدانية الشاملة وسياسة مصادرة الأرض واستيطانها وتهويدها المحمومة، وقبول فكرة تبادل الأراضي المساوية لبقاء الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة، وقبول إرجاء البحث في قضايا القدس والمستوطنات والحدود والمياه والأسرى، علاوة على، (وهنا الأهم)، قبول إرجاء جوهر القضية الفلسطينية حق اللاجئين في التعويض والعودة إلى ديارهم الأصلية وفقاً للقرار الدولي 194 .
واليوم في الكلام - الحقائق - أعلاه ما يفسر الإصرار الأمريكي غير المسبوق لفرض “حل نهائي” للصراع، (وليس مجرد تسوية له)، يستجيب للحد الأعلى من المطالب للصهيونية الناسفة لأدنى الأدنى من الحقوق الفلسطينية . وهذا ظاهر للعيان فيما تسرب من بنود “اتفاق إطار” سيطرحه وزير الخارجية الأمريكي كيري قريباً في ظل صمت من جامعة الدول العربية وتأييد من “اللجنة الدولية الرباعية” . “اتفاق” مطلوب من قيادة منظمة التحرير إبداء تحفظاتها عليه وتمديد التفاوض على أساسه مع حكومة المستوطنين بقيادة نتنياهو المتكئة على ضعف الحالتين العربية والفلسطينية، وعلى يقين أن الولايات المتحدة التي تملك منفردة أوراق الضغط عليها لن تمارس ضغطاً فعلياً يجبرها على تقديم تنازلات سياسية ذات مغزى . ذلك رغم تصريحات كيري بأن فشل المفاوضات سيعرض “إسرائيل” لحملة مقاطعات دولية هي ليست بحاجة إليها، ملمحاً بذلك إلى ما تشنه ضدها جهات شعبية أوروبية من مقاطعة اقتصادية وأكاديمية بسبب غطرسة سياستها الاستيطانية . فتصريحات كيري هنا، عدا أنها مجرد نصيحة يسديها حليف لحليف، مع علمه أن تطوير المقاطعة الأوروبية ل“إسرائيل” إلى مقاطعة تشبه مقاطعة نظام الفصل العنصري البائد في جنوب إفريقيا يحتاج إلى شرطين أساسييْن غير متوافريْن هما: فك تبعية الاتحاد الأوروبي لسياسة الولايات المتحدة الدولية عموماً والشرق أوسطية خصوصاً، وتفعيل أوراق القوة العربية والفلسطينية منها بالذات على هذا الصعيد . ما يعني أن كل تصريحات كيري المثيرة لحفيظة أكثر قادة “إسرائيل” تشدداً إن هي إلا شكل آخر لاستدراج الفلسطينيين إلى تمديد المفاوضات تحت طائلة تهديدات “إسرائيلية” بتنفيذ خطط جاهزة لفرض أمر واقع سواء ب“الانسحاب” من طرف واحد من المناطق ذات الكثافة السكانية العالية في الضفة أو بالإعلان عن ضم مناطق . وهي التهديدات المقرونة بما تمارسه إدارة أوباما من ضغوط سياسية فعلية واقتصادية مباشرة على السلطة الفلسطينية، منها تهديدات “الكونغرس” بقطع المساعدات عنها وفرض العقوبات عليها .
على ما تقدم، وبالتبني الأمريكي الرسمي لأساس وجوهر وناظم المطالب الصهيونية: الاعتراف ب “إسرائيل غير محددة الحدود” دولة للشعب اليهودي صارت القضية الفلسطينية أمام خطر هو - بلا تطير - الأشد بعد مخاطر مرحلة عقْديْ ما بعد النكبة . ما يعني أن الشعب الفلسطيني وفصائل حركته الوطنية بعامة وقيادة منظمة التحرير بخاصة أمام محطة لم يعد بالمقدور مواجهة تحدياتها وتلبية استحقاقاتها وإحباط مخاطرها بتكتيكات خيار مفاوضات البحث عن تسوية تنجب دولة فلسطينية هي أصلاً خارج الممكن الواقعي في ظل ميزان قوى مختل لدرجة تتيح مطالبة الفلسطينيين التفاوض على أساس مطالب الحركة الصهيونية كما صاغها مؤسسوها الأوائل، أي على أساس التسليم بحقائق المشرع الصهيوني على الأرض .
هنا ثمة خطر استراتيجي يتهدد القضية الفلسطينية يستدعي رداً سياسياً استراتيجياً عربياً قومياً ووطنياً فلسطينياً موحداً . أما لماذا؟ لأن الرد المطلوب، وللدقة المفروض، لم يعد رداً على نتائج جولة مفاوضات يرعاها كيري فقط، إنما على نتائج مرحلة 25 عاماً من المفاوضات أمضاها الفلسطينيون، بل ضيعوها، في محاولات البحث عن تسوية سياسية لاسترداد أدنى حقوقهم بخيار واهم مدمر شجع قادة “إسرائيل” بألوانهم وبدعم أمريكي لا محدود على تصور أن ثمة إمكانية لفرض “حل نهائي” يصفي القضية الفلسطينية باسم تسويتها ويعادل تسليم الشعب الفلسطيني بما فرضه المشروع الصهيوني من حقائق على الأرض خلال مئة عام . وهو الأمر الذي لم يسلم به، بل خاض وما زال يخوض بما يتيسر له من دعم قومي في كل مرحلة نضالاً مديداً، وقدم وما زال يقدم تضحيات غالية وجسيمة وبطولات لا حصر لها ومعاناة قل نظيرها، لاستعادة حقوقه الوطنية والتاريخية والقومية الشرعية والمشروعة غير القابلة للتصرف أو المفاضلة أو المقايضة، جوهرها حقه في استرداد أرضه والعودة إليها .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2166065

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2166065 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010