الخميس 20 شباط (فبراير) 2014

الشخصنة في الحياة السياسية العربية

الخميس 20 شباط (فبراير) 2014 par د. علي محمد فخرو

نصيحة لوجه الُله: إذا كان شباب ثورات وحراكات الربيع العربي التي في صعود وهبوط طبيعيّين، يريدون إنجاح ماضحوا بالكثير من أجله فان عليهم دراسة تجارب ثورات الآخرين، إذ فيها الكثير من الدروس والعبر .
دعنا نستحضر مثالاً مهماً من دروس الثورة الفرنسية . إبان الهرج والمرج السياسي والفكري الذي رافق تلك الثورة في سنواتها الأولى، على الأخص عندما اخترع فيلسوف فرنسي (اسمه دستوت دوتراسي) كلمة الإيديولوجية الشهيرة . ولقد عنت تلك الكلمة منذ البداية أن المنتمين لأية إيديولوجية معينة يمتلكون الحقيقة المطلقة وأن الآخرين يمتلكون الضلالة وكل ماهو غير حقيقي .
وظناً من هؤلاء الإيديولوجيين المؤمنين بالجمهورية الليبرالية أنهم يحتاجون إلى قيادة قوية كاريزمية لتحقيق أهداف إيديولوجيتهم الليبرالية تبنوا ضابطاً صاعداً وواعداً اسمه نابليون بونابرت .
لكن ما إن مر وقت قصير على استلام ذلك الضابط مقاليد الأمور حتى بدأ يشير إلى من ساندوه من الجمهوريين الليبراليين باستهزاء واحتقار بأنهم المنظرون الذين ما إن يتعاملوا مع السياسة حتى يفسدوها . بقية قصص نابليون ومغامراته وما أوصلت فرنسا وأوروبا إليه من مآس معروفة ولا تحتاج إلى التذكير بها .
عبرة هذا الدرس لشباب الثورات والحراكات العربية ألا يقعوا في مطبّ التفتيش العبثي عن هذه الشخصية المدنية أو العسكرية أو الدينية الواعدة، فيضعوا أهداف ومصير حراكاتهم في مهب الريح . المطلوب هو بناء المؤسسات الديمقراطية المدنية الفاعلة، المعتمدة على مساندة الجماهير الواعية، القادرة على الاستمرار في الأفق الزمني البعيد، المبتعدة عن الشخصنة وطقوس عبادتها والاكتواء بنيران تقلُّباتها وهلوساتها . ولديهم أمثلة عربية كثيرة طيلة القرن الماضي والتي أظهرت أن أمام مثل كل نجاح واحد وجدت عشرات الأمثلة من الإخفاقات والكوارث . المطلوب مؤسسات ناجحة يديرها ديمقراطيون ناجحون بالتعاضد والتناوب، وليس قادة تنصهر الأمة ومؤسساتها في شخصياتهم التي كثيراً ماتكون نرجسية .
بل إن تاريخنا العربي الإسلامي يقدم العبر . فأمام شخصيات وقامات اتسمت بالعدالة والعفة هناك العشرات من شخصيات الطاغية مثل الحجاج بن يوسف، والدموي الخليفة العباسي السفًّاح والمجنون الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله . الشخصنة في كل حقب التاريخ لم تنجب عبر العصور إلاً مثل أولئك وفي عصرنا الحديث قادت إلى أمثال هتلر وموسوليني وستالين والقذافي .
ويذكر التاريخ أن أحد أغنياء روما، عاصمة الإمبراطورية الرومانية، أطعم الفقراء والجياع إبان فترة مجاعة، فما كان من الرومانيين إلا أن أعدموه . وبرروا ذلك بأن ذلك الغني كان يجمع ويهيئ أتباعاً ليساعدوه على أن يصبح طاغية مستبداً . لقد فضل الرومانيون حريتهم على رفاهيتهم .
اليوم في بلاد العرب، في وهج وآلام الحراكات الثورية، هناك من ينبرون كمخلًّصين ومشفقين، لإقناع الشباب والجماهير بإعطاء أفضلية لفتات الاقتصاد، ولاستثمارات آنية غير مؤكدة من هذه الجهة أو تلك، والكرامة والحرية والعدالة . لقد حسمت روما خيارها لمصلحة الحرية، فهل يستطيع شباب الثورات والحراكات حسم خيارهم وينتقلون إلى مستوى ووجهة أكثر وضوحاً وكفاءة وأقرب لسيرورة ديمقراطية إنسانية صاعدة؟
لقد كتب الكثير عن النظام الأبوي القائم على سلطة الإخضاع والتبعية والولاء وغياب الاستقلال في تركيبة العلاقات المجتمعية العربية . واعتبر بعض علماء الاجتماع أن هذا النظام غير الديمقراطي هو أحد إشكاليات تخلف المجتمع العربي . ومن يريد معرفة الأصول التاريخية والاجتماعية لظاهرة الأبوية المريضة سيجدها في كتب الدكتور المرحوم هشام شرابي، على سبيل المثال .
لكن ما يهمنا هو التوجه إلي شباب ثورات وحراكات الربيع العربي لنذكرهم بالأتي: إذا كنتم قد استطعتم بنجاح كسر حاجز الخوف التاريخي من سلطة الاستبداد ودخلتم في مواجهة نفسية وذهنية وجسمية معها، فإنكم أيضاً قادرون على كسر حاجز الانبهار الطفولي غير الناضج بالأب الحكيم القادر وحده على القيادة في عالمي السياسة والحكم . لا تدعوا عادة انبهار الطفل العربي بوالده الكبير أو بأخيه الكبير، وبالتالي مسح ذاته، أن تنتقل الى ساحة السياسة، هذا إن كنتم تريدونها ساحة تغييرات تاريخية كبرى يقع عاتقها على الجميع .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 36 / 2165897

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165897 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010