الثلاثاء 18 شباط (فبراير) 2014

غزة وحماس و“عقدة غورديان”

الثلاثاء 18 شباط (فبراير) 2014 par ناجي صادق شراب

بداية، أذكّر باسطورة عقدة غورديه دلالة على وجود مشكلة صعبة ومعقدة يتم حلها بطريقة جذرية أو بعمل جريء . وتحكي الأسطورة أن عرافة بمدينة تلمبسوس، وهي عاصمة فريجيا القديمة، تنبأت بأن الرجل الذي سيدخل المدينة بعربة يجرها ثور سيصبح ملكاً، ويدعى هذا الرجل غورديان . وعرفاناً لذلك قام ابنه بتقديم العربة إلى الإله سبازيوس، وقام بربطها بعقد لا يظهر منها أي طرف للحبل . وعندما دخل المدينة الإسكندر الأكبر المقدوني عام 333 قبل الميلاد، حاول فك العقد فلم يجد طرفاً للحبل، فقام بقطعه بسيفه، فانفكت العقد . وهذا دلالة على حل المشكلة أو العقدة من جذورها، وبقرار جريء، ولا ينفع التعامل معها من أطرافها، أو من خلال شكلها الخارجي .
السؤال، إلى أي حد تنطبق هذه الحالة على غزة؟ وهل باتت غزة تشكل عقدة غورديان؟ إن غزة اليوم بواقعها السياسي والاقتصادي ومحدداتها الجغرافية والبشرية، تفرز تحديات ومشكلات كثيرة، أو عقداً لا يمكن حل إحداها من دون حل العقدة الثانية وصولاً إلى العقدة الأساس التي بفكها يمكن أن نجد حلاً لهذه العقد التي باتت تشكل كلاً واحداً . ويخطئ من يعتقد إن عقدة غزة تتمثل بالانقسام السياسي فقط، وإن كانت هي العقدة الأساس التي تحتاج إلى قرار جريء يستأصلها من جذورها، بما يترتب على ذلك من حل لكل العقد الأخرى .
لكن الصورة لا تبدو بهذه البساطة والسهولة، ولا تحلها زيارات أو لقاءات متبادلة، ولا تحلها مبادرات جزئية تجميلية . عقدة الانقسام لا تحلها حكومة وحدة وطنية، ولا إجراء انتخابات، لأنها تتعلق بحل بنية وتفكيك بنية الانقسام السياسي والأمني والاجتماعي، وأيضاً تفكيك البنية الفكرية والأيديولوجية، ومن دون ذلك ستبقى هذه العقدة متجذرة . حل هذه العقدة يتطلب إعادة بناء نظام سياسي توافقي، بمرجعية سياسية توافقية، وأقصد التوافق حول العناصر المشتركة لمشروع وطني فلسطيني يتواءم ومرحلة الاحتلال والتحرر السياسي . وإذا لم نسارع إلى حل هذه العقدة فقد تتحول إلى عقدة مركبة غير قابلة للحل، وقد تقود لعقد أخرى أكثر صعوبة، فماذا لو تم التوصل إلى اتفاق إطار وتسوية تفاوضية؟ ما هو مستقبل غزة؟ وكيف يمكن التعامل معها؟ هل سننظر إليها على أنها إقليم منفصل ومتمرد؟ وهل معنى ذلك إعلان غزة كياناً مستقلاً؟ وإذا تم هذا الإعلان كيف سيكون مستقبل علاقة هذا الكيان الجديد مع كينونة الدولة الفلسطينية؟ ومع الدول المجاورة مثل مصر و“إسرائيل”؟ وهل ستحصل على اعتراف دولي؟ وعلى أي أساس؟ وما هو مستقبل خيار المقاومة بعد التسوية؟ كل سؤال يشكل عقدة في حد ذاته . والعقدة الثانية تتمثل بالعلاقات مع “إسرائيل”، وكيف وعلى أي أسس ستقوم؟ هل يكفي خيار الهدنة المؤقتة أياً كانت مدتها؟ وهل ستبقى هذه العلاقة قائمة على إحتمالات الحرب، وهو الاحتمال الأكثر احتمالاً؟ وما صورة غزة لو نشبت حرب أخرى، هل تتحول غزة إلى ثكنة عسكرية، وملاذ لحركات متطرفة؟
وماذا لو وصلت الأمور إلى تصوير غزة على أنها امتداد للقاعدة، أو قاعدة للإرهاب؟ وهو ما قد يتم إعداده لحركة حماس ومعها غزة . وماذا عن عقدة غزة ومصر؟ فهما مرتبطتان تاريخياً وجغرافياً وسياسياً وأمنياً، أي إنه ارتباط عضوي؟
لقد ارتبطت غزة بمصر أكثر من ارتباطها بفلسطين نفسها . واليوم هذه العلاقة تتعرض لتدهور سريع، وأخشى ما أخشاه أن تصل الأمور إلى مرحلة اللاعودة ونحن نعيش في بعض ملامحها .
فالتحدي الكبير الذي يواجه مصر اليوم هو الأمن والإرهاب، وقد ارتبطا بغزة، بحكم الارتباط العقيدي بين حماس والإخوان، وخطورة هذه العقدة أنها تشكل محدداً لخيارات من يحكم غزة، والخطورة فيها أن الأمور صورت على أن حماس باتت تشكل طرفاً مباشراً . إلى جانب هذه العقدة هناك عقدة التعامل مع السلطة، وهي عقدة أساس إلى جانب عقدة الانقسام فهل ستبقى العلاقات عند هذا المستوى، وماذا عن المستقبل؟ وهل ستبقى السلطة تقوم بالتزاماتها المالية، والخدماتية اتجاه أكثر من سبعين ألفاً من الموظفين؟ وماذا لو رفعت يدها؟
إلى جانب هذه العقد هناك عقد قد لا تقل أهمية وخطورة أذكر منها العقدة الاقتصادية، هل غزة بمورادها المحدودة قادرة على استيعاب الآف الخريجين من الشباب الذين قد يتحولون إلى قنبلة قابلة للانفجار في أي وقت بسبب غياب فرص العمل؟ كيف يمكن بناء اقتصاد قادر على تحقيق استقلالية القرار السياسي في ظل الحصار وانسداد الأفق الجغرافي، وقد يتحدث البعض عن خيار البحر، ولكن هذا الخيار ليس كما يبدو سهلاً لأنه في يد قوى أخرى منها “إسرائيل” .
هذه هي صورة الواقع من الداخل الذي تعيشه غزة وبرؤية مستقبلية . ويبقى القول إن حل هذه العقد يحتاج كما فعل الإسكندر الأكبر المقدوني إلى استئصالها من جذورها وبقرار جريء، وهذا القرار بيد حركة حماس والحكومة في غزة . . بدلاً من خيار أنا والطوفان من بعدي!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 53 / 2165289

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165289 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010