الأحد 16 شباط (فبراير) 2014

تجربة تونسية تستحق أن تُستكمل

الأحد 16 شباط (فبراير) 2014 par د. فايز رشيد

وأخيراً استطاعت قوى المعارضة التونسية فرض رأيها على حركة النهضة, بتشكيل حكومة انتقالية بعيداً عن لغة الهيمنة والقوة والاستئثار واستئصال الآخرين، وكانت الثورة التونسية عرضة لأن تقع في مثل تلك السلبيات على يدي حركة النهضة برئاسة راشد الغنوشي, لولا نضالات كافة القوى الوطنية الأخرى. بذلك تم إنجاز دستور تونسي متقدم بدأ فعله في التنفيذ بعد نشره في الجريدة الرسمية. الدستور هو حصيلة لاتفاق كافة القوى التونسية بما يشكله من قواسم مشتركة. الدستور يؤسس لاستكمال الخطوات الديمقراطية في تحديد الانتخابات الرئاسية والتشريعية, والتي من المفترض أن تجري قبل نهاية العام الحالي.
من هنا كان النشاط الذي نظمته الجمعية التأسيسية التونسية متساوقاً مع خطوة إنجاز الدستور، من خلال احتفال حضره العديد من القوى عربية وأجنبية, في معظمها قيّمت عالياً نصوص الدستور التونسي, وأعطت شهادتها في أن الدستور يعتبر واحداً من أفضل الدساتير على صعيد العالم. إنجاز الدستور يعتبر خطوة إيجابية في الحياة السياسية التونسية، وهو انتصار لكافة القوى التونسية بلا استثناء, لا فضل لقوة بينها على أخرى. الدستور جنّب التونسيين كشعب وتونس كدولة الوقوع في مطّب الاستقطاب والتجاذب, وتجارب دول عربية أخرى أوصلها عدم اتفاق قواها فيما بينها على قواسم مشتركة إلى تجارب مريرة, تتهدد وحدة هذه البلدان وتخريب النسيج الاجتماعي لشعوبها, وإلى إمكانية تفتيتها بين دويلات عديدة متقاتلة ومتنازعة فيما بينها, كما يحدث الآن في ليبيا، أو في أقل الحالات انعدام الأمن في هذه البلدان.
في مثل هذه الأيام من العام الماضي تم اغتيال القائد الوطني البارز شكري بلعيد, تلاه اغتيال القائد الناصري الوطني محمد البراهمي, ومع الأسف ان هذين القائديْن لم يعيشا ليريا الإنجاز الذي قطعته بلدهما في الاتفاق على نصوص الدستور،غير أن في هذا الإنجاز ما يعوّض بعضاً من غيابهما. بلعيد والبراهمي مثّلا جزءاً رئيسياً من المعارضة وقدّما حياتيهما من أجل بلدهما تونس, وفي سبيل ثورتها وقيمها الديمقراطية التي انطلقت شرارتها منذ ثلاثة أعوام بعد أن قام البوعزيزي في إشعال النار في جسده, احتجاجاً على الظلم والطغيان والفساد والدكتاتورية التي مثلها الرئيس بن علي والدائرة المستفيدة من حكمه. إن أبرز ما في الدستور التونسي هو انتصاره للحريات العامة, وتقليم أظفار التكفيريين وتحويل تونس إمارةً لهم يعيثون فيها فساداً, مثلما يجري الآن في عدة مناطق في سوريا من التي تقع في قبضتهم, يسنون قوانينهم الغريبة عن ديننا الإسلامي الحنيف وتجاربه السياسية في الحكم.
لقد قال مصطفى بن جعفر في الاحتفالية بمناسبة إنجاز الدستور التونسي: بأن الثورة التونسية هي ثورة متفردة ومتميزة عن باقي الثورات العربية, بالروح الثورية التي تحلت بها قواها, وبإصرارها اتباع النهج السلمي ونموذج للانتقال الديمقراطي من خلال التوافق الوطني.بالفعل إن الخطوات التي تم إنجازها في تونس هي خطوات مهمة على الطريق الديمقراطي, لكنها البداية لمرحلة لابد من استكمال خطواتها الأخرى, من خلال مهمة ترجمة الدستور في قوانين وضعية ديمقراطية , واعتبار هذا الدستور دستوراً للشعب وقواه الديمقراطية, وأن كل بند فيه تمت كتابته بدماء الشهداء التونسيين. وتضحيات الشعب التونسي والحرص على أن يكون مآل التطبيق هو تحقيق العدالة الاجتماعية, وعلى التلاحم مع الوطن العربي. وأخذ تونس لدورها القومي, وفي مجابهة المخططات الإسرائيلية وتجريم التطبيع مع العدو الصهيوني.
إن المرحلة القادمة لابد وأن تتوّج أصلاً: بسن قانون عصري للانتخابات لضمان شروط نزاهتها. إن الخطوة القادمة أيضاً يتوجب أن تتمثل في ائتلاف وطني ديمقراطي في الحكم بعيداً عن استئثار أية قوة بالحكم مهما كان وزنها الجماهيري. إن الاستئثار بالحكم لقوة منفردة سوف يؤدي إلى تخريب نهج الثورة التونسية. لابد كذلك من تطهير أجهزة الدولة من الفاسدين وعدم افراغ البنود من مضامينها الثورية التقدمية. يتوجب أيضاً حل ميليشيات القوى التي أنشأت مثل هذه المليشيات لتكون أداة لها في فرض تحكمها بالشأن التونسي. إن الحكومة التونسية مطالبة بكشف الحقيقة حول اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي وكافة شهداء تونس. كذلك لابد من الحذر من الجماعات التكفيرية التي تعمل في تونس والتي قامت بعمليات عديدة لتخريب الوضع التونسي, مستغلةً حكم الحزب الواحد وإن جرى التعبير عنه في الترويكا الحاكمة.
إن ما ينتظر الثورة التونسية من مهمات هو أكبر بكثير من الذي تم, فلابد من تحصين الثورة كمهمة مباشرة ومستعجلة, وبذلك يمكن فتح طور أعلى أمام التغييرات الاقتصادية والاجتماعية في البنية الاجتماعية التونسية, وبناء اقتصاد وطني يعمل على تلبية الاحتياجات الأساسية للشعب التونسي، وتعميق الديمقراطية الحقيقية، فالمكتسبات التونسية لاتزال على المحك ,من هنا فإن الخطوات التالية هي الأصعب بالتأكيد وبخاصة في مجابهة التحديات الداخلية والخارجية التي تريد تخريب التجربة الثورية التونسية.
يبقى القول:إن ما أنجزته تونس حتى اللحظة هو بداية تجربة, المطلوب استكمالها فالخطوات القادمة هي الأصعب والأهم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2165274

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

2165274 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010