السبت 15 شباط (فبراير) 2014

القصة الكاملة: فتح وإيران: تحالف.. طلاق.. مصالحة

السبت 15 شباط (فبراير) 2014 par صالح عوض

(إلى سيد الأشراف وقائد المجاهدين في فتح السيد محمد القدوة الحسيني “ابوعمار” دام ظله.. ) هذا نص استهل به الإمام الخميني رسالة بعث بها إلى ياسر عرفات قائد حركة فتح الذي أوفد له سنة 1964 الى النجف الاشرف من يطلعه على نيته بانطلاق الثورة الفلسطينية طالبا منه التأييد.. ومن المعروف ان السيد الخميني اصدر فتواه فيما بعد الى مقلديه انه يجيز صرف الخمس “وهو خمس الربح” الى ثورة الفتح.. منذ ذلك الحين انطلقت العلاقة متميزة بين حركة فتح وخط الامام الخميني والتواصل بينهما كان مستمرا.. وبعد خمسة عشر عاما كان ياسر عرفات اول زعيم يصل الى طهران فور الانتصار مهنئا الامام الخميني الذي رفع شعار “اليوم طهران وغدا القدس” وقطع علاقات ايران مع اسرائيل.. وقف ياسر عرفات بعد عام في جامعة بيروت العربية يحتفل بانتصار الثورة قائلا: “لا اقول تحالف ثورتين واتفاق قائدين بل اقول ثورة واحدة في خندق واحد بقيادة واحدة قيادة الامام الخميني”.. اليوم بعد خمس وثلاثين سنة من انتصار الثورة الايرانية تبدو المسافة بعيدة بين فتح وايران فما هي الاسباب؟ وأين الخطأ؟ وهل تستطيع التوجهات الاخيرة ان ترمم ما انهار من ثقة ومودة.

- الشاه كرس العداء

كان الشاه ليس فقط حليفا لاسرائيل وصديقا للامريكان، بل كان خطرا حقيقيا على الامن القومي العربي كله، وكان جسر العبور للموساد الاسرائيلي يعيث فسادا في مناطق الاكراد شمالي العراق، ومهددا لوحدة العراق وارضه ومذلا لامراء الخليج ومتغطرسا في عتوه على المنطقة كلها، وكان الشاه كذلك محرضا بقوة ضد العرب واهل السنة في ايران مدعيا انه يتحالف مع اسرائيل ضد اهل السنة العرب (اعداء الشيعة) واوجد مناسبات في الميادين العامة لسب الصحابة واهل السنة ليكرس القطيعة بين ايران والعرب كقاعدة نفسية فكرية لتحالفه مع اسرائيل والامريكان..

فكانت دعوة الخميني على الضد من اطروحات الشاه تماما.. نادى الخميني بالوحدة بين المسلمين السنة والشيعة واعتبر ان طرح قضية الخلاف بينهما نفاقا وجريمة، واكد الخميني أن الغرب الاستعماري عدو للامة وان امريكا هي الشيطان الاكبر، ونادى الخميني بضرورة فتح الحوار لرص صفوف العرب والمسلمين لاجتثاث الغدة السرطانية الكيان الصهيوني من فلسطين، واعتبر الخميني ان اية اساءة للخلفاء الراشدين وكبار الصحابة انما هي جريمة تستوجب العقاب واستمر نضاله على هذا الطريق الى ان نفاه الشاه الى العراق في عام 1964 .. ومن هناك بدأ التفكير العملي لدى الخميني باسقاط الشاه.. لم يتردد الخميني عن اعلان موقفه المؤيد للدول العربية التي تحارب اسرائيل لذلك كانت علاقته بمصر عبد الناصر حيوية، وهو بذلك اراد ان يكون في عمق الهم العربي على اعتبار انه عمق الهم الاسلامي.

كانت حركة فتح طليعة المقاومة العربية بعد عام النكبة الثانية 1967، وكان الفدائيون عنوانا بارزا يتجمع حوله كل الاحرار العرب والشرفاء المسلمون ومن كل انحاء العالم.. ولم تكن حركة فتح موغلة في الايديولوجيا، فهي ليست يسارية ولا قومية، انما هي حركة تحرر وطني حاولت ان تطرح نفس شعارات الثورة الجزائرية.. لذلك كان من السهل عليها التوسع في العلاقات مع كل من لديه استعداد لنصرتها دونما اشتراطات ايديولوجية او سياسية.. فكانت نصيرة لثورة ارتيريا ولثورة جنوب افريقيا وللثوار في امريكا الجنوبية وكانت بيروت حيث قواعد الثورة الفلسطينية محطا لتوافد الثوار العرب والمسلمين وغيرهم.. ولقد كان حضور المتطوعين الايرانيين بارزا في صفوف الثورة الفلسطينية وكان الشيخ رفسنجاني من المقربين جدا لياسر عرفات اثناء وجوده في بيروت وكذلك مصطفى جمران وغيره من قادة الثورة الايرانية.. لم تتردد فتح في ايواء الثوار الايرانيين وتقاسم لقمة الخبز معهم وتبني كل مواقفهم ضد الشاه حليف امريكا ولعله كان من المثير دخول ياسر عرفات الى الاحتفال الذي اقيم لتأبين المفكر الايراني علي شريعتي في جامعة بيروت العربية ليلقي كلمة ينعى فيها الشهيد الكبير.

- أكثر من تحالف

ان العلاقة بين حركة فتح والثوار الايرانيين كانت اكثر من كونها تحالفا، ولكن هنا لابد ان نسجل ميلاد حركة شيعية في لبنان حركة (امل) بقيادة موسى الصدر والتي اسهمت حركة فتح بشكل كبير في تأسيسها وتزويدها بالسلاح وبالمدربين والمقاتلين اللبنانيين الذين كانوا في صفوف الثورة الفلسطينية، وذلك حرصا من حركة فتح على تقوية مبررات وجودها بحلفاء اقوياء على الساحة.. واصبحت حركة امل قوة على الساحة اللبنانية احدثت توازنا مع قوى محلية اخرى بجانب قوى الحركة الوطنية وعلى رأسهم (المرابطون).. وهنا دخل التشابك النفسي والتعقيد الطائفي الذي سنرى اثره بعد قليل.

انتصرت الثورة الايرانية وكما قال قادة الحرس الثوري مؤخرا لقد كان ياسر عرفات هو من يهيئ لنا طرق السلاح طيلة السنوات الثلاث الاولى للثورة.

.. اعتبر ياسر عرفات ان انتصار الثورة الايرانية سيعجل من صنع متغيرات استراتيجية في المنطقة، لاسيما بعد خروج مصر من الصراع العربي الاسرائيلي بعد توقيعها اتفاقيات كامب ديفيد، فكان انتصار الثورة الايرانية معوضا كبيرا عن الخسارة الحاصلة بفقدان الدور المصري.

الا ان الامور لم تستمر كما كان الثوار يشتهون، فأشعلت امريكا الجبهتين نارا جنونية ضد الثورة الفلسطينية وضد الثورة الايرانية.. احتشد المال العربي وباغراء او اتفاق او اوامر من قبل الامريكان، حيث كان رامسفيلد الأمريكي يقود عملية تسويق ضرب ايران.. احتشد المال العربي خلف الجيش العراقي في حرب ضروس ضد الثورة الإيرانية .. وتم تجنيد علماء السلاطين في دول الخليج الذين لم نكن نسمع لهم صوتا يحرضون ضد الشيعة مكفرين ولاعنين وكأنهم يكتشفون الشيعة حديثا ليعطوا بذلك غطاء ومبررا لمحاربة ايران..

كانت أمريكا إذ ذاك تعاني من أزمة رهائنها الدبلوماسيين وضباط “السي أي ايه” في طهران.

وكان حرص الفلسطينيين ان تظل الثورة الإيرانية بعيدة عن الاستنزاف لاسيما وكل شيء في البلد منهار.. ذلك لإدراكهم أن ايران المعافاة هي التي تستطيع الوقوف مع الثورة الفلسطينية في مواجهة التحديات.. ولهذا اعتبروا هذه الحرب كارثة بالنسبة للشعب الفلسطيني قبل ان تكون بالنسبة لايران، فلئن كانت ايران تحتمل الانشغال بالحرب سنوات فالفلسطينيون لا يستطيعون ان ينشغلوا بها أشهرا..

وتحرك القادة الفلسطينيون للتوسط من اجل الرهائن ومن اجل ايقاف الحرب.. استجاب الإيرانيون للفلسطينيين وأفرجوا عن النساء والأمريكان السود.. ولكن مع تكرار طلب القادة الفلسطينيين للتوسط استاء الإيرانيون الذين ابلغوا الفلسطينيين انهم يريدونهم حلفاء وليس وسطاء..

وجاءت حرب صيف 1982 والاجتياح الاسرائيلي لجنوب لبنان وحصار بيروت لمدة ثلاثة اشهر قاتلت فيها المقاومة الفلسطينية ببسالة، انتهت باخراجها من لبنان.. كان المشهد مظلما تماما.. الثورة الايرانية تئن تحت وقع الصواريخ وقصف الطائرات والحصار الدولي والعزلة العربية والاسلامية.. فيما المقاومون الفلسطينيون يتوزعون على بلاد عربية لايقع احدها على حدود فلسطين.

فترت العلاقات بين الطرفين وتنافرت السياسات وبحث الفلسطينيون عن حلفاء جدد في الساحة العربية تمدهم بأسباب الحياة فكانت علاقتهم تتوثق مع صدام حسين ودول الخليج وبدأ الإيرانيون يبحثون عن حلفاء في الساحة الفلسطينية حتى جاءت الانتفاضة وشيئا فشيئا وبعد ان تنامت حركات إسلامية جهادية في الساحة الفلسطينية: حركة الجهاد وحركة حماس، وجدت ايران ضالتها في هاتين الحركتين وأمدتهما بالمال والعون على كل الأصعدة.

- القطيعة

جاء اوسلو ليحدث القطيعة بين ايران وحركة فتح حيث لم يترك الايرانيون فرصة لتفهم موقف فتح في خضم التحولات الكبيرة الناتجة عن انهيار الكتلة الاشتراكية وعن حرب الخليج الثانية، حيث كان الفلسطينيون هم المتضررين الاوائل بذلك.. ولم يبذل الفلسطينيون جهدهم لإقناع الإيرانيين الذين اخذوا على عاتقهم الوقوف مع رؤية حماس والجهاد.. وانصرف أعلام فتح إلى اعتبار الموقف الايراني تدخلا في الشأن الفلسطيني.

كان واضحا ان حماس والجهاد اخذتا على عاتقهما تدمير اتفاق اوسلو من خلال سلسلة عمليات بوتيرة متسارعة في القلب من اسرائيل، وكان الموقف الايراني داعما لهما بلا تردد.. الامر الذي ازم العلاقة بين الطرفين واحدث طلاقا نهائيا بينهما وتخركت وسائل اعلام الطرفين في تشويه صورة الاخر والتحريض ضده.. ومرت مرحلة ثقيلة بين الثورتين وبين سياستهما تجاه بعضهما..

وبعد ان فشلت مفاوضات كامبديفد بين الفلسطينيين والاسرائيليين واصبح واضحا ان ابا عمار ومعه حركة فتح لا تساوم على مبادئ القضية الفلسطينية رغم الضغوطات الرهيبة التي مورست عليه، واكتشف الايرانيون أن لا غنى عن فتح الباب على الكل الفلسطيني لاسيما حركة فتح التي لم تتوقف عن الكفاح بكل اشكاله وقدمت قادتها وكوادرها سجناء وشهداء على رأسهم القائد زعيم الشعب الفلسطيني ياسر عرفات.. وان الاختلافات في وجهة النظر مع حركة فتح لا ينبغي ان تحدث قطيعة معها وان الفراغ الذي تحدثه هذه القطيعة الخسارة للطرفين لن تملأه حركتا الجهاد وحماس..

ومن خلال إحساس الطرفين بالأهمية هاهما يستعيدان لياقتهما ليفتحا بابا جديدا من علاقة لا ينبغي ان تكون مقطوعة ابدا.. وهاهو الموقف الايراني مع حكومة الشيخ روحاني يذهب الى الجانب العملي في العلاقات اكثر من الجانب النظري ويقابله في هذا ادراك الفلسطينيين انه لايجوز اغفال الدور الايراني وثقل ايران في المنطقة في ملفات عديدة يمكن الاستفادة منه لجهة مصلحة الفلسطينيين والقضية الفلسطينية.. ويبدو ان هناك انفراجات كبيرة قادمة وانفتاحا ايرانيا واسعا على المكون السياسي الفلسطيني دونما انحيازات.. هذا ويتولانا الله برحمته.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 202 / 2165272

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع صالح عوض   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2165272 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 4


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010