الجمعة 14 شباط (فبراير) 2014

«حماس» الفلسطينية... ومنع «الاختلاط»

خليل حيدر
الجمعة 14 شباط (فبراير) 2014

من بين أسباب انتشار الحجاب في بيئة اليسار قراراته بالعمل على توسيع قاعدته الجماهيرية والشعبية
هذا السلوك التعسفي تجاه الآخرين من أتباع مختلف الأديان من التصرفات المؤسفة من قبل الإسلاميين والمتشددين في كل مكان. «كانت سيدة فلسطينية متزوجة وأم لطفلة لم تتجاوز العام ونصف العام، على موعد مع الانتقام. فبعدما دخلت مستشفى خان يونس جنوب قطاع غزة، سجلت حالتها على أنها محاولة انتحار بعد تعرضها للتسمم. وقال مركز «الميزان» لحقوق الانسان انه بعد استقرار حالة السيدة، وصل أحد أقاربها الى قسم العناية المركزة في المستشفى وتبين من سلامتها، ثم قام بإشهار سلاح شخصي «مسدس»، وأطلق النار على المريضة عن قرب. وعبر المركز عن استنكاره الشديد لانتهاك حرمة المستشفى وقتل السيدة، مندداً في السياق ذاته باستمرار ظاهرة قتل النساء التي عادة ما يلجأ مرتكبوها الى الادعاء بأنها على خلفية شرف العائلة».
هذا الخبر الذي نشرته صحيفة «الجريدة» الكويتية قبل نحو عامين في 2012/3/28، يتكرر ويتجدد حدوثه في الوسط الفلسطيني مراراً وتكراراً. فقد يكون المجتمع الفلسطيني أعلى المجتمعات العربية تعليماً وثقافة، ولكنه من جانب آخر أحد أشد هذه المجتمعات معايشة لجرائم الشرف، وتصفية الأخوات والبنات والزوجات وحتى القريبات، لدى تردد أول تهمة أو إشاعة.. ودون انتظار أي تحقيق أو تدقيق.
من المستبعد تماماً أن تفكر السلطة الدينية الاخوانية في غزة بالتصدي لمثل هذه الجرائم، على الرغم من ان بعض الضحايا تثبت الفحوصات الشرعية والجنائية عذريتهن، ورغم ان هذه الطريقة البشعة في التصفية الجسدية بلا تحقيق أو محاكمة لا يقرها الشرع والقانون، ولكن من المعروف ان الجماعات الاسلامية، داخل السلطة وخارجها، لا يكترثون بمثل هذه القضايا، كما لا أعتقد ان الفلسطينيين في المدن الأخرى والمخيمات، وربما في الخارج كذلك أقل اندفاعاً في مثل هذه التصفيات التي تسمى عادة بجرائم الشرف، كما ان بعض قرارات وقوانين حركة حماس المهيمنة على غزة منذ سنوات ستعمق العزلة بين الجنسين. وفي ابريل 2013 مثلاً، أعلنت وزارة التربية والتعليم العالي في الحكومة المقالة بغزة، البدء في العمل بقانون تعليم جديد «يمنع الاختلاط بين التلاميذ من الجنسين بعد سن التاسعة في مدارس قطاع غزة» [الوطن، 2013/4/2].
ولم يحظر القانون «اختلاط الطلبة من الجنسين» فحسب، بل وأكد «العمل على تأنيث مدارس البنات». ولم تكتف حماس بالمدارس الحكومية أو التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين «أونروا»، التي ينتسب اليها معظم طلاب القطاع، ذلك ان مؤسسات حقوقية ونشطاء مجتمعيين تخوفوا من ان القانون الجديد يستهدف المدارس الخاصة التي لا يتجاوز عددها أصابع اليدين، ويعود معظمها الى مؤسسات مسيحية». وأضافت الصحيفة نفسها إن إدارات المدارس الخاصة، ومن بينها المسيحية، التعليق على القانون أو الحديث في شأن خطواتها اللاحقة مع وسائل الإعلام» [الحياة، 2013/4/22].
وتقول عائلة ترسل أولادها الى مدرسة «العائلة المقدسة» الخاصة، أنها منزعجة من القانون ولا تفهم دواعيه، وتشير الى ان معظم الطلاب المسجلين في المدارس الخاصة هم أبناء عائلات من الطبقة الوسطى، معظمهم من المسيحيين، الذين اختاروا ارسال أبنائهم وبناتهم الى مدارس مختلطة، خشية تعرض بناتهم لمضايقات الأساتذة في المدارس العامة ومحاولاتهم فرض الحجاب عليهن. [المقال نفسه].
ومثل هذا السلوك الاجباري التعسفي تجاه الآخرين من أتباع مختلف الأديان، من التصرفات المتكررة والمؤسفة من قبل الاسلاميين والمتشددين في كل مكان وزمان، وفي دول اسلامية عديدة. على الرغم من ان التيار الديني نفسه يملأ الدنيا صراخاً ان حاولت «الأغلبية المسيحية الساحقة»، كما يصف الاسلاميون أنفسهم في البلدان الاسلامية عادة، فرض شيء على المسلمين، أو منعهم من أي شيء، في أوروبا أو أمريكا أو كندا مثلاً.
وكانت وزارات حكومية في غزة قد أطلقت حملات لنشر «الفضيلة»، و«أخلاقي سر نجاحي» بالتعاون مع الكتلة الطلابية الاسلامية التابعة لحركة «حماس»، فيما أصدرت جامعة الأقصى قراراً بفرض الزي الشرعي على طالباتها. ومنعت حكومة «حماس» وكالة «أونروا» من تنظيم الماراثون الدولي السنوي الثالث في القطاع بسبب رفض الحكومة مشاركة نساء فيه.
وشنت قوى حماس حملات أخلاقية موجهة ضد الشباب الذي يبدي مظاهر انحلالية مستوردة. وقد فوجئ الشاب طارق زياد النقيب وهو يتوجه لشراء الخبز، بعناصر من قوات الأمن التابعة لحركة حماس يتقادونه في سيارة عسكرية إلى مخفر الشرطة دون أن يعرف السبب. وقد عرف فيما بعد أن السبب، كما يقول التقرير الصحافي نفسه في «الحياة»، هو «شعره المرفوع باستخدام «الجل»، والسلسلة الفضية في رقبته». وقال الشاب في تسجيل على يوتيوب: «حين علم والدي وهاتف المخفر، قالوا له: سنخرجه رجلاً، وكانوا يقولون إن من يسرح شعره بهذه الطريقة ليس رجلاً». وقال أحدهم: «هذا بلد مسلم، وإذا كنتم لا تعرفون الله فنحن نعرفه، ونعمل وفق تعاليمه. نحن من يقرر هنا، وستكونون كما نريدكم حتى في التسريحة». ولم يتوقف الأمر على الضرب والتوبيخ والتكفير، بل قام رجال الأمن بحلق شعره، وكادوا يقصون بنطاله الضيق الأرجل، على اعتبار أنه «موضة غريبة مخالفة للتعاليم الإسلامية».
وتلاحظ «بديعة زيدان» في تقرير بالصحيفة الحياة يوم 2013/8/5، انتشار الحجاب في مسيرات نساء الأحزاب اليسارية الفلسطينية في مختلف المدن الفلسطينية، وحول أسباب هذا الانتشار، بين «الرفيقات اليساريات الفلسطينيات»- كما تقول الصحيفة مازحة، تبين «خالدة جرار»، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني لصحيفة الحياة: «من الواضح أن هناك تأثراً كبيراً بالحجاب داخل أوساط المنتسبات للأحزاب اليسارية الفلسطينية، وفي رأيي الأمر غير مرتبط بالتدين بمقدار ما هو مرتبط بإعادة مظاهر لم تكن في السابق بهذا الاتساع. ربما هناك منطلق ديني للبعض، ولكن الغالبية ترتدي الحجاب من منطلق مجتمعي، وخصوصاً في الريف الفلسطيني».
السيدة سهام البرغوثي، وزيرة الثقافة الفلسطينية السابقة، ترجع انتشار الحجاب الى الانتفاضة الأولى عام 1987، بخاصة مع «تأسيس حركة حماس ودخولها على خط الانتفاضة»، لافتة الى ان انتشار الظاهرة في غزة كان أكثر منه في الضفة الغربية. وتشير البرغوثي الى ان من بين أسباب انتشار الحجاب في بيئة اليسار، قراراته بالعمل على توسيع قاعدته الجماهيرية والشعبية، وبخاصة في الريف، «وبالتالي تغاضيه عن أساسيات في صلب الفكر اليساري التقدمي لمصلحة تحقيق هذه الغاية. اليسار سلم وسكت في مواجهة المجتمع المحافظ لتعزيز حضوره وتوسيع رقعة انتشاره جماهيرياً».
ويبدو أن الجدل لايزال مستمراً في الأوساط اليسارية الفلسطينية حول الحجاب. فقيس عبدالكريم، عضو المكتب السياسي للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، «يرى أن انتشار الحجاب في أوساط الرفيقات يدل على أن الجماهير الأساسية للأحزاب اليسارية، هي من الطبقات العمالية والفقيرة والمهمشة التي ترتدي الحجاب باعتباره الزي المقبول اجتماعياً، كما تدلل على أن التيار اليساري لا يتعارض مع الدين، كما كان يتم تصويره في السابق، وأن الكثير من أنصاره هم أيضا متدينون».
ولا يرى عبدالكريم، تقول الكاتبة زيدان في تقريرها، أي تعارض مع الفكر التحرري التقدمي لليسار، فهو «يقر بحرية الانسان في اختياره أسلوب حياته، وبالتالي لباسه بحرية كاملة، من دون تحريمات أيديولوجية مسبقة. اليسار يؤمن بفصل الدين عن السياسة، وفي هذه الحال من الطبيعي أن يقر بحرية اختيار الفرد لعقيدته الدينية كما يشاء، ولكن تيار الإسلام السياسي يدعو إلى تقييد السياسة ببنود الشريعة».
أما السيدة خالدة جرار فتخالفه الرأي، وترى ان الحجاب يمنع تحرر المرأة، مشددة على أن منع الحجاب بقرار حزبي غير جائز ويتعارض مع الحرية الشخصية. أما بسام الصالحي، الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني، فيرى ان هذا الموضوع لا يستحق الاهتمام، «على على الرغم من ان قناعتنا بأن رضوخ المرأة لعادات لا تقتنع بها يُضعف قدرتها على التأثير، وبخاصة ان على اليسار ان يلعب دوراً في تغيير المجتمع، لا ان يقع أسيراً لعاداته، ولكن من دون اغفال التعامل بواقعية وبوعي مع القيم العامة». ويضيف الصالحي في نقد ذاتي قائلاً: «اليسار أهمل الدفاع عن قضايا المرأة، ولم يكن جريئاً كفاية في تناول مواضيع من قبيل مساواة المرأة بالرجل، وحقوق النساء وعدم ترهيبهن». وطالب باعطاء المرأة اليوم حرية الاختيار، «فمن ترد الحجاب فلتتحجب ومن ترد نزعه فلتتوافر لديها الجرأة لممارسة ذلك بصرف النظر عن عادات المجتمع، لأن قيمة المرأة ترتفع ليس بلباسها بل بما تملكه من قيم وما لديها من انتماء». وربما قدمت قضايا تعليم وعمل وحجاب المرأة، ساتراً سياسياً لكل من تنظيم حماس واليسار الفلسطيني على السواء، في ظل سقوط حكم الاخوان في مصر وانقطاع علاقة الطرفين بالنظام السوري بعد الثورة والأحداث الدموية في مختلف المدن السورية.
وتقول التقارير ان حركة حماس تعيش أزمة لم يسبق لها مثيل بعد فقدان الحليف السوري والايراني وانتهاء حكم الاخوان في مصر بعزل محمد مرسي، حيث بدأت السلطات المصرية باجراءات حازمة ضد حماس شملت اغلاق معبر رفح وهدم وتدمير الأنفاق بين غزة وسيناء. ولا تملك حركة الاخوان الفلسطينية حماس ازاء هذه الاجراءات والأزمة الاقتصادية الخانقة، «سوى الارتباك والتخبط واللجوء الى الخيار الأمني في التعامل مع سكان غزة، ولن تجرؤ على استئناف المقاومة من غزة لأن العرب مشغولون بأمورهم الداخلية، ومعهم المجتمع الدولي، وستخسر حماس فوق خسارتها لو فكرت باشعال جبهة غزة». أما اليسار الفلسطيني عموماً، فحدث ولا حرج، فقد نظر وروّج إلى أن الربيع العربي هو مؤامرة أمريكية ممولة خليجيا، ثم هلل اليسار ورحب بما جرى في مصر- ثورة 30 يونيو- واعتبره ثورة حقيقية، مع أنه مدعوم خليجياً أيضاً، وتراود اليسار أحلام عودة أمجاد موسكو.. فاليسار يعيش أزمة فكرية وسياسية وأزمة خيارات». [الحياة، 2013/9/8].
ويقول الكاتب الفلسطيني «ماجد كيالي»، في مقال أسبق في نفس الصحيفة ان فصائل اليسار الفلسطيني والتي كانت تحمست للتغيير في مصر، وجدت نفسها حائرة ازاء الثورة الليبية، وبدت في غاية البلبلة ازاء الثورة في سورية، على الرغم من ادراكها لطبيعة النظام الذي هيمن على البلاد والعباد لأربعة عقود، وعلى الرغم من ان هذا النظام يستخدم الطائرات والدبابات والصواريخ ضد شعبه، أكثر بكثير مما استخدمها ضد اسرائيل. وتبدو حركة حماس وحدها بين كل الكيانات الفلسطينية التي أبدت حماسة للربيع العربي، لكن مشكلتها أنها رأت ذلك، على الأغلب، من زاوية مصلحتها في صعود التيارات الاسلامية في العالم العربي. ولم تقرن ذلك بتغييرات ملموسة بشأن ادارة علاقاتها مع الكيانات السياسية الأخرى، أو كيفية ادارتها للسلطة في قطاع غزة».
«لقد حمّلت حماس قطاع غزة أكثر بكثير مما يحتمل، وأدارته بطريقة غير عقلانية وغير واقعية»، يقول الكيالي، يقول الكيالي، «فأضرت بنفسها، كما أضرت أهل غزة معها الذين عانوا من الحصار الاسرائيلي، ومن ويلات حربين مدمرتين في غضون الأعوام الستة الماضية. إنها لم تنجح في إقامة نموذج دولة «إسلامية»، ولا في إقامة نموذج سلطة أفضل من تلك التي تديرها «فتح» في الضفة، مما أدى إلى انحسار مكانتها، وتراجع شعبيتها» [2013/10/15].
وإذا كانت حركة حماس في هذه الحالة المتدهورة، باتت كما يقول «كيالي»، تقبل وهي في موقع الضعف ما كانت ترفض سابقاً من موقع القوة، وصارت تطالب القوى الفلسطينية الأخرى بمشاركتها في إدارة القطاع، وإلى حوار وطني شامل، فلا غرابة أن تضع الكثير من الأولويات جانباً لتخوض «معركة الاختلاط» في المدارس الفلسطينية، وتتعاون مع المتشددين الإسلاميين والجهاديين في الداخل والخارج.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2178632

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

50 من الزوار الآن

2178632 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 51


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40