الجمعة 14 شباط (فبراير) 2014

هل الحرب حتمية الوقوع؟

الجمعة 14 شباط (فبراير) 2014 par محمد الصياد

في مقالنا السابق “توقعات حول التوترات الاجتماعية في العالم” بتاريخ 7 فبراير/شباط ،2014 عرضنا لآراء ومرئيات نخبة من الخبراء الاقتصاديين والمحللين الماليين وكبار المستثمرين الأمريكيين وغير الأمريكيين في أسواق السلع والخدمات والأوراق المالية في العالم، التي كادت تُجمع على حتمية اندلاع حرب عالمية ثالثة خلال الأربعة والعشرين شهراً المقبلة، كنتيجة حتمية لتصدع البنى الاجتماعية وتدهور أحوال الناس المعيشية، خصوصاً في أوروبا والولايات المتحدة جراء استمرار تداعيات أزمة الديون والعجوزات المالية الحكومية والخاصة، التي أودت بحياة الملايين في أوروبا وأمريكا إلى مهاوي الفقر والعوز والفاقة .
الآن إلى أي حد يمكن للمرء أن يذهب في مجاراته لمحاولة فهم، والاقتناع ب، وتصديق كل هذه القراءات، والتنبؤات المبنية عليها، لمستقبل صراع الأضداد الدائر بشراسة على كوكبنا الأرضي، الذي صار أكثر احتراراً سواء بنشاط الإنسان غير العقلاني الإهداري لموارد الكوكب، أو بأعماله وأفعاله العسكرتارية المنفلتة العقال، ما أضعف اليقين بشأن ما إذا كانت الضوابط المؤسسية الجارية كافية لكبح جماحها قبل أن تتطور إلى تجسيدات “نبوءات” أولئك الخبراء بشأن حتمية وقوع الحرب!
سوف يتعين علينا بدايةً تفحص الأساس الذي بُنيت عليه استنتاجات أولئك الخبراء وخلاصاتهم التي انتهوا بها إلى حتمية وقوع الحرب الكونية خلال السنتين الحرجتين الجاريتين . وهذا الأساس، بحسب قراءاتهم المتطابقة تماماً، هو تهتك وتصدع البنى الاجتماعية جراء أزمة المديونيات والعجوزات المالية الوطنية الضخمة . وهي أعراض تشبه إلى حد بعيد -وهم هنا على حق - الأعراض الاجتماعية التي أدت إلى الحربين العالميتين الأولى والثانية .
إنما، وبحسب علم الاقتصاد السياسي والفلسفة التاريخية، فإن تأزم الأوضاع على الجبهة الاجتماعية وارتفاع منسوب السخط المجتمعي، يؤديان عادةً إلى الانتفاض وطنياً على هذه الأوضاع وتوجيه السخط نحو الحكومات القائمة، باعتبارها عنوان المسؤولية عما وصلت اليه البلاد من تدهور في أحوال الناس المعيشية .
والسؤال: لماذا قفز هؤلاء الخبراء على هذه الحقيقة، وهي متغير أساسي في مثل هذه القراءات التاريخية الاقتصادية/الاجتماعية؟ . . ولماذا أجمعوا على أن تدهور الأوضاع الاقتصادية سيفضي إلى نشوب الحرب؟
إنهم بالتأكيد يعون مفاعيل هذا التداعي للسخط الاجتماعي ومآلاته، وهم يقصدون بلا أدنى شك هذا التجاوز وهذا القفز دفعة واحدة نحو خيار الحرب، ما يعني أن الطبقات الحاكمة وجموع الرأسماليين المتخادمين معها، ومنهم أصحاب الرؤى آنفة الذكر من المليارديرات، قد اتخذوا قرارهم مسبقاً، أنه في حال ساءت أوضاعهم الاقتصادية والمالية، فسيذهبون إلى الحرب، قبل أن يتوجه سخط الطبقات الاجتماعية المتضررة من الأزمة (الفقيرة والمتوسطة والمهمشة) ضد استحواذ الطبقات الحاكمة وجشعها وفسادها .
بهذا المعنى، فإن الذهاب للحرب قفزاً على المشكل الاقتصادي الاجتماعي وتصديراً له، هو من وجهة نظر بليونيرات الرأسماليات الغربية، أمر محتم الوقوع . وهو بلا شك أمر محزن، من حيث دلالاته المؤشرة إلى ضعف كوابح الذهاب للحرب في النظام المؤسسي لليبراليات الغربية .
على أية حال، علينا أن نتذكر ثم نتفكر فيما قاله بعض أولئك الخبراء والمستثمرين بشأن حتمية وقوع الحرب الكونية الثالثة، من أنها ستندلع أولاً في منطقة الشرق الأوسط، بسبب اجتماع كافة عوامل التفجير فيها . وإذا ما أجّلنا النظر في أوضاع منطقتنا العربية، فسوف نلحظ بعد معاينة تاريخية اقتصادية سريعة، أن هنالك دولاً قد تخلت طواعيةً عن الاضطلاع بوظيفتها المتصلة بالبعد الاجتماعي للتنمية لمصلحة رأس المال وقواه النافذة، فأضحت اليوم نهباً للهبات والاحتجاجات الشعبية المتوالية . وهناك البعض منها، بات يفكر اليوم بجدية في مغادرة هذه الوظيفة تحت ضغط تناقص الموارد ومصادر التمويل الذاتية المحلية .
وعندما يتنبأ لنا جهابذة أسواق المال والأعمال في الغرب بسيناريوهات من طينة ما تنبأ به المستثمر المخضرم جيمس داينز وأضرابه، فإنه يتعين علينا أن نتحسس مكامن الاختلالات الخطرة المتسربلة في ثنايا بُنانا الاقتصادية والاجتماعية، وأن نتوقف عن مجاراة الضغوط الناعمة لخبرائه التي تأتي في صورة نصائح للانسحاب التدريجي للدولة من وظيفتها كوازن للتنمية بشقيها الاقتصادي والاجتماعي، وعدم التفريط في استقلال قرارنا الاقتصادي والاجتماعي السيادي .
أما وأن الحرب ستندلع خلال العامين الجاريين، فإن مطالعة سريعة لمؤشرات الأداء الاقتصادي العالمي، وبضمنها مؤشرات أداء الاقتصادات الأوروبية التي أسس أولئك الخبراء خلاصتهم الحربية عليها، فتُبين لنا أنها لا توفر بحد ذاتها أساساً متيناً لاندلاع أزمة اقتصادية طاحنة متبوعة بانهيارات في البنى الاجتماعية، بحيث تشكل محفزاً لقوى الرأسمال العالمي للذهاب للحرب كخيار ناجع لمعالجة مثل هذه الأزمات ينصح به بعض أوساط المشيخة الفكرية لتلك القوى .
والأقرب إلى التقدير أن تلك الآراء الراديكالية حول حتمية وقوع الحرب، هي أقرب إلى التهويل الإعلامي الباغي ممارسة ضغوط محسوبة على المؤسسات التشريعية وعلى الحكومات في أوروبا والولايات المتحدة للتوقف عن سن مزيد من التشريعات ووضع مزيد من الضوابط لضبط إيقاع الحركة الاقتصادية منعًا لحدوث الفقاعات في أسواق المال والعقار خصوصاً، ومنع الفلتان الرأسمالي الذي تسبب في الكوارث المالية في عام ،2008 التي مازالت ذيولها مستمرة حتى اليوم، هي أقرب إلى التهويل منها إلى القراءات العلمية الرصينة للوضع الاقتصادي العالمي الراهن، والذي لا ننكر، بالمناسبة، هشاشته الناجمة أصلاً عن تكالب حيتان الدول على الأسواق .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2165501

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165501 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010