الأربعاء 12 شباط (فبراير) 2014

أمريكا والتنصّت الهاتفي

الأربعاء 12 شباط (فبراير) 2014 par أمجد عرار

السفير الأمريكي في موسكو مايكل ماكفول معجب بقدرات روسيا الهائلة على التنصت، محتجاً على ذلك بنشرها مكالمة هاتفية له على الإنترنت منذ عامين . غير أن السفير يقول إنه لم يحصل على تأكيد بأن موسكو هي التي تجسّست على المكالمة الهاتفية لمساعدة وزير الخارجية الأمريكي فيكتوريا نولاند، والتي شتمت فيها الاتحاد الأوروبي .
على العموم، جزء من القدرات التي يعترف بها ماكفول، تجعله غير قادر على التأكد من أن موسكو هي التي فضحت “طابق” فيكتوريا نولاند، وهي ليست الأولى في تاريخ الدبلوماسية الأمريكية تجاه الآخرين، بمن فيهم حلفاؤها الأوروبيون، فوزير الدفاع الأمريكي الأسبق رامسفيلد، من دون حاجة للتنصّت، تحدّث علناً معايراً أوروبا بأنها “قارة عجوز”، فقط لأن بعض دولها رفضت مجاراته في احتلال العراق .
السفير وغيره من المسؤولين الأمريكيين، في جدالهم في الجهة التي كشفت مكالمة نولاند، فعلوا كمن يناقش في طريقة كشف عملية سرقة، من أجل التغطية على السرقة ذاتها، فيصبح الكشف مداناً والسرقة مشروعة . إذا كان السفير يرى أن التنصت الروسي، في حال ثبتت صحته، يمثل انتهاكاً للمبادئ الدبلوماسية، فإن عليه أن يدقّق كثيراً في كلامه، خاصة حين يقول إن هذه ليست الطريقة التي تتعامل بها الدول مع بعضها .
قبل أسبوعين أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما حظر التنصت على زعماء الدول التي تعدّ من أصدقاء واشنطن وحلفائها المقربين، وبدء الحد من جمع بيانات من هواتف الأمريكيين في إطار لملمة ذيول الفضيحة التي فجرها إدوارد سنودين ابن وكالة الأمن القومي الأمريكية . أراد أوباما بذلك الإعلان أن يطمئن الأمريكيين والأجانب إلى أن الولايات المتحدة قررت ما يشبه “التوبة” عن التنصّت التجسسي عليهم باسم الأمن الذي حرمت بلاده ملايين البشر منه في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وحتى الأمريكيين أنفسهم .
لم يكد أوباما يطلق وعده بأن لا تتنصّت الولايات المتحدة على رؤساء الدول أو الحكومات الصديقة والحليفة لها، حتى ظهرت اعترافات لمسؤول أمريكي تؤكد أن وكالة الأمن القومي تجمع بيانات اتصالات هاتفية لأعضاء في الكونغرس، بالتوازي مع تقارير أفادت بأن هذا التجسس يشمل اتصالات أوباما نفسه .
ثمة سؤال يقفز للأذهان في هذا السياق محوره إن كانت هناك علاقة بين الديمقراطية وحماية خصوصيات الناس، وهل من قبيل الديمقراطية أن يسمح لأبناء الشعب الأمريكي بأن يعبّروا عن آرائهم بحرية، في حين تدخل عيون التجسس الفضائي لوكالة الأمن القومي غرف نومهم وهواتفهم الثابتة والمحمولة؟ وهل الديمقراطية عملية تدور في دائرة الشعب والسلطة والأجهزة وتنتهي بحدود هذه الدائرة، ليصبح بعدها مباحاً اختراق خصوصيات دول وشعوب أخرى، بل وإرسال طائرات من دون طيار لتقصف أعراسها ورعاة أغنامها، والفرق الخاصة لاختطاف الناس من بيوتهم، وإنشاء السجون السرية، بذريعة الأمن القومي ومحاربة الإرهاب؟
قد يكون هذا ما يعنيه ماكفول حين أعلن أنه سيستقيل من منصبه سفيراً في موسكو ليعود إلى جامعة ستانفورد بالولايات المتحدة محاضراً في السلك الأكاديمي، لكن عليه أيضاً أن يبحث له عن حمام زاجل ليستخدمه في مراسلاته الأكاديمية والعائلية، إذ إننا كلّما عدنا إلى الوراء أكثر، كانت حياتنا آمنة أكثر .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 36 / 2165259

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165259 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010