الأربعاء 12 شباط (فبراير) 2014

قضية واحدة ومصير واحد

الأربعاء 12 شباط (فبراير) 2014 par فيصل جلول

كانت وقائع مصر على الدوام الشغل الشاغل للعرب والمسلمين نظراً لدورها المركزي في صناعة مصيرهم، وكان المديح ينهال على مصر عندما تنهض وتلعب دورها المركزي المرتجى، وترمى باللوم عندما تتراجع وتضعف، ويتولى الحكم فيها قادة تولوا السلطة في غفلة من الزمن .
والرهان المعقود بعد الإطاحة الشعبية بنظام “الإخوان” ممثلاً بالرئيس المخلوع محمد مرسي على دور جديد لقيادة مصرية جديدة منتخبة تتيح لمصر وللعرب انطلاقة أخرى بعيداً عن الفتن الطائفية والمنظمات الوحشية الإرهابية التي استقرت على هامش الحركات العربية المطلبية والمشروعة .
والحديث عن قيامة مصر السياسية الجديدة بأقصى سرعة ليس ضرباً من المبالغة أو الوصف التعظيمي الانشائي، فهو يدخل في صميم الأمن والاستقرار المصري الداخلي وفي صميم الأمن والاستقرار العربي، فمن هذا البلد تطلع الهيئة العامة للعالم العربي . فإذا ارتضى لنفسه دوراً هامشياً ارتفعت في دنيا العرب التكتلات الصغيرة وتضاعفت الفرص السانحة لأدوار أجنبية إقليمية ودولية كما هي الحال اليوم وإن ارتضى لنفسه دوراً مركزياً في عالمه ومحيطه الطبيعي تحجمت الأدوار الإقليمية والدولية وعظم شأن مصر والعرب .
وبخلاف الاعتقاد الشائع لم يفض الانكفاء المصري على الذات مرة واحدة إلى الأمن والاستقرار الداخلي في مصر، بل أدى إلى كوارث حقيقية من بينها انفصال جنوب السودان عن شماله، واقتراب المشاكل السودانية من الحدود المصرية نفسها، وآخر الكوارث يتمثل بأزمة سد النهضة الإثيوبي التي ظهرت في عهد حكومة مرسي، وما كان لإثيوبيا أن تتجرأ يوماً على مثل هذه الخطوة العدوانية في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، هذا إذا أردنا إهمال الفتنة الطائفية التي أطلقها الرئيس المخلوع في استاد القاهرة والتي كادت أن تدمر النسيج الاجتماعي المصري لو لم تطو صفحة هذا الحكم في مليونيات يونيو/ حزيران الماضي .
ما من شك في أن الوعود المعلنة والكامنة في خارطة الطريق الجديدة ما بعد حكم “الإخوان” تشي بانطلاقة مختلفة وبدور مصري مركزي في العالم العربي، وإن كنا غير قادرين حتى اللحظة على التعرف إلى كامل ملامحه ومداه الاستراتيجي . وتقتضي الصراحة الاعتراف بأن غياب اهتمام الحكومة المصرية الراهنة ببعض القضايا الاستراتيجية العربية والمصرية مثير للقلق ومن بينها ما يجري حول باب المندب .
لمعرفة حجم هذه القضية لا بد من التوقف عند أهمية هذا المضيق وعلاقته المصيرية بقناة السويس .
إن القاء نظرة خاطفة على خارطة البحر الأحمر تفيد بوضوح ارتباط مدخله ومخرجه بباب المندب وقناة السويس، وبالتالي، فإن حركة الملاحة في القناة مرتبطة ارتباطاً مصيرياً بباب المندب، فإن أقفل هذا المضيق أصيب الاقتصاد والأمن والاستقرار المصري إصابة قاتلة، ما يعني أن الصراع حول المضيق يجب أن يعتبر قضية مصرية داخلية . مع الإشارة إلى أن اجتماع خطر سد النهضة الإثيوبي والاضطراب حول باب المندب في منطقة القرن الإفريقي يجعل الأمن المصري تحت رحمة قوى لا تأثير للمصريين عليها وقادرة على فرض شروطها على حكومة بلادهم .
وللمزيد من التفصيل أشير إلى أن قناة السويس توفر الدخل المصري الثالث الأهم في موارد البلاد جراء مرور حوالي 12 في المئة من التجارة العالمية في مياهها، هذا فضلاً عن حوالي 4 ملايين برميل من النفط يومياً ما يشكل حوالي 15 في المئة من تجارة النفط العالمي، وتتم هذه الحركة عبر طرفي البحر الأحمر أي قناة السويس وباب المندب . تبقى الإشارة إلى أن المضيق اليمني الجيبوتي هو واحد من أهم أربعة مضائق في العالم تحتكر 80 في المئة من تجارة النفط العالمية والمضائق الأخرى هي مضيق هرمز ومضيق ملقة ومضيق البوسفور، ويمكن إضافة مضيق بنما الذي يحتكر مرور 400 ألف برميل من النفط يومياً، لكن تأثيره يظل أقل بكثير من المضائق الأربعة الآنفة الذكر ما يعني أن من يملك تأثيراً على باب المندب تكون له كلمة فاصلة في التجارة العالمية، فكيف إذا اجتمع التأثير بين السويس وباب المندب معاً .
يفصح ما سبق عن أهمية المضيق الاستراتيجية بالنسبة للتجارة العالمية وعن دوره المصيري بالنسبة لحركة الملاحة في قناة السويس، فلماذا تغيب وقائع ما يدور حوله عن اهتمام السلطات السياسية المصرية، ولماذا تلعب قوى إقليمية ودولية عديدة أدواراً بارزة فيه وتغيب مصر صاحبة المصلحة الأولى في هذا الموقع؟
الإجابة عن السؤال تتفاوت بتفاوت العهود المصرية ففي العهد الناصري وضعت مصر عبر تبنيها للثورة اليمنية حداً للوجود البريطاني المعمر في عدن وجنوب اليمن، وصارت لاعباً مهماً في هذا البلد وفي مضيقه الاستراتيجي وقد استمر هذا الدور إلى عهد الرئيس أنور السادات الذي تمكن بالاتفاق مع رئيس اليمن الجنوبي سالم ربيع علي من إقفال باب المندب بوجه الملاحة “الإسرائيلية” في حرب أكتوبر/ تشرين الأول عام ،1973 وفي عهد مبارك كانت العلاقات الوثيقة بين الرئيس السابق علي عبدالله صالح وحسني مبارك تتيح دوراً مصرياً مضموناً في هذا المضيق الذي تسيطر على ضفته الأخرى في جيبوتي قاعدتان عسكريتان أمريكية وفرنسية . ولعل عهد مرسي القصير خلا من أي التفاتة لهذا الموقع، وحتى الآن لم يبد النظام الانتقالي الحالي في القاهرة أهمية خاصة للصراعات الدائرة حوله بل يمكن القول إن وسائل الإعلام المصرية تتعاطى مع وقائعه وكأنها تدور في عالم آخر . . وبالتالي تحتاج إلى من يلفت انتباهها إلى أن القناة والمضيق قضية واحدة ومصير واحد .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2177241

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2177241 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40