الثلاثاء 11 شباط (فبراير) 2014

صفحات من أوراق علي ابو طوق

علي نموذج وأمثولة..
الثلاثاء 11 شباط (فبراير) 2014 par معين الطاهر

هذه صفحات من كتاب خطه علي ابوطوق بدمائه. اجتزئها من الذاكرة كما هي، وبدون خيال أو رتوش، وبلا تدخل أو اضافة من جانبي. بل قد يعتري هذه الصفحات الكثير من النقص، ويتملكنا الاحساس بالقصور تجاه ذكراه. اذ ان للذاكرة الانسانية عذرا في ضعفها، وعذرنا نحن أن الفعل الانساني يتفوق دوما على محاولات تدوينه. خصوصا اذا كان الفعل ينبض بحيوية علي، وتفانيه عن ذاته، ويلتحم بالشعب ويعمل من أجله، فينزرع في تراب الوطن، ويتحد مع دماء الشهداء.
وأعترف منذ البدء أن السير بمحاذاة علي لم يخل من صعوبة على الكثيرين من رفاقه اذ ان عليا كان يؤمن بأننا لم نقدم كل ما نملك من أجل الارتقاء بالثورة، وتصعيد كفاحها، وتصليب بنائها. فالثورة في نظره فعل مستمر.. لايهدأ.. ولا يتوقف.. لذا فان أي جهد يبذل هو خطوة من أجل بذل جهد أكبر منه. وأي انجاز يسجل لا يعدو كونه علامة مضيئة على طريق تسجيل انجاز أكثر اهمية.
كان علي ينشد الكمال التام والغاية القصوى في كل ما يفعله. لكنه كان يدرك أن ثمة مسافة _تصغر أو تكبر _ بين الجهد الانساني ومثله الأعلى. ومع أن علي لم يكن قط مثاليا - بالمعنى الفلسفي-، بقدر ما كانت افكاره تندمج في الواقع. ويعبر عنها من خلال الممارسة العملية.
ولعلي أسجل هنا: انه لم يحفر خندق لم يضرب فيه علي ضربة معول. ولم يبن موقع أو دشمة لم تدم فيها يداه. ولم يتألم مقاتل الا وكان علي بجانبه.. يمسح عنه جروحه ويخفف بعض ألمه ومعاناته.
ولأن علي كان كذلك فان شعور اخوانه بالمسافة التي سبقهم فيها, سرعان ما يتحول من شعور صعوبة اللحاق به، الى الأمل بمواكبته والسير معه وعلى خطاه.
وحيثما كان علي، وفي اي موقع حل. سواء في الأردن أو لبنان.. بنت جبيل أو الشقيف.. البقاع أو طرابلس.. البداوي أو شاتيلا. فان بصماته الخاصة سرعان ما تطبع المكان بطابعها المميز. ووجوده يطلق اشارة البدء لبناء نموذج ثوري متقدم.
ترى كم مرة جرح علي ؟؟ احاول ان أتذكر. فهو قد جرح الجرح فوق الجرح فوق الجرح. أذكر أن المرة الأولى كانت سنة 1976 حين كان يشغل موقع قيادة منطقة رأس النبع في بيروت. وتمكن مع اخوانه من حماية المنطقة بل ومن انقاذ حي البرجاوي المجاور والممتد على شكل شريط ضيق داخل حي الأشرفية. ومنع قوات الكتائب من احتلاله. وضمن بذلك سلامة المناطق الاسلامية في رأس النبع والبسطة.
على أن الانجاز الأهم الذي سجله تمثل في حماية أمن سكانها، مسلمين ومسيحيين، من نهب وترويع عملاء الأجهزة ومروجي الفتنة الطائفية وتجار الحروب المتسترين ببعض اليافطات الوطنية. في رأس النبع أنقذ علي أرواح العشرات من سكانها المسيحيين. وعزز روابط الوحدة والمحبة بينهم وبين اخوانهم المسلمين. وأقام اللجان الشعبية من سكانها بحيث استحالت المنطقة بأسرها أسرة واحدة كبيرة.
لم يرق هذا لجمع من المتضررين، فكان أن دبروا محاولة لاغتياله، وهنا افتعل بعض المشبوهين مشكلة، اطلق خلالها أحدهم النار عليه من بندقية كلاشنكوف. فكان أن امسك علي بعد اصابته بالبندقية ويد القاتل قابضة على زنادها. وحولها من صدره الى صدر القاتل. وخرج علي يومها بجروح وكسور في الساق وحروق شديدة في اليدين.
وقبل ان يمضي شهر على ذلك، عاد علي الى راس النبع،التي كانت نيران القناصة تؤرق بعض شوارعها. وأراد مشاركة اخوانه في بناء متراس يحمي رؤوس الأطفال الأبرياء من الطلقات الغادرة. الا أن القناص المتربص، الذي هاله منظر الشاب الذي يحمل كيس رمل بيد، ويتكئ على عكازته باليد الأخرى، عاجله بطلقة أصابت ذات الساق الملفوفة بالجبس. وليترك الجرح وساما دائما تجلى في عرجة خفيفة ظلت تميز شبح علي حين يطل علينا من بعيد.
في سنة 1980 حاز علي وساما آخر. بينما كان يقوم مع عدد من اخوانه بتنفيذ خطة تجهيز هندسي على الحد الأمامي في منطقة كفر تبنيت. اذ انفجر لغم نالته منه شظية أصابت ساقه الأخرى، ولم تمض أيام حتى كان على رأس عمله من جديد.
يومها انتقد بعض اخوانه موقفه هذا، عبر رسالة وجهوها اليه، واستهلوها بالقول “ان عليا قدوة لاخوانه المقاتلين ومثلا لهم وقد علمهم أن الفدائي ملك للثورة والشعب. لذا فانهم ينتقدون سلوكه الذي يتضمن استهتارا بالاصابة. وعدم الاهتمام الكافي باستمرار العلاج..”يومها اشرق وجه علي خجلا.. وبعناده المعهود حاول المقاومة والدفاع.. استخدم كل المبررات الممكنة للرد على هذا النقد.. وفي نهاية المطاف استسلم لمنطق النقد الموجه اليه من أحبائه واخوانه. وجرى تعميم الرسالة بعد تذييلها بوعد من علي بأن يهتم أكثر بجراحه وصحته. لكن لعله الوعد الوحيد الذي لم ينفذه
أما في مخيم البداوي فقد اصيب علي بجراح طفيفه ناجمة عن صاروخ ضل طريقه، وجاء يسعى لاقتلاع الثورة عن جذورها، ورميها الى البحر والمنافي. ولكن خلف هذه الجراح الطفيفة.. استقر جرح عميق في وجدانه منذ أن بدأت الطلقات التي ضلت الطريق تدوي في سماء البقاع. كان علي يدرك بحدس الثائر أن هدف هذا الاقتتال ابعاد المقاتلين عن ساحة الصراع ضد العدو الصهيوني. ولذا ووسط اتون الطلقات الضالة ظل علي يتحين الفرص لتنفيذ عملية أو ارسال دورية ضد العدو الصهيوني. لعل انفجار لغم تحت دبابة صهيونية يلفت أنظار هؤلاء ويجذب البنادق في اتجاهها الصحيح.
في شاتيلا جرح علي أكثر من مرة، في احداها كان عدد الجرحى كبيراً. انتظر تضميد جروح الجميع، رافضا باصرار منحه أي أولوية، حتى فرغ الدكتور يانو من علاج الجميع، رفض علي البقاء في المستشفى وأصر على العودة الى الخنادق ليطمئن على من بقي من رفاقه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 50 / 2165344

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقلام الموقف  متابعة نشاط الموقع معين الطاهر   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165344 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010