الأحد 9 شباط (فبراير) 2014

اوكرانيا: سخونة في حرب باردة

الأحد 9 شباط (فبراير) 2014 par عبداللطيف مهنا

لاتحجب تطورات المشهد الاوكراني المأزوم مسألة سوف تبدو لنا في غاية الوضوح إذا ما حاولنا النظر إلى ماهو خلف اكمتها الزاخرة بتعقيداتها الكثيفة والمتزايدة. مسألة يمكن اختصارها في كون الغرب لازال في حال المصر على سياسة مد نفوذه الأوروبي والتوسع به شرقاً، أي أنه لا ينوي الكف عن اللعب في الحدائق الخلفية الروسية التاريخية المتهتكة اسيجتها بعيد انهيار الاتحاد السوفيتي، وبالمقابل، فإن روسيا، روسيا بوتن، الناهضة بعد سبات شتوي لم يطل، والجاهدة لاستعادة امجادها الغابرة، تستميت في الذود عن حياضها المنتهكة، ولذا فما من شك في أننا أمام فصل ساخن ويتقد من فصول الحرب الباردة وفي مجرد ساحة واحدة من ساحاتها المتعددة، والتي اذكت ذات تليد السياسات التوسعية الغربية أوارها، بعد أن كان العالم قد توَّهم إلى حين لم يطل خمودها. أي لايمكن اختصار الأزمة الاوكرانية فقط في انقسام هو واقع بين شرق مصنَّع وذو اغلبية ارثوذكسية ناطقة بالروسية وميالة لروسيا، وغرب ريفي فلاَّحي غالبه كاثوليكي وذو جنوح غربي تاريخي، رغم أن لمثل هذا الانقسام جذوره التاريخية والثقافية والسياسية الضاربة التي يستحيل تجاهلها. ولا ابتساره في الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يعيشها هذا البلد والتي تضعه على حافة هاوية الإفلاس. بلد انخفض عديد سكانه في الحقبة التي تلت الانهيار السوفيتي بما زاد على الستة ملايين ونصف المليون لتناقص الولادات، وغادره للبحث عن لقمة العيش قرابة هذا العدد، نسبة غير قليلة منهم إلى روسيا بالذات. وتصل نسبة البطالة فيه، وفق بعض التقديرات الغربية، إلى ثمانين في المائة. بل لابد لنا أن نضيف لما تقدم من اسباب ماهو أهمها، أي الأسباب الجيوستراتيجية الغربية، أوالعودة بالذاكرة إلى مخططات الأميركي بريجنسكي ذات العلاقة، وهو الأمر الذي اشار اليه وزير الخارجية الاوكراني عندما قال للغربيين إننا “لانريد أن نكون بيادق في لعبة جيوسياسية”. وعليه، فإنه لن تُجدِ تنازلات فيكتور يانكو فيتش، رئيس الجمهورية، أو استعداد حزبه، حزب الأغلبية الحاكم، للتنازل للمعارضة عن قيادة الحكومة في تمكين البلاد من الخروج من ازمتها المستفحلة، ما دام الهمس الأوروبي المحرِّك والمحرِّض ينفث تهييجة في آذان أحزاب المعارضة الثلاثة، الوطن، واودار، وسبوفودا الفاشي، والهيئات الأخرى المدعومة والممولة من الغرب، والتي تصرُّ على تعديل الدستور، وتعديل قوانين الانتخابات، وتقليص سلطات رئيس الجمهورية، أو تقزيمه، بمايعني تغيير نظام الحكم بأكمله ، الأمر الذي لن يقبله الروس، وهم اللذين يدركون أن الناتو يضع عينه على قاعدتهم البحرية في سباستبول في القرم على شاطىء البحر الأسود، لذا فالمسألة بالنسبة لهم تتعلق بأمن روسيا في الدرجة الأولى، وموقعها أو دورها الكوني مستقبلاً من الناحية الثانية. ولأن الأمر بالنسبة لهم هو كذلك، كان تعهُّد بوتن بالإلتزام بتقديم قروض روسية لإوكراينا وبلا شروط، وتخفيض سعر النفط الروسي المصدَّر لها إلى الثلث، وذلك بعد تراجعها عن توقيع اتفاقية التعاون مع الاتحاد الأوروبي، والذي استثار قوى المعارضة وفاقم الأزمة. بل واقتراحه اتحاداً جمركياً يجمع بلديهما مع كل من كزاخستان وبيلوروسيا، أي ما دفع الغرب لتصعيده التحريضي في مؤتمر ميونخ للأمن، وابداءه الإستعداد للتوسط بين طرفي الأزمة الأوكرنيين، أو ما اغضب بوتن واعتبره تدخلاً مرفوضاً في الشأن الأوكراني. ثم كان أن اعقبه ذهاب اشتون إلى كييف، تبعه وصول مبعوثاً أميركياً إليها، ذلكم تحت يافطة التلويح بخطة انقاذ غربية ومساعدات مالية غامضة ومشروطة بعملية اصلاح وانتخابات رئاسية وحكومة انتقالية موسَّعة تشكِّلها المعارضة، أو وفقما قالت اشتون، إن تقديم الأموال للأوكرنيين “يتوقف على مدى متابعة الحكومة الأوكرانية الجديدة اجراء اصلاحات اقتصادية وسياسية”. وهنا لابد من ملاحظة أن الأوروبيين، رغم كل هذه الفزعة المؤيدة للمعارضة، لم يطرحوا مسألة انضمام أوكرانيا إلى اتحادهم … إذن نحن في أوكرانيا ازاء واحدة من جولات صراع روسي غربي لايمكن عزلة عن ما سبقه من جولات في باقي الجبهات الأخرى، ومنها جورجيا، أوأوسيتا الجنوبية وابخازيا مثلاً. صراع بين تمدد غربي يرى الروس أن مواجهته إنما هى مسألة دفاع عن النفس، وقد يعدونه جولة من جولات هذه التحولات الكونية التي لابد وأن تعصف بما تبقى من آحادية القطبية الأميركية الآفلة وبزوغ عالم متعدد الأقطاب والمراكز واستعادة بعض ما فقدوه من دور لهم كقوة عظمى بعيد الإنهيار السوفيتي، ولذا لايمكن فصل هذا أيضاً عن المناورة المشتركة اللافتة لحاملتي الطائرات، الروسية “بطرس الأكبر”، والصينية “يانتشينغ” في البحر الأبيض المتوسط … وهل يمكن عزله عن التزايد المضطرد في الحقبة البوتينية في موازنة التسلح الروسي، والتركيز فيه على مستجد النسخ من الأسلحة فائقة التطور والمحدثة؟!

… إنه صراع روسي غربي، وفصل ساخن من فصول حرب باردة غير معلنة العودة، واحياناً يصعب على طرفيها تمويهها، وقد تقود الى تقسيم أوكرانيا إذا ما تفاقمت رحاها، وهي، على أي حال، البلد الذي قد يكون الجاهز فعلاً، وللأسباب التي بيِّناها سابقاً، لمثل هذا المصير، وهذا هو الأمر الذي حدا بالجيش للتعبير عن مخاوفه من حدوثه ، ومن ثم دعوته لرئيس الجمهورية إلى المبادرة باتخاذ “تدابير عاجلة” لدرئه … اعقبه تعبير المعارضة بدورها عن خشيتها من فرض حالة الطوارىء التي تخشى أن يكون لها مابعدها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 63 / 2165410

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عبداللطيف مهنا   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165410 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010