الأحد 9 شباط (فبراير) 2014

تونس نموذج يتقدم

الأحد 9 شباط (فبراير) 2014 par أمجد عرار

تونس تقدّمت خطوة واضحة في مسار طويل نحو الديمقراطية . فالدستور الذي أقره مجلسها التأسيسي هو الأساس الذي تنتصب فوقه أركان الدولة المدنية المنشودة التي يستحقها شعبها المنفتح . ربما، من قبيل المصادفة أن تأتي المصادقة على الدستور الجديد في الذكرى السنوية الأولى لاغتيال شكري بلعيد، ذلك المناضل الذي عمل بلا كلل لأجل تونس حرة وديمقراطية وتقدمية . أتت المصادقة لتؤكد أن كواتم الصوت لا حيلة لها أمام إرادة الحياة، وأن معاول الهدم لن تنتصر على القيمة الإنسانية للبناء .
في مادتيه الأولى والثانية يضع الدستور التونسي الأساس والسقف والجدران لبناء الدولة العصرية، دولة مواطنيها وليست دولة حزب أو طائفة أو جماعة، دولة تعمل فيها الأحزاب لها ولا تسخّر هي لخدمتها . تونس في أولى مواد دستورها “دولة حرة، مستقلة، وذات سيادة، الإسلام دينها والعربية لغتها، والجمهورية نظامها” . وفي الثانية “تونس دولة ذات طبيعة مدنية، مؤسّسة على المواطنة، وإرادة الشعب وأولوية الحق” .
هذا يعني أن تونس الجديدة التي يصار لبنائها، ستكون دولة مواطنيها وليست دولة اللون الواحد . وحين تتاح مثل هذه الحرية المسؤولة في الدستور، وبعد ذلك في تطبيقه، تنفتح آفاق التفكير بديلاً لانغلاقية التكفير، أي أن الشعب يخرج كل ما لديه من طاقات إبداعية لبناء بيئة ملائمة لجيل عانى الدكتاتورية والفساد، وللأجيال القادمة .
سيسجّل التاريخ للتونسيين أنهم جعلوا التكفيرية والإرهاب والانغلاق معزولة لدى ثلّة مشبوهة لا ترى البلاد إلا مرتعاً لمخططاتها المستوردة، وأنهم أفشلوا كل مخططات استدراجهم لمربّع الفتنة التي لا تبقي ولا تذر . وهم بذلك قدّموا النموذج الوحيد حتى الآن للتغيير الديمقراطي بأقل ثمن ممكن أو من المفهوم دفعه . هذا يعني من جملة ما يعني أن التونسيين مصرون على السير للأمام، وهم مؤهّلون بهذا التوافق لكي يتجاوزوا التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، واحتلال الصدارة .
لا تتحقق الأهداف دفعة واحدة بعصا سحرية، لكن عندما تكون الخطوات إلى الأمام، فإن السائر سيصل إلى مبتغاه مهما كانت الطريق طويلة، والدستور التعددي المنفتح والحاضن للجميع هو الخطوة الأولى في مسار ما بعد إسقاط الوضع السابق، بل في مسار إسقاط بقايا العهد السابق والانطلاق قدماً .
البعض يعزو ما يجري في تونس باستفادة حركة “النهضة” من سقوط أمها في مصر، ومسارعتها لامتصاص الحالة الشعبية التي استفاقت من كبوة التسرّع في منح الثقة لحركة ركبت موجة الغضب الشعبي ولم تفلح في تحويل الطفرة التاريخية إلى حالة استحقاق تمنحها الديمومة النسبية أو المطلقة بالاعتماد على ثقة أغلبية الشعب . لكن تونس فيها قوى سياسية ونقابية حيّة ومجرّبة، قوى ناضلت وعانت وضحّت ولها بصماتها الأبرز في التمهيد للانتفاضة، وإذا كانت لم تقفز في العربة، فذاك لا يقلل من دورها الذي سطا عليه انتهازيون بدّلوا لونهم ونفضوا بعض ثوابتهم لأجل السلطة، لدرجة مغازلة “إسرائيل” .
واضح أن “النهضة” التونسية تعلّمت من تجربة أمها في مصر، لكن الأم الإخوانية لم تتعلم حتى من تجربتها الخاصة، وبدلاً من أن تنتهج أسلوب المراجعة الذاتية للتجربة والوقوف على أسباب الفشل، دفعها الغرور للاعتقاد بأنها قادرة بالعنف والتحريض الفضائي على تطويع مصر الشعب والدولة والجيش والتاريخ . وبدلاً من أن تعالج بهدوء خسارتها للسلطة، خسرت نفسها وخرجت طوعاً من المشهد السياسي .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165388

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165388 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010