الجمعة 7 شباط (فبراير) 2014

الشيطنة.. والتصفية دور الإعلام المصري

بقلم: عبدالرحمن ناصر
الجمعة 7 شباط (فبراير) 2014

وصلت الحملة التي تشنها وسائل الإعلام المصرية على الفلسطينيين إلى ذروة غير مسبوقة من الكذب والتدليس، فقد نشرت صحيفة “الأخبار” المصرية تحقيقاً بعناوين مثيرة، يتحدث عن توجيهات من قيادة حماس، إلى قائد كتائب القسام “أحمد الجعبري”، بتحريك مجموعات، وشن عمليات تستهدف الجيش المصري.

وفات كاتب التحقيق المنشور على الصفحة الأولى، والمستند إلى “مصادر أمنية رفيعة” و“محاضر تحقيق”، و“معلومات مستقاة من عمل استقصائي كبير”، أن الرجل استشهد منذ أكثر من عام، جراء استهدافه من قبل طائرات العدو الصهيوني، وأعقب هذا الاستهداف اشتباك عسكري كبير، قصفت خلاله المقاومة الفلسطينية تل أبيب، بالصواريخ لأول مرة منذ قيام دولة العدو الصهيوني على أرض فلسطين، كما فاته أن المتهم الآخر بتهريب سجناء هذه المرة، هو نفسه معتقل في سجون الاحتلال الصهيوني منذ سنوات طويلة، ومحكوم بمئات السنين.

وإذا كان هذا الإعلام البائس والكاذب، قادراً على إخراج ميت من لحده، كي يخطط ويشن هجوماً كبيراً، فإن من بين الردود البائسة أيضاً، الحديث عن أن الإعلام المصري يريد تشويه صورة الشهداء، ومنهم الشهيد القائد أحمد الجعبري، والذي بقي لوقت طويل، محل استهداف متكرر من قبل جيش العدو واستخباراته، لما كان له من دور في بناء القدرة القتالية للمقاومة في قطاع غزة.

افتراض النية في تشويه الشهيد يفترض المعرفة من قبل القائمين بالتشويه، ولكن ما يقوم به الإعلام المصري هو عين الجهل والجهالة، والأرجح أن الصحافي الجهبذ، أراد القيام “بفرقعة” إعلامية، في موسم شتم الفلسطينيين، فخلط الحابل بالنابل، وربما وقع على ورقة فيها اسم الشهيد الجعبري قبل استشهاده، وفيها أن الرجل قائد عسكري كبير، ولكي يعطي لما يهذر به شيئاً من القيمة، زج بالاسم في “تفاصيل المؤامرة الخطيرة” التي تصدى للكشف عن ملابساتها للرأي العام.

يمكن لصحافي كاذب وتافه، أن يقوم بمثل هذه الأفعال، وقد يستغرب البعض تورط صحيفة عريقة في فضيحة من العيار الثقيل، غير أن كل هذا يفقد أهميته بإزاء خدمة هدف كبير تقوم به جوقة من الرداحين، نجحت – ومع الأسف - في شيطنة الفلسطيني، وأصابت النخب بحال من الرهاب، أخرستها عن قول الحقائق، بل وتكاد تدحرجها حتى تصير شريكة في الجريمة بشكل مباشر أو غير مباشر.

مؤامرة؟

غالباً ما يجري توجيه الاتهام بالرضوخ لعقلية المؤامرة، كلما جرى التفكير على نحو ما ببعض الظواهر اللافتة للانتباه، وربما يكون اللفظ نفسه قد تعرض للكثير من الابتذال، ولذلك نطرحه بصيغة تساؤل، ثم نترك للوقائع أن تقرر، أقله أن نتيح فرصة للاستنتاج المنطقي والسليم.

قبل سنوات قليلة اعتقل الأمن المصري عدداً من الرجال المقاومين، وبينهم مقاوم لبناني ينتمي إلى “حزب الله”، كانت هذه الثلة الشريفة من الرجال الأبطال تعمل على إيصال السلاح إلى قطاع غزة، قامت قيامة الإعلام المصري في حينه، ونشرت “الصحف المحترمة” إياها، تحقيقات مثيرة عن الإعداد الذي تولته المجموعة “لقلب نظام الحكم في مصر”! ولم يخلُ الأمر من أحاديث عن مخططات طائفية ومذهبية تثير السخرية.

كان المطلوب وقتها شيطنة المقاومة، اعتقال مجموعة تريد نقل سلاح للمقاومة في غزة، يعني تجريم من يقوم بالاعتقال، وفضح تواطئه مع العدو الصهيوني، ولكن اعتقال مجموعة تريد قلب نظام الحكم يعني شيئاً آخر، وهكذا كان، خرج “الرداحون” من أوكارهم، وامتلأت الشاشات بالمحللين الأمنيين الكبار الذين شرحوا تفاصيل المؤامرة الانقلابية، والأدوار المسندة لكل من عناصر المجموعة، وبينهم المجاهد “سامي شهاب”.

أمام سخف وتهافت القرائن والأدلة، جرت محاولات كثيرة للتعمية، كان إعلاميون مصريون هم أبطالها الذين لا يهمهم توفير عناصر الحقيقة للرأي العام، بقدر ما يهتمون بإثارته وتغييب الحقائق عنه، دون أن يرف لهم جفن بشأن الوسيلة المعتمدة للوصول إلى هذه الغاية.

لم تكن هذه الواقعة معزولة أو منفردة، كان هناك ما سبقها، عندما وصل ضغط الحصار على قطاع غزة درجة مهولة، وكسر الفلسطينيون السياج الذي يطوق القطاع متدفقين إلى سيناء والعريش للحصول على الغذاء والدواء، خرج الإعلام ذاته للحديث عن تهريب المخدرات والعملات المزورة، وأكثر من ذلك “نهب المحال التجارية”، أيضاً كان هناك ما هو سابق على هذه وتلك، مطلع التسعينيات جرى وصف الفلسطينيين بأنهم “شعب من الطابور الخامس” بسبب الموقف من غزو الكويت وحرب الخليج، والأمثلة أكثر من أن تتسع لها الصفحات هنا.

تغيرت العهود ولم يتغير رجال الشاشات، وكتاب الأعمدة الرئيسية في الصحف، ولم يغير هؤلاء شيئاً في الطرق والوسائل التي يعتمدونها للشيطنة، سواء وجدوا ذريعة يمكن اعتبارها ملائمة، أم صنعوا الذريعة بأنفسهم، وحولوا سلوكاً مشرفاً إلى جريمة.

في الأمثلة السابقة، جرى تحويل عمل بطولي من قبيل نقل السلاح إلى المقاومة في غزة، إلى جريمة لشيطنة المقاومة، وفي أمثلة أخرى جرى الاستناد إلى ذرائع من قبيل الموقف من حرب الخليج، وموقف حماس من التغييرات في مصر، لشيطنة الشعب الفلسطيني كله، وفي الحالين لم يكن الهجوم على القيادة الفلسطينية (مطلع التسعينيات) أو على قيادة حماس، بل على الشعب الفلسطيني كله، وهنا يصير من الجائز الحديث عن مؤامرة.

الشيطنة.. والتصفية

من حق الشعب المصري أن يسقط مرسي أو غيره، وحقه مطلق في اختيار قيادته، ورسم معالم مستقبله على النحو الذي يريده، والذي يرضيه أيضاً، وليس لأحد كائناً من كان التدخل في هذه الخيارات، أكان فلسطينياً أم غير فلسطيني، وما يريده الشعب الفلسطيني، هو حشد العرب جميعاً من أجل قضية تعنيهم جميعاً هي القضية الفلسطينية، حشدهم في مواجهة عدو وحيد لهم جميعاً أيضاً هو العدو الصهيوني، وما يرغبون به ويريدونه، لا يعطيهم الحق بالتدخل في خيارات الشعوب العربية وتصورها لأوضاعها الداخلية، ولكنه من الصعب احتساب الدعوة إلى إبادة الشعب الفلسطيني، (أطلقها عمرو أديب في برنامج القاهرة اليوم) هجوماً على قيادة حماس أو حتى حركة حماس نفسها، بسبب ما يتردد عن تدخلها في الشأن المصري الداخلي، فما شأن الرد على سلوك حماس، بالدعوة إلى إبادة الشعب الفلسطيني، واعتبار ذلك مساهمة في تخفيض عدد اللاجئين في العالم؟

شيطنة الشعب الفلسطيني، جزء من خطة التصفية التي تتعرض لها القضية الفلسطينية، سواء عرف من يقومون بهذه الحملة بحقيقة ما يقومون به، أم لم يعرفوا، والأرجح أنهم يقومون بذلك عن سابق تصور وتصميم.

ما يعد له وزير الخارجية الأميركي جون كيري مكشوف ومعلن، على رأس بنود خطته للتصفية، إنهاء قضية اللاجئين أولاً، والحملة على الشعب الفلسطيني، وبالشكل الذي نراه اليوم مساهمة عملية كبيرة في خدمة الوزير الأميركي، ولو تعلق الأمر بتصفية حساب مع طرف فلسطيني، أياً يكن ومهما كان نوع فعله، لكان مقبولاً النقاش السياسي والإدانة إن توفرت الأدلة والقرائن، لكن الحملة على شعب كامل تثير أسئلة من نوع محدد: ما هو الدور المسند لهذا الإعلام في الخطة الأميركية؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2178846

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

26 من الزوار الآن

2178846 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 30


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40