الخميس 6 شباط (فبراير) 2014

الديمقراطية والاغتيال السياسي

الخميس 6 شباط (فبراير) 2014 par ناجي صادق شراب

قبل حوالي ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، حكم على الفيلسوف الإغريقي سقراط بالإعدام وتجرع السم، وكان مع الحكم ،280 و220 ضده، لكنها الأغلبية الديمقراطية التي فرضت حكمها، ولعل هذا قد يكون أول صور الإغتيال السياسي في ظل الديمقراطية . وبالمقارنة أتذكر قول نجل بنازير بوتو التي اغتيلت ضحية محاربة الفساد والتسلط، “والدتي كانت تقول دائماً أن الديمقراطية هي أفضل ثأر” . وقد يتعارض هذا المفهوم مع جوهر الديمقراطية التي تقوم على التسامح، وضد الانتقام بكأس السم الذي تجرعه سقراط، وبلغة الانتقام التي حملتها عبارة بوتو . فبنازير بوتو كانت دائماً تريد إن تنتقم لمقتل والدها الذي حكم عليه بالإعدام من قبل حكم متفرد في السلطة، والآن جاء الدور على نجلها لينتقم لمقتلها، ولكن المشكلة بالنسبة إليه أن حزب الشعب الباكستاني ظل ذا طابع أرستقراطي، وهذا يتعارض مع المبدأ الآخر للديمقراطية، وهي أن السيادة للشعب، وأنها يجب أن تحل محل أي حق مقدس أو إقطاعي أو شخصاني .
ولا أعتقد أن نجل بوتو بتركيبته الفكرية والسياسية والعائلية كان يقصد الثأر من خلال العنف، أو القتل الجسدي كما حدث مع جده ووالدته، ولكنه كان يقصد بالثأر عبر صناديق الانتخابات القادرة على إزاحة أي حكم استبدادي، أو أي حكم لا يستند إلى الإرادة الشعبية مصدراً للسلطة والشرعية .
ولعل إشكالية الديمقراطية التي نعانيها في مجتمعاتنا العربية، وبعد ثورات التحول العربية، أن الانتخابات قد لا تأتي بأحزاب أو قوى سياسية مؤمنة بفكرة الديمقراطية، في ظل غياب الثقافة والمؤسسات الديمقراطية وقد تأتي بأنظمة حكم معادية للديمقراطية، وهو ما قد يفسر لنا فشل الثورات العربية، وصعوبة القول إنها ثورات ديمقراطية حقيقية . فالديمقراطية ليست مجرد بناء منزلي يمكن نقل معماره إلى بيئة أخرى لا تؤمن بالبناء المعماري وتعيش في بيئة البناء الخشبي أو الطيني . فالمجتمعات العربية تسودها البيئة الريفية التي تؤمن بهذا النموذج من البناء .
الديمقراطية لا يمكن أن تقوم من دون التسامح، والتوافق بين فئات الشعب المختلفة، وهذا الشرط ينطبق على جميع فئات وقوى الشعب، ولو طبقنا هذا المبدأ على حالتنا العربية لما وصلنا إلى هذه الحالة من العنف والقتل والتدمير التي تقتل في داخلنا الرغبة في صيغة توافقية للعيش المشترك، وهي أساس أي نظام حكم ديمقراطي ناجح . وغياب التسامح هو الذي قد يقف وراء فشل كل التجارب الديمقراطية في باكستان التي مازالت تحكم بالبنية القبلية، وفي أفغانستان التي مزقتها الأفكار المتشددة، وفي العراق الذي يتمزق بسبب الانقسام الذهبي والعرقي، والحالة نفسها مع معطيات متغايرة في فلسطين، كما هو الانقسام بين فتح وحماس، وفي دول التحول العربية كمصر وتونس وليبيا .
لقد أدركت كنيسة روما أنه من أجل نشر عقيدتها لا بد لها من التسامح . ومن باب أولى لنا كمسلمين أن نتبنى التسامح الذي هو الطريق الوحيد للبناء الديمقراطي .
فكيف يمكن تصور بناء دول ومجتمعات سلمية ومتقدمة ومتطورة من دون التسامح، ولعلي لا أذهب بعيداً بالقول إن غياب الديمقراطية وهو الوجه الآخر للتخلف السياسي وسببه غياب التسامح بكل صوره وأشكاله . فكيف يمكن للديمقراطية بمعناها الإغريقي القديم، وهي حكم الشعب، أن تطبق في ظل غياب التسامح؟
التعريف الإغريقي للديمقراطية لم يعد متاحاً حتى في الولايات المتحدة التي يحكمها تحالف ثلاث مؤسسات هي العسكرية والسياسية والاقتصادية، أضف إلى ذلك أن الرأي العام حتى في الدول الديمقراطية هو نتاج آلة الإعلام الضخمة التي تتحكم فيها أقلية ثرية قادرة على تشكيل الرأي العام كما تريد، أو كما يريد من يصنع القرار، حفاظاً على مصالحها الخاصة الضخمة . هذا هو حالنا اليوم، لا أحد يستطيع أن يقف أمام هذا الغول المتوحش الذي يلتهم أي فكر حر، ويهاجم أي فكر معارض . هذا ما دفع المفكر الفرنسي آرون إلى تعريف الديمقراطية بأنها نظام الحكم الذي تتخذ فيه القرارات لا من قبل الجميع بل من أجل الجميع . هذا هو المعيار الحقيقي للممارسة الديمقراطية، وأساس أي إصلاح سياسي .
الديمقراطية نظام حياة ابتدعه العقل الإنساني ليدير أمور حياته اليومة بما يحفظ له بقاءه، وإنسانيته، ولذا هي ترتبط بقدر كبير بالتنشئة والتربية السياسية الصحيحة التي تعد إنساناً قادراً على الحوار والنقاش وتقبل الآخر .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 65 / 2166090

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2166090 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010