الثلاثاء 4 شباط (فبراير) 2014

“إخوان” مصر من “المليونيات” إلى التفجيرات

الثلاثاء 4 شباط (فبراير) 2014 par علي جرادات

ثورة 25 يناير بموجتيها ليست مؤامرة . لكن عفوية انطلاقها جعلتها، (آفاقاً ونتائج)، قابلة لكل التدخلات الداخلية والخارجية الساعية إلى حرفها أو اختطافها أو إجهاضها أو اختزالها أو تجييرها لمصلحة حزب أو جماعة . لذلك طال أمد مرحلتها الانتقالية، وتموج مسارها، وتعقد الصراع فيها وعليها، وتقدم مطلبها في الديمقراطية السياسية على مطالبها في الديمقراطية الاجتماعية والاستقلال الوطني وفك التبعية للسياسة الأمريكية . بل وكان بوسع جماعة “الإخوان” و“أخواتها” التكفيرية الدموية المشبوهة امتطاء صهوتها وتحويلها إلى ديناميكية استقطاب وعنف شاملة أنذرت بتحويل الدولة المصرية إلى دولة فاشلة . الأمر الذي كان من شأن نجاحه أن يمهد للتدخل الخارجي المباشر بأشكاله وجنسياته المختلفة .
ولذلك أيضاً صار من الطبيعي والمنطقي أن تتحول ثورة 25 يناير إلى حالة صراع ممتدة، من جهة، وإلى عملية تحويل معقدة ومركبة للظروف والناس، من جهة ثانية، لأنها-كأي ثورة- تتعلم من الثورات وتضيف عليها، وتشكل تجسيداً حياً لكيفية حضور العام في الخاص، إنما ضمن شروطه، ما يتطلب تحليلاً ملموساً لمفردات خصوصيتها التي جنبتها مصير كل من ليبيا وسوريا وقبلهما العراق .
ولا شك في أن دور جيش مصر الوطني كان العامل الحاسم في الحيلولة دون دخول مصر في مثل هذه السيناريوهات المرعبة والمدمرة، بل كان العامل الذي لا غنى عنه للحفاظ على الدولة المصرية، ولتمكين شعبها من إسقاط سلطتين في ثلاثة أعوام، عدا ما اكتسبه خلالها من خبرة جعلته يقظاً تجاه التدخلات الخارجية وأدواتها الداخلية، وتجاه كل سياسة لا تلبي مطالبه التي تجاوزت مطلب الديمقراطية السياسية نحو مطالب استعادة الاستقلال والسيادة الوطنييْن وفك التبعية وتحقيق التنمية الإنتاجية المستقلة والعدالة الاجتماعية كمطالب التف عليها محمد مرسي ليكون مصيره مصير حسني مبارك، بينما ما زال الشعب المصري في حالة مواجهة مستمرة لمنع عودة سلطتيهما، وفي حالة رهان على أن يتكلل مسار “خريطة طريق المستقبل” بولادة سلطة تلبي مطالبه . ذلك علماً بأن تلبية هذه المطالب هو السلاح الاستراتيجي لتوسيع وتعميق وتوحيد دوائر العزل الشعبي لجماعة “الإخوان المسلمين” وهزيمة لجوئها إلى خيار حسم السلطة السياسية بوسائل عسكرية . أما لماذا؟
لأن كل ما تقدم ذكره من نجاحات لشعب مصر وثورتها وجيشها الوطني لا يعني التقليل من شأن المخاطر التي ما انفكت تهدد مصر الشعب والثورة والدولة والجيش والحضارة والمستقبل . ولعل أولى هذه المخاطر وأشدها فتكاً تتمثل في محاولات، بل مخططات، جماعة “الإخوان المسلمين” وتنظيمها الدولي و“أخواتها” التكفيرية الدموية المشبوهة نشر الفوضى عبر ممارسة كل أشكال التخريب والتقتيل والاغتيال والتدمير للمؤسسات العامة والخاصة في محافظات مصر، عامة، وفي سيناء، خاصة .
هنا تستطيع جماعة “الإخوان” أن تنفي صلتها بعمليات الإرهاب والعنف التكفيرية الجارية في مصر، ويستطيع المدافعون عنها داخل مصر وخارجها سيان: بوعي أو بجهالة، أن ينفوا تورطها المباشر في هذه العمليات . لكن ما ليس بوسع جماعة “الإخوان” والمدافعين عنها نفيه هو جملة الحقائق التالية:
* أولاً: إن سجل جماعة “الإخوان المسلمين” ليس نظيفاً -بل حافلاً- بممارسة سياسة الاغتيال وإشعال الحرائق ومحاولات حسم السلطة السياسية بوسائل عسكرية . وتكفي الإشارة، مثلاً، إلى اغتيال الخزندار والنقراشي وأمين عثمان ومحاولات اغتيال عبدالناصر .
* ثانياً: إن جل حركات “الإسلام الحزبي” التكفيرية الدموية قد خرج من عباءة جماعة “الإخوان المسلمين” . ويكفي الإشارة، مثلاً، إلى أن الفكر التكفيري العنيف للسيد قطب “الإخواني” الأكبر بعد حسن البنا يشكل المرجعية الفكرية الملهمة لهذه الحركات .
* ثالثاً: إن تصاعد موجة الإرهاب التكفيري التي بدأت في سيناء ثم انتقلت إلى باقي محافظات مصر تلا إطاحة سلطة “الإخوان” وعزل “رئيسهم” محمد مرسي على يد الشعب المصري وتحت حماية جيشه الوطني الذي يتحمل العبء الأساسي من أعباء المواجهة القاسية مع عنف “الإخوان” وإرهابهم، وكأنه ليس الجيش نفسه الذي ساند الإرادة الشعبية لتنحية حسني مبارك كإنجاز حوله “الإخوان” ببراعة انتهازية ومناورات ميكافيلية خالصة إلى سلمٍ ارتقوه لبلوغ الحكم بعد جوع ثمانين عاماً .
* رابعاً: إن ارتباطات جماعة “الإخوان المسلمين” بدول الاستعمار والسيطرة والتقسيم الغربية بدءاً ببريطانيا وصولاً إلى الولايات المتحدة صاحبة مخطط نشر “الفوضى الخلاقة” في المنطقة لم تعد مجال شك، بل صارت حقائق ثابتة ومعروفة لمن لا يعرف من السياسة غير اسمها . اللهم إلا إذا كان بلا دلالة إصرار الإدارة الأمريكية منقطع النظير على ابتزاز مصر وسلطتها الانتقالية وجيشها الوطني من أجل إعادة جماعة “الإخوان” إلى المشهد السياسي المصري رغم أن عزلها وصولاً إلى إعلانها جماعة إرهابية تم بإرادة ثورة شعبية أبهرت العالم من أقصاه إلى أدناه، وصفقت لها جماهير الأمة من المحيط إلى الخليج .
* خامساً: إن جماعة “الإخوان المسلمين” هي صاحبة المصلحة الأولى في نشر مثل هذه الفوضى بعد أن تأكد لقيادتها أن الشعب المصري قد لفظها إلى غير رجعة، وأن زمن قدرتها على حشد التظاهرات المليونية قد ولّى، وأن موسم تعاطف القوى السياسية والمجتمعية الوطنية والائتلافات الشبابية التي أطلقت موجتي ثورة 25 يناير قد انتهى، وأن ألاعيبها ومناوراتها لتضليل الناس قد انكشفت ولم تعد تنطلي على كل صاحب بصيرة في مصر خاصة وفي بقية الأقطار العربية عامة، وأن استخدامها السياسي لقدسية الدين الإسلامي قد صار حجة ضدها لأنه يسيء له كدين سمحٍ واسع الانتشار لا يحتاج إلى جماعة “الإخوان” وأشباهها من حركات “الإسلام الحزبي” كي تبشر به أو تدعو إليه أو تدافع عنه .
إزاء الحقائق أعلاه فإن مصر وكل سلطة قادمة فيها أمام تحديات تشبه إلى حد بعيد، وإن في ظروف ومعطيات وطنية وقومية وإقليمية ودولية مختلفة، تلك التحديات التي واجهت سلطة ما بعد ثورة 23 يوليو 1952 . وإلا لكان بلا معنى اقتران التعلق الشعبي بالمشير عبدالفتاح السيسي بأمل أن يكون عبدالناصر مرحلته، أي بأمل أن يملأ الربع الفارغ من مشروعه: أن يستعيد البناء على ما حققه من إنجازات وطنية وقومية واجتماعية لم تكن لتتحقق إلا بالتجرؤ على خوض مجابهة قاسية مفروضة مع دول الاستعمار الغربي بقيادة الولايات المتحدة وأدواتها الداخلية وفي مقدمتها جماعة “الإخوان المسلمين” التي انتقلت- بعد أن لفظها الشعب- من خيار حشد المليونيات الشعبية إلى خيار تنفيذ التفجيرات والاغتيالات الإرهابية التكفيرية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165480

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165480 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010