رغم الظروف الأمنية القلقة التي يعيشها لبنان هذه الايام، فقد لبى المئات من مناضلين وشخصيات لبنانية وفلسطينية وعربية وعالمية الدعوة لحضور العشاء السنوي لتجمع اللجان والروابط الشعبية الذي يقام دعماً لمبادراته وأنشطته الثقافية والاجتماعية والشبابية.
ولقد اعتبر كثيرون هذا الحشد تظاهرة استثنائية في ظروف استثنائية لعدد كبير من ممثلي معظم التيارات اللبنانية، والهيئات الاجتماعية والفصائل الفلسطينية وبالاضافة الى شخصيات عربية وعالمية تنتمي الى مشارب فكرية متعددة.
مثل الحضور الحاشد، دون شك، تقديراً لضيف العشاء الوزير السابق عبد الرحيم مراد بكل صفاته ومزاياه ومهامه المتعددة، كما حمل تعبيراً عن الاحتضان الشعبي المتصاعد للذكرى 96 لميلاد القائد الخالد الذكر جمال عبد الناصر، والذكرى الثالثة لثورة 25 يناير الشعبية المصرية التي تثبت الايام قدرتها على تصحيح مسارها المرة تلو الأخرى، لكن هذا الحضور عبّر أيضاً عن جملة معانٍ ينبغي الوقوف عندها لا سيّما وان حفل العشاء قد انعقد لاحيائها.
أولاً: ان شريحة متعاظمة من اللبنانيين باتت راغبة بالتحرر من الاصطفافات الطائفية والمذهبية وما يرافقها من لغة تحريضية وخطاب فتنوي واثارة عصبوية، فلكل لبناني رأيه دون شك، ولكن الصوت الواحد لكل اللبنانيين يقول اليوم “كفى” .. كفى تحريضاً… كفى فتنة… كفى سفك دماء في صراعات أهلية داخل لبنان وعلى مستوى الأمة.
ثانياً: إن شريحة واسعة من الناس بدأت تميل الى المواقف الرصينة الهادفة التي لا تقع في فخ المزايدات من جهة، ولا تنزلق الى التفريط بالثوابت من جهة أخرى، بل بدأت تميل الى الخطاب الذي يوحّد ولا يفرّق، يجمع لا يفتت، يشد أزر الصديق، يكسب ودً المحايد، ويحاصر سموم الخصم ومؤامرات العدو.
ثالثاً: ان شريحة واسعة من المواطنين من شتى الانتماءات والمشارب، بدأت تدرك سلامة الشعار الذي رفعه تجمع اللجان في عشائه السنوي “جسور بين أبناء الامة متاريس بوجه أعدائها” وهو شعار ترجمته مسيرة طويلة لهذه المجموعة من اللبنانيين العروبيين الذين فهموا الدعوة الى الوحدة الوطنية والعربية نهجاً وسلوكاً وثقافة وخطاباً جامعاً وتجسيراً للفجوات، وتركيزاً على المشتركات، ولم تفهم الوحدة مجرد شعار نصدح به، او هتاف تطلقه الحناجر، او جدار يتلطى خلفه المتوترون لاطلاق تهم “التخوين” و “التكفير” المستعجلة بحق الآخرين من أبناء شعبهم وأمتهم.
رابعاً: ان شريحة واسعة من المواطنين اخذت تقدّر أهمية الاستقلالية في القرار والموقف والسلوك، فالاستقلالية بالتأكيد لا تعني العداء لأنظمة او منظمات ولكنها بالطبع لا تعني الارتهان لها، ولقد علمتنا التجارب ان الابتعاد عن الاستقلالية له عواقب خطيرة على الجماعة ذاتها، كما على القضية برمتها.
خامساً: ان شريحة واسعة من المواطنين المواكبين للمواقف والتحليلات أخذوا يتلمسون الفرق بين تحليل يتسم بالموضوعية ويلتزم بالمبدئية، وبين آخر يحاول باسم المبدئية العقائدية ان يجانب القراءة الموضوعية للتطورات فيقع في تخبّط سياسي وفكري وحتى عقائدي، فلا يسيء لنفسه فقط بل، وبشكل خاص، لما يحمله من مبادئ وأفكار وعقائد.
سادساً: ان احترام شريحة واسعة من المواطنين اللبنانيين والعرب يزداد يوماً بعد يوم لمن لا يحمل ازدواجية في المواقف، ولا يساوم في المبدأ، ولا يتنكر لحق أمته، ولا يفرّط في وحدة شعبه، ولا يتأرجح التزامه بالمقدسات في بورصات السياسات والمصالح، ففلسطين هي البوصلة، والوحدة هي الطريق، والنهضة هي العبور الى المستقبل.
سابعاً: ان شريحة واسعة من المواطنين أخذت تدرك اليوم أكثر من اي وقت مضى ضرورة ان يكون الاداء السياسي والنضالي والثقافي او الاجتماعي متسماً بالاخلاق، والاستقامة، ونظافة الكف واللسان، فلا يغرق صاحبه في صفقات، ولا يتاجر بدماء الناس، ولا يسقط في لغة الشتائم والكلام البذيء، ولا يمارس التعالي والتسلط والفوقية في علاقاته بالاخرين. فالتواضع ملح الانسان به يكبر وينمو عوده ويشتد، فيما الاستعراض تعبير عن نقص الثقة بالنفس، وعن الحاجة المستعرة الى التعويض عن الخواء الداخلي بالاستعانة بالمظاهر الخارجية.
ان هذه المعاني السبعة (وغيرها) تفسّر جملة ظواهر بدأ يشهدها مجتمعنا اللبناني والعربي، وتؤسس لمرحلة جديدة في حياتنا الوطنية والقومية… فهل نكون بمستواها…
السبت 1 شباط (فبراير) 2014
تظاهرة استثنائية في ظروف غير استثنائية
السبت 1 شباط (فبراير) 2014
par
معن بشور
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
33 /
2165975
ar أقسام منوعات الكلمة الحرة كتّاب إلى الموقف معن بشور ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
15 من الزوار الآن
2165975 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 13