الجمعة 31 كانون الثاني (يناير) 2014

عندما تهنئ إدارة اوباما حكومة المالكي

الجمعة 31 كانون الثاني (يناير) 2014 par رغيد الصلح

وجه جون كيري، وزير الخارجية الأمريكية، انتقادات حادة، خلال انعقاد مؤتمر جنيف، إلى الرئيس السوري بشار الأسد متهماً إياه بانتهاج “سياسة القتل الطائفي” . كذلك اتهم وزير الخارجية الأمريكي الرئيس السوري بالتهويل على المجتمع الدولي “بخطر الإرهابيين والتكفيريين” كفزاعة لحث الآخرين على دعمه في مواجهة معارضيه .
أثارت هذه الملاحظات ردود فعل متباينة وواسعة لأسباب متعددة من أهمها ما يلي:
* أولاً، إنها جاءت وسط أنباء متكررة عن استئناف الولايات المتحدة مساعداتها العسكرية إلى المعارضة السورية بعد فترة توقف تلت استيلاء جماعات قريبة من القاعدة على مستودعات سلاح تابعة لفصائل معارضة . كذلك قالت الأنباء نفسها إن السلطات الأمريكية بعد أن سحبت، لنفس السبب، سلاحاً من المعارضين المتمركزين في ممر “باب الهوى” على الحدود التركية - السورية، اتجهت في الآونة الأخيرة إلى إعادة تلك الأسلحة إلى المعارضين بعد أن قدموا الضمانات بعدم وصولها إلى أي فصيل على صلة بالقاعدة . ترافقت هذه الاجراءات مع تجديد حملة واشنطن على الأسد، وعلى التأكيد بأنه “لا مكان له في مستقبل سوريا”، وعلى تبني موقف المعارضة السورية لجهة تشكيل “سلطة انتقالية لا يكون للأسد أي دور فيها” .
* ثانياً، إن ما قاله وزير الخارجية الأمريكي بحق الرئيس السوري، سبق أن ما قالته مراجع دولية وإقليمية متعددة بحق رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي . فخلال الزيارة القريبة التي قام بها أسامة النجيفي، رئيس مجلس النواب العراقي، إلى واشنطن، وجه انتقاداً إلى المالكي بسبب “السياسة الطائفية التي ينتهجها” . وفي الفترة نفسها تقريباً وجه نواب أمريكيون انتقادات مماثلة إلى المالكي تناولت “سياسة التمييز الطائفي” التي يمارسها ومخالفة حكومته للشرائع الدولية لحقوق الإنسان . وأثارت منظمات حقوق الإنسان الارتفاع المستمر في عدد الذين ينفذ فيهم حكم الإعدام في العراق . وقالت الإحصاءات الصادرة في عام 2012 إن العراق يحتل المرتبة الأولى مع أربعة بلدان أخرى في العالم من حيث عدد الإعدامات فيه . فضلاً عن ذلك اتهم عدد من الزعماء العراقيين منهم أياد علاوي، زعيم كتلة “العراقية”، ورافع العيساوي، وزير المالية العراقي، ومقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، المالكي بأنه يقود البلاد إلى إقامة نظام ديكتاتوري فردي .
وكما حمّل كيري الرئيس السوري مسؤولية “اجتذاب الإرهابيين إلى الساحة السورية”، فقد حمّل ساسة وناقدون عراقيون وعرب وأجانب المالكي مسؤولية تزايد نشاط الجماعات الإرهابية في العراق مؤخرًا . وأشار هؤلاء إلى الموقف المتعنت الذي وقفه المالكي تجاه التحرك المطلبي والسلمي الذي قام به سكان منطقة الأنبار، ولجوئه إلى التحريض الطائفي ضد الأنباريين وصولاً إلى استخدام الجيش ضدهم . لقد وفر هذا الموقف ل “القاعدة” فرصة ذهبية للتقليل من أهمية العمل السياسي، ولإقناع شباب الأنبار بأن الوسيلة الأفضل لتحقيق مطالبهم هي لغة السلاح والانضمام إلى الجماعات الإرهابية والطائفية الطابع . وأثارت هذه السياسة المخاوف لا في العراق والدول العربية فحسب، ولكن في واشنطن أيضاً، إذ عارض روبرت مينينديز، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي ، تزويد بغداد بطائرات الاباتشي إلا إذا أكد المالكي أنها لن تستخدم ضد المعارضين الذين يسلكون طرق التعبير الديمقراطي والسلمي للتعبير عن آرائهم .
وخلافاً لما حدث على الصعيد السوري، فإن هذه الانتقادات لم تجد الأصداء المناسبة لدى البيت الأبيض الأمريكي . فعلى الرغم من هذه الانتقادات، أعلنت الإدارة الأمريكية أنها سوف تزود السلطات العراقية بالطائرات وباسلحة متقدمة ومعلومات استخباراتية . ولم يرافق هذا الإعلان أي توضيح حول الضمانات التي طالب بها مينينديز . بالعكس، ذهبت إدارة أوباما إلى إمداد المالكي بتغطية أمريكية تساعده على قمع المعارضة السلمية بالقوة . فقبل أسابيع قليلة هنأ جاي كارني، السكرتير الصحفي للبيت الأبيض، نوري المالكي على اعتماده “سياسة التقارب” مع زعماء المناطق والعشائر والقادة الوطنيين، بمن فيهم السنة والأكراد الذين دعاهم إلى المساهمة في الحرب على القاعدة . كما هنأه أيضاً لأن مجلس وزرائه قرر توفير تعويضات حكومية إلى العشائر المتضررة من القتال ومساعدات إنسانية إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة .
لا ريب في أن هذه التهنئة أثارت الاغتباط في نفوس رئيس الحكومة العراقي ومؤيديه، ولكنها، من جهة أخرى، جديرة بأن تثير ردود فعل سلبية لدى معارضي المالكي . فإدارة أوباما تريد إعطاء الانطباع بأن الأولوية عند المالكي هي محاربة الإرهاب، وأنه مستعد، تحقيقاً لهذه الغاية، لتقديم تنازلات حقيقية إلى المعارضين والناقدين . ولكن هذا الإيحاء لا يستقيم مع ما جاء في تصريح كارني . فناقدو المالكي يقولون إنه يقرب الآخرين إذا قبلوا بزعامته المطلقة، وإنه يقدم المساعدات كرشى إلى العشائر وغير العشائر شرط أن يتراجعوا عن مطالبهم المحقة مثل الإفراج عن المعتقلين الأبرياء وما شابهها من المطالب الديمقراطية .
ويخشى ناقدو رئيس الحكومة العراقي أن يفضي موقف إدارة أوباما منه إلى إعطاء المالكي الضوء الأخضر لكي ينكل بالمعارضين، ولكي يزيف الانتخابات العراقية المقبلة، ويزور عودته إلى ترؤس الحكومة مرة ثالثة بما يتناقض مع المبادئ الدستورية . يفعل ذلك بعد أن يضمن اقصاء المناوئين والمنافسين عن المجلس الجديد ويبسط سلطته غير المحدودة عليه . استطراداً، يقول الناقدون إن المالكي لا يهدف إلى إقصاء الأنبار والقوى التي قاومت الاحتلال الأمريكي عن الحياة العامة فحسب، وإنما يهدف أيضاً إلى تهميش كل القوى العراقية التي لا تقبل بزعامته المطلقة، بما في ذلك الحلفاء الذين ساعدوه على الوصول إلى السلطة، مثل مقتدى الصدر وآل الحكيم وجماعة الصحوة .
إن هذه السياسة محفوفة بالمخاطر في بلد مثل العراق لم يعرف الاستقرار منذ الحرب الأمريكية . ومن المؤكد أن تفرد المالكي بالحكم لن يضعف القاعدة، بل سوف يفتح لها أكثر من باب لولوج أرض العراق والتمركز فيه مع السعي إلى التحكم في شعبه واستخدامه كمعبر لتوسيع رقعة الإرهاب الإقليمي والدولي الذي تمارسه . وبديهي أن هذا المسار سوف يقضي على أي أمل في قيام عراق ديمقراطي تعددي مزدهر . وإذا كان من طريق للحفاظ على هذا الأمل فإن السير عليه مرهون بإرادة العراقيين أنفسهم، أما الإدارات الأمريكية فلها في ذلك حسابات أخرى، ومن الأفضل ألا يعوّل المرء عليها وألا يضع بيضه في سلتها .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 7 / 2165248

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165248 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010