الأربعاء 29 كانون الثاني (يناير) 2014

محاكمة الرئيس صدام.. ومحاكمة الرئيس مرسي

الأربعاء 29 كانون الثاني (يناير) 2014 par عبدالباري عطوان

عندما اعلنت السلطات المصرية عن عزمها نقل وقائع جلسة محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي على الهواء مباشرة عبر القنوات التلفزيونية، تسمرنا امام القناة الرسمية المصرية لمتابعة الحدث، بحكم الفضول والمهنة معا، ولكن خيبة املنا كانت صادمة بكل ما تعنية هذه الكلمة من معنى.
لم تكن هناك محكمة حقيقية، من حيث المداولات، وطروحات هيئة الدفاع، ولم يكن هناك اي بث حي وانما لقطات مسجلة مقتضبة، وشاهدنا الرئيس المصري المعزول يقف في قفص زجاجي، وكذلك اصحابه، وفي ملابس السجن البيضاء، وممنوع عليه الكلام، واذا تكلم فبضع كلمات فقط، لان القاضي هو الذي يتحكم بالصوت، ولذلك لجأ الرئيس مرسي الى لغة الاشارة التي يستخدمها من به صمم.
نشعر بالاسف لهذه المعاملة، لرئيس جمهورية منتخب، وجمهورية مصر العربية بالذات، صاحبة تاريخ حضاري عميق، وثورة من اهم الثورات الشعبية في التاريخ الحديث، ثورة من اجل العدالة وحقوق الانسان وقيم الديمقراطية في القضاء العادل المستقل وحرية التعبير.
قارنت بين محاكمة الرئيس مرسي، ومحاكمة رئيس عربي آخر هو صدام حسين، فوجدت ان الفارق شاسع جدا، وانا اتحدث هنا ليس فقط عن الاجراءات والنتائج والاحكام وانما على ظروف المحاكمتين، وطبيعة التهم، وفوق كل هذا وذاك طريقة المعاملة للمتهمين.
الرئيس الراحل صدام حسين ورفاقه وقفوا جميعا في قفص واحد، وكان الرئيس صدام طوال فترة المحاكمة، التي امتدت لاشهر ولعدة ساعات يوميا، يرتدي الملابس المدنية، وفي ذروة اناقته، يتأبط قرانه، ويقف وسط مساعديه، وما زلت اذكر معطفه الاسود الشهير، ويقف على بعد مترين فقط من القاضي ومساعديه والمدعي العام.
القفص لم يكن مغلقا ولا زجاجيا، ودون اي فواصل، واعطى القضاة الحق الكامل والحرية المطلقة للرئيس العراقي ورفاقه في الدفاع عن انفسهم، وتفنيد التهم الموجهة اليهم، وانتقاد القضاة، والتشكيك في صدقيتهم ونزاهتهم دون اي مقاطعة، وفي بث تلفزيوني على الهواء، يتابعه العالم بأسره وليس اهل العراق فقط.
نحن هنا لا نمدح المحكمة العراقية التي انبثقت من رحم احتلال امريكي ظالم اودى بأرواح اكثر من مليون عراقي، ويتّم اكثر من اربعة ملايين طفل ودمر بلدا عزيزا كريما ونهب ثرواته، وفرقه طائفيا، وانما نقارن فقط، بين محكمة في دولة محتلة، واخرى من المفترض انها دولة مستقلة شهدت ثورة شعبية احتلت العدالة وحقوق الانسان والحريات قمة مطالبها.
الرئيس مرسي تعرض للعزل، من ثم الاعتقال، ليس لانه ارتكب جرائم تستحق المحاكمة والقصاص، وانما لانه حسب معتقليه، فشل في الحكم، رغم ان حكمه لم يستمر اكثر من عام، كان حافلا بالاضرابات والمظاهرات والحملات الاعلامية التضليلية، اي ان التهم التي يحاكم على اساسها تهم سياسية، والا كيف تم السماح له بالترشح لانتخابات الرئاسة والفوز فيها؟
حتى التهم الموجهة الى الرئيس مرسي ليست مقنعة على الاطلاق، بالنسبة لنا على الاقل، فالرجل لم يقتل ولم يسرق، ولم يفسد في الارض، ولم يغلق محطة تلفزيونية او صحيفة واحدة، وهو الذي تعرض الى ابشع حملات السباب والشتم وصلت في بعض الاحيان الى الخوض في الخصوصيات، وتلفيق قصص مسيئة، حتى لو كان يريد ان يسرق او يفسد فانه لم يعط الوقت لذلك.
الرئيس مرسي كان واضحا عندما دفع ببطلان المحكمة، واكد ان ما اطاح به انقلاب عسكري، بالتواطؤ من وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، فهذه هي الحقيقة، مثلما كان محقا عندما احتج على مخاطبة القاضي له باسمه مجردا، (قول يا مرسي) الامر الذي دفعه للرد بأدب قائلا “انا الدكتور محمد مرسي، رئيس الجمهورية، وليس المتهم محمد مرسي”، فالقاضي يجب ان يتحلى بأدب المخاطبة، وعليه ان يحفظ للناس مقاماتهم لان هذا من قيم النزاهة والحيادية.
علاوة على كونه من طبائع الشعب المصري واخلاقه الحميدة، فلم يخاطبني مصري او غيري، الا ويقول “سيادتك” قبل اسمي، ناهيك عن كلمات مثل “بيه” و”باشا” و”استاذ”.
ثم ما هي التهم الموجهة للرئيس مرسي؟ الفرار من سجن هجره حراسه، ام التخابر مع حركة حماس “العدو اللدود” للامة العربية، والمحتلة لمقدساتها في فلسطين المحتلة؟
نختلف مع الرئيس مرسي في بعض القضايا لانه ارتكب بعض الاخطاء، سواء كان ذلك عائدا لانعدام الخبرة، او لضعف البطانة وجهلها بأمور الادارة والحكم، وكنا نتمنى “مرونة” و”تعايشا” مثل ذلك الذي نراه في التجربة التونسية، ولكن هذا لا يعني اهانة الرجل ورفاقه بهذه الطريقة، ومعاملتهم كمجرمين، وهم وانصارهم الضحايا لاعمال قتل وقمع واقصاء، ويكفي الاشارة الى مقتل خمسين متظاهرا بريئا قبل يومين بمناسبة الذكرى الثالثة للثورة، فمن سيحاكم قتلتهم؟
رئيس مصر المنتخب المعزول يستحق معاملة افضل، ترتقي الى مستوى مصر العظيمة، وثورتها المشرفة، وتراثها الحضاري العميق، ومن المؤلم ان المحاكمة التي شاهدنا بعض فصولها لا توحي بذلك على الاطلاق.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165475

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165475 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010