لم يحدث ولو لمرة واحدة أن انتصر الإرهاب في أي بلد من هذا العالم، لأنه ببساطة يحمل بذور موته في داخله، وتحركه دوافع انتحارية ورهانات “شمشونية”، ومن يعلن الموت على نفسه وأعدائه معاً، ينتهي به الأمر إلى الموت، أما أعداؤه أو من يصورهم على هذا النحو منهم شعوب وأمم وليسوا مجرد زمرة أو فئة ينفذ فيها حكم الإعدام!
لكن هذا لا يعني أن الإرهاب ليس له انتصارات وهمية ومؤقتة خصوصاً حين ينجح بإلحاق الأذى بمؤسسات أو أفراد، لكن حاصل جمع انتصاراته الوهمية هو هزيمة كاملة، لأن صراعه بكل ما يشحنه من ثقافة الموت هو مع الحياة والأحياء، ولو استطاع الإرهاب أن يطلق النار على الشمس أو القمر لفعل، لأن يده تستطيل في الظلام، والضوء يفتضحه حتى لو كان من شمعة واحدة .
أسماء عدة عبر التاريخ أطلقت على هذا الفعل اللاإنساني وقد لا يكون الإرهاب آخرها، لأن ظاهرة العنف لا نهاية لها وهي إفراز تاريخي ومجتمعي له أسبابه وحيثياته، وحين كتب المثقفون الفرنسيون عن المارشال بيتان وجمهورية فيشي التي أعلنت تحت ظل الاحتلال النازي قالوا إن نسبة الشواذ في أي مجتمع قد لا تتخطى الخمسة في المئة أو تقل عن ذلك لهذا أدرج الخائن في خانة الشواذ والمرضى المصابين في عمق الوجدان والعقل!
الإرهابي أيضاً من هذا الطراز فهو عصابي ورهينة فكرة متسلطة تصيبه بالعمى فلا يرى غير ما يريد ولا يسمع إلا صدى صوته إضافة إلى الصوت الذي يأمره بالانتحار، وإذا كان الانتحار بحد ذاته عصياناً على الأديان وعقوقاً للحياة فكيف سيصبح المشهد إذا كان موظفاً لنحر عدد من الأبرياء؟
إن أعراس الإرهاب المؤقتة والعابرة هي في حقيقتها مآتم لأنها تتأسس على أحزان الآخرين الذين لا ذنب لهم إلا الإقبال على الحياة وممارستها بسلام .
والإرهاب بجملته وبعيداً عن التفاصيل هو تجليات الغدر والاغتيال، فهو يشترط أمرين أولهما الخفاء والآخر الفرار، لهذا فهو جبان بالمعنى الدقيق والجذري لهذه الكلمة، وبندقية مَن يمارس هذا الفعل لها فوهتان متعاكستان، إحداهما مرئية ويمكن رصدها وهي تتوجه إلى الضحية والأخرى غير مرئية بالعين المجردة لأنها مصوبة إلى نحر من يحملها . فهو إذ يشرّع قتل الآخرين إنما يبدأ بتشريع مصرعه، وهو رغم إنكاره للقوانين ومنظومة القيم يقع فريسة قانون آخر يعود إلى آلاف السنين كشريعة حامورابي مثلاً!
ولكل إرهاب ضحيتان إحداهما نبيلة وبريئة كالمدنيين والأطفال الذين يعاقبون على جرائم لم يقترفوها، والأخرى ضحية أيضاً لكنها بلهاء وخرساء لأن بلاغتها الوحيدة تتلخص في الاعتداء على كل ما هو حي، عزاء البشرية في كل زمان ومكان أن ثقافة الحياة هي التي تنتصر في النهاية لأنها مقترنة بشروق الشمس ودورة الفصول وما تبشر به القابلات من مواليد على مدار اللحظة .
الأربعاء 29 كانون الثاني (يناير) 2014
كم هو عمر الإرهاب؟
الأربعاء 29 كانون الثاني (يناير) 2014
par
خيري منصور
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
10 /
2165851
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
20 من الزوار الآن
2165851 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 13