الأربعاء 29 كانون الثاني (يناير) 2014

في الطريق إلى التسويات السياسية

الأربعاء 29 كانون الثاني (يناير) 2014 par سليمان تقي الدين

ثلاث سنوات لم تعرف الأزمة السورية هدنة إنسانية ولا أية تدابير لحماية المدنيين في أي جولة من جولات العنف . ملايين النازحين في داخل البلاد وخارجها دليل على أوضاع غير مسبوقة من الحروب . حين تتصدر مفاوضات جنيف 2 هذه العناوين والموضوعات تعبّر عن نتائج لهذه الحرب من الصعب معالجة ذيولها . يحكى هنا عن عشرات آلاف المفقودين والمعتقلين والمخطوفين وعن غياب وثائق الإسناد أو المعلومات عن مصير هؤلاء . تلك المأساة لا يزال لبنان يعانيها بعد ثلاثة عقود على نهاية الحرب الأهلية .
خسائر الشعب السوري لا يمكن أن تعوّض، ليس بالإطار المادي بل بالإطار الإنساني، واستمرار هذه الحرب إحدى أكبر جرائم العصر وويلاتها . انعقد مؤتمر “جنيف2” رغم تردد الطرفين طويلاً في مسألة الحوار الوطني والبحث عن حل سياسي . انعقاد المؤتمر بحد ذاته دليل على الإنهاك المتبادل، فضلاً عن ضغوط دولية واضحة جرت ممارستها على الأطراف من أجل اللقاء والحوار . قد لا تكون النوايا مشتركة ولا الأهداف ولا التوقعات وهذا أمر طبيعي، لكن شرعية المؤتمر ومرجعيته “جنيف1” أي التفاهم الأمريكي الروسي على البنود الأساسية المتضمنة الحفاظ على وحدة سوريا واستقلالها ووحدة مؤسسات الدولة والبحث عن صيغة حكم انتقالية نحو تغيير سياسي . قد تأخذ هذه البنود الكثير من التفسير والتأويل لكنها توفر أساساً صالحاً للحل السياسي . فهناك مداخل لكل حل والغموض الذي ينطوي عليه “جنيف1” مقصود ومفيد . فليس من شأن القوى الدولية أن تضع لسوريا صيغة نظامها السياسي وإن كانت تشارك وتساهم في ذلك عملياً . مهمة الأطراف المحلية أن تستثمرالإقرار بأن ما كان في سوريا لم يعد صالحاً للبقاء وأن أموراً كثيرة تغيّرت ولا مجال لاستعادتها . ومن غير الصحيح أن مؤتمر “جنيف2” لا يتضمن تنازلات متبادلة أساسية .
على أي حال، بقطع النظر عن النوايا والطموحات التي يعبر عنها الطرفان في الإعلام فهما محكومان إلى السقف الدولي الذي يرغب في وضع سوريا على طريق الحل السياسي لكثير من الاعتبارات، من بينها بلوغ أهدافه من تلك الأزمة . ومن غير المقنع طبعاً أن أي من الطرفين يمكن أن يدّعي القدرة على حسم الأوضاع عسكرياً في وقت قريب . بل إن تلك الأزمة فعلاً تجاوزت حدود سوريا أمنياً وليس سياسياً، وأخذت تهدد الكيان السوري ووجود الدولة كما كيانات ودول الجوار . أصبح لبنان جزءاً من دائرة التداعيات الأمنية وانتقلت إليه في العمق بعض التفجيرات . وكذلك شأن العراق الذي شهد تصاعداً للعمليات العسكرية ومحاولة للسيطرة على بعض محافظاته فسارع الأمريكيون لدعمه بالسلاح . وما أعطي من ضمانات للمعارضة السورية من الدول الكبرى قد لا يكون على مستوى طموحاتها، لكنها تطمينات أكيدة في ما خص “الحكومة الانتقالية” المفترض أنها المدخل الطبيعي للعملية السياسية وللتغييرات التي ستحصل . لن تحسم جولة واحدة من المفاوضات وربما عدّة جولات الأزمة، لكنها أخذت الوجهة العامة من أجل حل سياسي . إن كسر احتكار السلطة في سوريا من قبل فريق معين والإقرار بالحاجة إلى التعددية والمشاركة هو أساسي ولا عودة عنه . كل حديث عن “بقاء النظام” هو مكابرة على معطيات أكيدة لا مجال معها إلى إعادة القبضة القديمة على سوريا . إن مجرد وقف الحرب يشكل بحد ذاته تراجعاً لتلك القبضة وبداية لمسار سياسي تعددي .
أما نفوذ القوى الخارجية، فهو بالضرورة يتغيّر من شكل التدخل العسكري إلى علاقات ببعض القوى وتمثيلها داخل النظام . قد تبرز هذه الصورة بوضوح في تكوين الهيئة الانتقالية بداية ثم في المؤسسات العسكرية والأمنية التي تشكل ركيزة الحل وقوته الفاعلة . طبعاً لن تتوقف كل أعمال العنف الآن، وفي المدى المنظور لكن المراوحة هذه لم تعد قادرة على تغيير المعادلات . لذلك نشهد خفضاً واضحاً للتصعيد العسكري وكذلك السياسي . وقد انعكس ذلك على المناخ السياسي اللبناني الذي أدى إلى تراجع القوى المتنازعة عن مطالبها القصوى والسعي إلى تفاهمات ولو بالحد الأدنى على تدارك أي صدام . إن انعقاد مؤتمر “جنيف 2” فعل فعله لدى هذه القوى التي من المفترض أن تراجع حساباتها وتنظر بواقعية أكثر وتدرك حدود الدور الذي تقوم به أمام السقف الدولي الذي يتدرج في الحل من أعلى إلى أسفل . وقد أخذت الأوضاع الإقليمية كذلك تؤكد أن لا تراجع عن الاتفاقات والتفاهمات ولا طائل من أي تصعيد أو تعقيد وقد تم انهاك جميع القوى والأطراف . هكذا انعطفت الأوضاع نحو التسويات السياسية وعلى القوى المحلية التعامل على هذا الأساس .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165320

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

23 من الزوار الآن

2165320 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010