السبت 25 كانون الثاني (يناير) 2014

أمام جنون الإرهاب

السبت 25 كانون الثاني (يناير) 2014 par فهمي هويدي

الآن بوسعنا أن نقول إن الإرهاب وصل إلى القاهرة، وإن من كان يعد جرائم إرهابية وقعت فى العاصمة خلال الأشهر الماضية يكاد يتحول إلى ظاهرة توحى بأن الارهاب الذى كان مقصورا على سيناء، بصدد التمدد باتجاه بقية المحافظات المصرية، وبعد أن طرق أبواب المحافظات القريبة من سيناء (الاسماعيلية والشرقية وكفر الشيخ مثلا) فإنه وصل إلى بنى سويف وتعددت اصداؤه فى القاهرة. فضرب قلب المدينة بالتفجير الذى استهدف مديرية الامن، ثم ذلك التفجير الذى تم فى حى الدقى، اضافة إلى تفجيرات اخرى خائبة تمت فى بعض الاحياء الاخرى، وكلها جرائم سقط فيها اعداد من المواطنين البسطاء والجنود الابرياء الذين كانوا يؤدون واجبهم. وإزاء تنامى مؤشرات الارهاب على ذلك النحو، فإن المشهد يثير ملاحظات عدة منها ما يلى:
• إن طبيعة الجرائم التى وقعت تثير علامة استفهام كبيرة حول هوية الفاعلين، لأن بعضها عمليات تفجير ساذجة تشير إلى أن الذين أقدموا عليها هم من الهواة الخائبين. فى حين أن البعض الآخر يدل على أن ثمة خبرة وشيئا من الاحتراف وراءها، وبوسع المراقب أن يقرر أن الجرائم الاخيرة يمكن نسبتها إلى من يطلقون على انفسهم انصار بيت المقدس المتمركزين فى سيناء والمتحصنين بالجبال والكهوف. وربما لبعضهم خبرات قتالية فى أماكن أخرى. أما عمليات التفجير التى وصفتها بأنها ساذجة فإن الفاعلين فيها ينتمون إلى مجموعات بحاجة إلى تحديد.
• إننى أحذر من التسرع فى إطلاق الاحكام والتعويل على وسائل الاعلام فى تحديد الفاعلين ومحاكمتهم لسبب جوهرى هو أن تلك مغامرة قد تنتهى بإفلات المتهمين الحقيقيين من العقاب ناهيك عن انها قد تؤدى إلى تشويه وظلم الابرياء ولذلك تمنيت أن يتريث الجميع حتى تتوصل التحقيقات إلى الخيوط التى توصل إلى الفاعلين، الأمر الذى يمكننا من أن نشير اليهم بوضوح ويسوغ لنا أن نعرف على من نطلق السهام ونصب اللعنات.
• أحذر ايضا من ترك الامر كله للاجهزة الامنية الامر الذى يحملها بما يفوق طاقتها ويقحمها فى مجالات يجب أن ينهض بها آخرون. ذلك أن الارهاب فى بعض اوجهه ليس مشكلة امنية فحسب، ولكنه مشكلة سياسية ومجتمعية ايضا. ورغم أن لدىَّ الكثير الذى يمكن أن اقوله فى انتقاد سلوك وسياسات الاجهزة الامنية، فإننى أزعم أنها ينبغى الا تتحمل وحدها عبء مواجهة الارهاب.. بكلام آخر فإن الحل الأمنى محكوم عليه بالفشل اذا حمل بمسئولية مواجهة اى مشكلة سياسية، وما ما لم تقم السياسة بدورها فى التواصل والتفاهم الذى يتجاوز الاجراءات والفرامانات، فإن المشكلة لابد أن تطول ولا غرابة فى أن يدفع المجتمع ثمنا باهظا جراء ذلك. فى هذا الصدد فإنه لا يكفى أن تنظم وزارة الاوقاف حملات للتوعية ومواجهة الفكر التكفيرى، حتى ازعم أن ذلك تفكير ساذج يحول جهاز الدعوة فى الاوقاف إلى احد فروع الامن الوطنى، ليس فقط لان الفكر التكفيرى يعد ظاهرة فى سيناء فى حين انه استثناء فى بقية المحافظات المصرية وليس فقط لان مواجهة ذلك الفكر تتم باطلاق مجموعة موظفى الاوقاف الذين يمتدحون الاعتدال والتبشيرية، ولكن ايضا لأن المشكلة لها جذورها الاجتماعية والاقتصادية التى لا تحل بمواعظ القوافل العابرة.
• أزعم أن العمليات النوعية التى نمت كشفت عن قصور معلوماتى واستخبارى يحتاج إلى انتباه وعلاج. اتحدث عن محاولة اغتيال وزير الداخلية وقتل الضابط القيادى فى الامن الوطنى إلى تفجير مديرية امن القاهرة مرورا بتفجير مديرية امن الدقهلية ومقر المخابرات فى الاسماعيلية. ذلك أن تلك العمليات تطلبت بذل جهد كبير فى الرصد وجمع المعلومات وتوفير المتطلبات اللازمة لتحقيق الهدف. ومن المستغرب أن يتم ذلك كله دون أن يثير انتباه الأجهزة الامنية بما يحول دون اجهاض العمليات قبل وقوعها.
• إننى أتفهم غضب الاخوان واستياءهم واقدر حيرتهم ازاء انسداد الافق السياسى امامهم.
واشارك آخرين فى أن اعتبارهم جماعة ارهابية كان قرارا متعجلا الضرر فيه اكثر من النفع. كما اننى ارحب باعتذارهم واقدر استنكارهم للعمليات الارهابية ودعوتهم إلى تجنب العنف. مع ذلك فإننى ادعوهم إلى اعادة النظر فى تظاهراتهم فى الشوارع والميادين مع ما يستصحبه ذلك من صدامات ويسفر عنه من ضحايا من جانبهم او من رجال الامن. علما بأن تلك التظاهرات وسعت من دائرة الاستياء الشعبى ازاءهم وسوغت الإشارة إلى مسئوليتهم عن اى عمل ارهابى يقع فى اى مكان بمصر. وهو ما لا يجدى معه نفيهم أو استنكارهم. صحيح انهم ليسوا وحدهم وان معهم اطرافا اخرى فى التحالف المقام، وصحيح ايضا أن الذين يخرجون فى المظاهرات ليسوا كلهم من انصار الاخوان او التحالف وان اخرين لهم اسبابهم الخاصة التى تدفعهم إلى التظاهر الا أن وجود الاخوان فيها ودعوتهم اليها يضعهم فى الواجهة وييسر توجيه اصابع الاتهام اليهم. وليس لدى بديل جاهز يمكن اللجوء اليه فى هذه الحالة، لكن ما اعرفه أن عليهم أن يتجنبوا التظاهر فى الشوارع فى الوقت الراهن وان يبحثوا عن وسيلة اخرى للاحتجاج السلمى تبعد عنهم شبهة الاتهام وتحول دون زيادة الرفض الشعبى لهم فى حين أن أداءهم الراهن يعفى السلطة من النهوض بما عليها أن تقوم به فى خدمة المجتمع ويوفر لها غطاء يبرر تقاعسها او عجزها. إن الشجاعة والحكمة هى أمضى أسلحتنا فى مواجهة الإرهاب.
حمى الله مصر وحفظ أهلها من كل سوء.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 31 / 2165248

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165248 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010