السبت 25 كانون الثاني (يناير) 2014

“لجنة القدس” والمقبرة المفتوحة

السبت 25 كانون الثاني (يناير) 2014 par عوني صادق

اختتم نهاية الأسبوع الماضي في مراكش، الاجتماع الحادي والعشرون ل“لجنة القدس” التي يترأسها الملك المغربي محمد السادس، متأخراً عن موعد انعقاده فقط (12) عاماً لا غير! وتزامن عقده مع آخر إعلان صدر عن سلطات الاحتلال “الإسرائيلي” عن بناء أكثر من (1000) وحدة استيطانية جديدة في المدينة المقدسة، إلى جانب هدم منازل العرب، وتصعيد الحفريات تحت وفي محيط المسجد الأقصى وحملات اقتحامه وتدنيسه، بعد أن أصبح تقسيمه زمانياً ومكانياً مع اليهود مسألة قيد التنفيذ، عبر التشريعات الجديدة التي يتم تداولها في الأوساط الصهيونية .
وفي كلمته التي افتتح بها الاجتماع، حذر الملك محمد السادس من إطلاق الشعارات الفارغة، وطلب عدم استغلال قضية القدس كوسيلة للمزايدات .
لكن حصيلة الاجتماع انعكست في بيانه الختامي، وأظهرت أن دعوة الملك المغربي لم تلاق آذاناً صاغية، فجاءت التوصيات في (34) بنداً من دون أن تنطوي على جديد، باستثناء بند دعا الدول الأعضاء إلى “تنظيم زيارات عمل من مختلف المستويات إلى القدس وتشجيع رجال الأعمال العرب والمسلمين على المساهمة في دعم القدس”، ما أثار مخاوف أن تفتح باباً جديداً للتطبيع مع الكيان الصهيوني بحجة دعم المقدسيين . ما عدا هذا البند المثير للمخاوف المشروعة، لم تختلف توصيات الاجتماع الحادي والعشرين ل“لجنة القدس” عن توصيات اجتماعاتها العشرين السابقة .
وفي تعليقه على هذه التوصيات، قال الرئيس الفلسطيني مثمناً: “نحن على يقين تام بأن هذه القرارات ستسهم في دعم القدس وحقوق شعبنا وأمتنا في أرضنا ومقدساتنا الإسلامية والمسيحية”! ومن جانبه، قال الأمين العام المساعد للجامعة العربية، محمد صبيح، بثقة: “إن البيان الختامي كان من أقوى البيانات التي صدرت في الفترة الأخيرة لدعم القدس وصمود المقدسيين”! ولا أدري إن كان الأمين العام المساعد يقترح علينا أن نقيم الأفراح تقديراً ل“أقوى البيانات” .
لكن وزير خارجية فلسطين، رياض المالكي، كان مالكاً لأعصابه، وأعرب عن ارتياحه لما صدر من توصيات، وقال: “المطلوب الآن هو كيفية إيجاد الآليات العملية المناسبة لترجمة ما جاء في البيان الختامي على أرض الواقع، لأن أهل القدس ينتظرون منا التحرك بسرعة من أجل حمايتهم ونصرتهم وتعزيز صمودهم . . .” .
لقد وضع المالكي يده، حتى لو لم يقصد، على موطن الوجع! فالكل قادر على إلقاء الخطب الرنانة، بل واقتراح المواقف المطلوبة، ولكن المعضلة في “إيجاد الآليات العملية المناسبة لترجمتها على أرض الواقع” . والمطلوب إدراكه هو أن “الموقف الواضح والثابت، وعدم التنازل عن الحقوق أمر في منتهى الأهمية، لكنه بحاجة إلى أفعال لتحقيقه”، كما قالت افتتاحية جريدة مقدسية، أو “لترجمته على أرض الواقع”، بكلمات وزير خارجية فلسطين . وهذه الأفعال، والآليات، هي ما نقص وينقص كل القرارات العربية والإسلامية، سواء صدرت عن اجتماعات القمم العربية، أو عن اجتماعات “المؤتمر الإسلامي”، أو أي اجتماعات عربية أو إسلامية أخرى .
لقد اعتدنا أن نسمع عن تشكيل لجنة لبحث هذه القضية أو تلك، ومن ذلك تشكيل “لجنة القدس”، ثم نسمع عن اجتماعات تعقد وعن توصيات تصدر، يسميها البعض “قرارات”، ثم تدفن في مقبرة مفتوحة، فننساها ولا نعود نسمع عنها شيئاً أو خبراً حتى يعقد اجتماع جديد، وتصدر توصيات جديدة لتدفن في المقبرة ذاتها!! وهكذا كنا نسينا توصيات، أو قرارات، الاجتماع العشرين ل“لجنة القدس”، ولولا أننا عدنا إلى الأرشيف لما عرفنا هذا التكرار أو هذا النسخ لتلك التوصيات الذي حدث في الاجتماع الأخير .
ما فائدة أن ترفض “لجنة القدس” وتستنكر عمليات الاستيطان في القدس الشرقية مثلا، بينما يتوسع هذا الاستيطان يوميا ويأكل ما تبقى من المدينة المقدسة؟! وما فائدة أن تصر “لجنة القدس” على أن “القدس الشرقية كاملة هي عاصمة الدولة الفلسطينية”، بينما العمل جار لتهويدها وطرد وتهجير أهلها منها؟ بالطبع لا فائدة ولا معنى، والفرق مصدره ما بين الأقوال والأفعال . كم من السنوات مضى على احتلال القدس؟ وكم من السنوات مضى على قرار ضم القدس إلى الكيان الصهيوني؟ وكم من الحرائق والحفريات والاقتحامات والتدنيس وقع على المسجد الأقصى في هذه السنوات، وماذا فعل العرب والمسلمون، دولاً وحكومات وحكاماً، إزاء ذلك؟! لا شيء مطلقا، اللهم إلا الاجتماعات والمؤتمرات والخطب الرنانة الفارغة، التي لا تحرر أرضاً ولا تحفظ حقوقاً ولا تحمي مقدسات! بينما اقتربت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من تهويد كل القدس، وهدم المسجد الأقصى، وأكل كل فلسطين، وتصفية القضية الفلسطينية!!
كان على الشعب الفلسطيني وقياداته منذ البداية، أن يدرك وتدرك أن الاعتماد على “المرجعيات الدولية” والآخرين رهانات خاسرة لن يعيد لها إلا الفتات من الحقوق . أما اليوم، فعلى الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية الحية أن تدرك، قبل فوات الأوان، أن استمرار هذه الرهانات لن تعيد لها ولا حتى الفتات، وأن الوقت ينفد والوطن يضيع والقضية على وشك أن تنتهي إلى التصفية، ولا بد من العودة إلى الأصول .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165829

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165829 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010