السبت 25 كانون الثاني (يناير) 2014

أي مفاوضات مع معارضات وتدخلات ؟

السبت 25 كانون الثاني (يناير) 2014 par د. عصام نعمان

الحرب بالوكالة ممكنة . المفاوضات بالوكالة غير مجدية . الكبار تحاربوا بصغارهم في سوريا، فهل يتفاوضون بصغارهم أيضاً في سويسرا؟
الحرب في مونترو السويسرية كانت مشهدية مسلية لكن غير مجدية . لماذا؟ لأنها كانت مجرد متابعة بالصوت والصورة لحوار بالنار يجري في الميادين السورية .
صوت الحكم السوري في مونترو كان عالياً ومتحدياً بينما صوت المعارضة السورية كان خافتاً . لماذا؟ لأن الحكم واحد موحّد بينما المعارضة متعددة مشتتة . أي مفاوضات مع معارضات وتدخلات؟
ثمة سبب آخر أيضاً: الحكم تحدّث أصالة عن نفسه بينما المعارضة تحدثت بالوكالة عن غيرها .
لا تستطيع معارضة الخارج ان تتحدث أصالة عن معارضة الداخل لأنها غير مفوضة بذلك . ثمة سبب آخر أيضاً: إنها معارضة بلا أسنان . فالمعارضة أو المعارضات المحاربة على الأرض رافضة مبدأ المفاوضة أو، في الأقل، غير موافقة على تفويض “الائتلاف” غير المؤتلف تمثيلها في مؤتمر “جنيف-2” .
الغريب أن الكبار الذين يدعمون “الائتلاف” ويعدونه الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري يعرفون أنه في الواقع ليس كذلك . لماذا؟ لأن أطرافاً أخرى معارضة تدين لهم بالولاء وتحارب نيابةً عنهم أنكَرَت عليه صفته التمثيلية وأعلنت انفصالها عنه .
في المقابل، يتحدث الكبار الذين يدعمون الحكم السوري بلغة هادئة شبه حيادية وكأن حليفهم أو صديقهم ليس بحاجة إلى دعمهم، وأن ما يبتغونه هو الوئام والسلام ليس إلاّ .
هل الكبار الذين يدعمون “الائتلاف” غير جادين في إنجاح مؤتمر “جنيف -2” أم أنهم في ورطة؟
الأرجح أنهم في ورطة سببها الرئيسي مطالبتهم بأمورٍ غير قادرين على تحقيقها . صحيفة “نيويورك تايمز” حذّرت جون كيري، صبيحةَ مشهدية مونترو، من “تكبير” حجره فلا يصيب غريمه . البراهين كثيرة:
- الدعوة إلى تشكيل حكومة انتقالية “لا يكون الأسد جزءاً منها” . كيف لا يكون الأسد، وهو رئيس لدولةٍ طرف في حكومة انتقالية يُراد تشكيلها، جزءاً منها؟ هل تستطيع الولايات المتحدة، منفردةً، إقصاءه؟ هل يستطيع مؤتمر “جنيف-2” ذلك؟
- الجزم بأنه “لن يكون للأسد دور في مستقبل سوريا” . كيف يمكن تحقيق ذلك؟ هل انتصرت قوى المعارضة في الحرب بحيث تستطيع بناء نظام جديد في سوريا بمعزل عن الأسد وحلفائه؟
- بيان مؤتمر “جنيف -1” يدعو إلى تأليف هيئة انتقالية بالتوافق لإدارة البلاد والانتقال بها من الحرب إلى السلم . ما دام التوافق بين الأطراف المتصارعين سياسياً وعسكرياً هو السبيل المحدد لتشكيل الهيئة الانتقالية، فلماذا التسرع بإملاء شروط تشكيلها وتحديد أدوار أعضائها؟ وماذا يبقى من مفهوم التوافق إذا كانت قوى خارجية هي التي تتدخل لتشكيل الهيئة المذكورة؟
- دعوة الحكم السوري إلى وقف النار ورفع الحصار عن بعض المناطق والموافقة على إقامة ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية . هل يمكن تحقيق هذه الأمور من دون الاتفاق مع الحكم السوري أو قبل تشكيل الهيئة الانتقالية بالتوافق؟ ثم، هل يمكن تحقيقها من دون تعاونٍ والتزام من طرف تنظيمات المعارضة المسلحة؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يصار إلى مطالبتها بهذه الإمور أسوةً بمطالبة الحكم السوري؟
- مستقبل سوريا، دستوراً ونظاماً وحاكمين، يقرره شعب سوريا، فلماذا يدعو بعض الكبار إلى رسم إطاره ومضمونه حتى قبل أن تبدأ المفاوضات؟
الحقيقة أن الاجتماع في مونترو لم يكن إلاّ مشهدية وتمريناً تمهيدياً في الحوار الذي يؤمل تطويره إلى مفاوضات . غير أن شرط الحوار ومن ثم المفاوضات وجودُ مناخ نفسي وسياسي مساعد على ولوجها وممارستها . هذا المناخ لم يتوفّر بعد . وقد لاحظ بعض الخطباء هذا النقص ودعوا إلى استدراكه . لعل ذلك يتحقق بجملة مواقف وتدابير أهمها: وقف الحرب الإعلامية، وقف ضخ الأسلحة إلى الأطراف المتحاربة، إغلاق حدود الدول المجاورة لسوريا في وجه المرتزقة الزاحفين عليها من أربع جهات الأرض، التوافق بلا إبطاء او مراوغة على مكافحة الإرهاب والإسراع في توحيد شرائح المعارضة الداخلية والخارجية، السياسية والعسكرية، في إطار جامع يتيح أوسع تمثيل ممكن . وقد أحسن وزير الخارجية المصري نبيل فهمي بالتأكيد على ضرورة استكمال هذه المهمة الاستراتيجية وأوحى بأن القاهرة تبذل جهداً في هذا السبيل .
إلى ذلك، يقتضي مبادرة القوى الوطنية الحية في سوريا كما في عالم العرب إلى التركيز على وحدة سوريا أرضاً وشعباً ومؤسسات، وضرورة التصدي للمشروع الإمبريالي القديم - الجديد الرامي إلى تقسيم بلاد العرب، ولا سيما بلاد الشام وبلاد الرافدين، إلى جمهوريات موز ودويلات قميئة على أسس قبلية وطائفية وإثنية لتمكين “إسرائيل” من السيطرة على المنطقة برمتها وتوفير طوق أمني لكيانها العنصري العدواني . والجدير بالذكر أن وزراء خارجية مصر والمغرب والجزائر ولبنان شددوا في كلماتهم على وحدة سوريا، وحذروا من اعتماد أي تسوية تحمل بذور التقسيم .
لا غلوّ في القول إن الحرب في سوريا وعليها هي أقسى حرب أهلية وعالمية في التاريخ المعاصر . لذلك فإن الخروج منها لن يكون مجرد قرار بل مسار . أجل، مسار الخلاص من المحنة طويل ومليء بالعراقيل وفيه الكثير من النار والعار والآلام والدموع .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 35 / 2177241

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2177241 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40