السبت 25 كانون الثاني (يناير) 2014

هل تحدث معجزة في جنيف؟!

السبت 25 كانون الثاني (يناير) 2014 par علي عقلة عرسان

بعد مونترو وما وقفنا عليه من مواقف فيها يوم الثاني والعشرين من كانون الثاني ـ يناير 2014 تدخل الأزمة السورية المستهدَفة بالحل السياسي عبر المؤتمر مطبخ جنيف وهي مثقلة بما حملته وفود من أربعين دولة ومنظمة دولية، من آراء كثيرة ظاهر بعضها فيه الرحمة وباطنه فيه العذاب، وكل يقول بأنه يريد حلًّا .. ومن هذا المنظور فإن المشاركين الدوليين يريدون للشعب السوري الأمن والسلام وحقن الدم ووقف العنف ولكنهم لا يسلكون إلى ذلك الهدف النبيل الطريق المؤدية إليها، وخير ما نسوقه على ذلك، مما يختصر الموقف لأنه منتشر في الكثير من الآراء والموقف بفعل فاعل أو إيحاء ذي عصا وجزرة يلوح بهما للدول، هو ما تضمنه خطاب الوزير كيري من استفزاز ومحاولة فرض جدول أولويات على المؤتمر ليس هو جدول الأولويات المتفق عليه بينه وبين لافروف وممثلَي الأمم المتحدة كي مون والإبراهيمي، ولم تشر إليه رسالة الدعوة الموجهة للمشاركين من أمين عام الأمم المتحدة التي يعقد المؤتمر تحت إشرافها؟! وقد صب الوزير الأميركي مزيدًا من الزيت على النار في مؤتمره الصحفي الذي أعقب الجلسة الافتتاحية، وأضاف إلى ذلك بهارات حادة في لقائه الحصري مع فضائية العربية يوم الخميس الـ23 من كانون الثاني ـ يناير .. وهو موقف يذكرنا بموقف الوزيرة هيلاري كلينتون بعد الاتفاق على نتائج جنيف 1 حيث خرجت لتناقض ما تم الاتفاق عليه، وما يعتبر روح البيان الذي صدر ووقعت عليه الدول المشاركة في الـ30 من حزيران ـ يونيو 2012، لنغرق نحن السوريون في مزيد من الدم لأشهر وأشهر ويدفع خلالها الشعب السوري عشرات آلاف من الضحايا، بينما يستمر الجدل حول الخبث المبثوث والمناورات السياسية.
الوزير الأميركي بمطالبه ومطالب من هم معه لا يريدون للحرب ـ الكارثة أن تتوقف إلا بفرض منتصر ورؤية وموقف وسياسة على فريق الحكومة من خلال المؤتمر وبكل الوسائل الأخرى القائمة على الأرض، وفي مقابل ذلك يوجد موقف دولي آخر للروس ومن يوافقهم الرأي وهو موقف لا يتوافق مع هذا الخيار ولا مع هذا التوجه وله رؤيته وحساباته وتوجهاته المعلنة المعروفة.. وكل من القطبين الدوليين يحاول أن يضع طبقة سميكة من القطن مشبعة بالمراهم بين جلده وجلد الآخر حتى لا يقع احتكاك مؤلم، أو تتطاير شرارات حارقة من احتكاك أشد تشعل نارًا يصعب إطفاؤها. وفي ذلك سياسة تقوم على تبادل الابتسامات الخبيثة والمكر “الخلاق؟!” وفيها ما فيها من الحرص على تحقيق أكبر المكاسب الخاصة من دون الوصول إلى المواجهات الحامية، مع إسباغ “الحكمة” على المشهد السياسي.. ولكن تبقى النار تحت الرماد.
أما سوريا المنكوبة بنكبات مزدوجة كثيرة فيراد لها أن تكون في هذا المؤتمر برأسين لأحدهما نتوءات تشي برؤوس كثيرة تنتظر من “يزقها” بالطعام ويرش عبر مناقيرها الماء والأخرى برأس لا يُراد له أن يكون رأسًا .. وهكذا تدخل سوريا دهاليز جنيف 2 في عقدة تشبه عقدة الأفاعي المتقاتلة، يشقع من جسدها الدم وتعبث برأيها الرؤوس، وبينما تعبر في ممرات جنيف مثخنة بالجراح، تنتاشها السيوف والرماح فتزداد جراحًا على جراح وأوجاعًا على أوجاع.
وفي هذا الخضم المأساوي، وفي الوقت الذي يتطلع فيه السوريون إلى وقف لنهر الدماء الجاري وسيل الفتنة المتدفق، يبشرنا دهاقنة السياسة بأن المفاوضات قد تستمر سنة أو سنوات، وهو يشير إلى سوابق في هذا المجال مما جرى بين سلطات ومعارضات في دول كثيرة، وكأنه في رؤية من رؤانا يتوعدنا بذلك أو يحلم به؟! وهنا يقفز السؤال الذي تضيق به صدور السوريين في المدن والقرى ومخيمات النزوح وأماكن اللجوء: وهل سيستمر القتل والتدمير والتخريب لسنة أو سنوات، وما الذي سيتوالد من ذلك خلال هذه المدة؟ إن في هذا هلاك سوريا والقضاء على الشعب، وامتدادا لنار الفتنة في هشيم المنطقة .. فمن من المنقذين الأشاوس يرى أنه قادر بالقتل والخراب على إنقاذ السورييين من القتل والدمار؟!
هناك في جنيف من يريد أن يجعل لب الأزمة ـ الحرب هو الرئيس بشار الأسد، ويرى أنه بانسحابه من المشهد السياسي تنتهي المشكلة، وعلى هذا الأساس يجعل جوهر المؤتمر وهدفه والحل السياسي المنشود، ويجعل كل ذلك يتمركز حول شخص، وفي ذلك من قصور الرؤية وضلال الرأي وخطأ التشخيص ما فيه، وهناك بالمقابل من يريد أن يركز الموضوع في أساس جوهري يراه لبَّ الأزمة ـ الحرب وسبب استمرارها وانتشارها وهو الإرهاب بكل الأبعاد والأهداف والأدوات، ومن يقف خلفه ويستثمر فيه .. وبهذا تكون رؤيته للأزمة ـ الحرب ذات أبعاد دولية وخارجية ـ داخلية متداخلة عضويًّا وتصنف في دائرة العدوان والتآمر والاستثمار في الإرهاب، وأنه ما لم يتوقف ذلك فإن الحرب ستستمر والمأساة ستكبر .. وعلى الرغم مما في هذا التشخيص من دقة تعززها الوقائع ومجريات الأحداث فإنه يقفز عن أمور كثيرة هي في صلب الأزمة ـ الحرب مما يستدعي مواجهته بشجاعة وصراحة وحله جذريًّا، ومن دون ذلك يبقى الاقتتال مستمرًّا وتبقى بعض مسوغاته قائمة. وكل من الفريقين له ما يسوِّغ رؤيته ويرى أنه على حق أو أنه يملك الحقيقة كلها .. وكل من أصحاب الرؤيتين ينظر إلى الجانب الإنساني ويريد حلًّا “تخفيفيًّا” له على الأقل، بالوسائل الممكنة وعبر المنظمات الدولية المعنية .. وكثير من أولئك في الفريقين صادق في أحاسيسه وله في الوسائل المؤدية إلى ذلك أغراض.
وعلى هذا نحن أمام معضلات نأمل أن يتمكن المؤتمرون في جنيف من مقاربة بعضها بموضوعية وحيادية ومنهجية وبرؤية شاملة ليتمكن الكل من المساهمة في تخفيف بعض معاناة السوريين، والاقتراب من سلوك طريق الحل السياسي المنشود .. ومن تلك التي نراها معضلات ما يشترك فيها الفريقان السوريان “المتفاوضان؟!”، ومنها ما ينفرد فيها فريق دون فريق، ومن النوعين من المعضلات نذكر الآتي:
1 ـ أن كل فريق من الفريقين السوريين الموجودين في جنيف للتفاوض يريد رأس الآخر ولا يريد أن يواجه الأزمة والمسؤولية عنها معه .. وفي هذا كل الأسى والمأساة.
2 ـ أن كل فريق من الفريقين يحمّل الآخر كامل المسؤولية عن الأزمة ـ الحرب، وعن الدماء والدمار والخراب، ولا يرى أنه مسؤول عنها أو عن شيء منها.. والنتيجة محاولة لطمس الحقيقة وإضاعة المسؤولية بكل درجاتها وأبعادها.
3 ـ أن كل فريق من الفريقين لا يقبل الآخر شريكًا لأنه بنظره لا يمثل شرعية أو أنه متهم بل محكوم عليه. واللغو عن شراكة في الحكم ينطوي على عبث سياسي وتضييع للوقت، فهيئة الحكم المشتركة التي يهدف إلى تشكيلها جنيف 2 بناء على بيان جنيف 1 وهو المرجعية المتفق عليها، ستكون ملغمة بألف لغم ولغم إذا ما تم تشكيلها من الفريقين، هذا فضلًا عن حقيقة أن من سينصَّب وزيرًا أو مسؤولًا من معارضة الخارج قد لا يجرؤ عمليًّا على المجيء إلى سوريا، وقد لا يرغب في أن يعيش ظروف معيشة الشعب فيها بعد سنوات وسنوات وسنوات من الاغتراب أو الارتباط أو .. فكيف سيمارس مسؤولية في سوريا إذن؟! وعلى هذا فإن مقالب سياسية ستكون قائمة ودائمة وربما دامية .. ونحن هنا لا نتكلم عن مقالب فكاهية مما يشبه مقالب “سكابان” شخصية موليير المشهورة، بل عن مقالب ساسة مردوا على استباحة كل وسيلة للقضاء على الخصوم .. والناجح المنتصر في ذلك يملك الحقيقة ويكتب التاريخ!!
4 ـ كل من الفريقين ارتبط برهان على تحقيق “النصر العسكري أو السياسي” مع آخرين أصبحوا في طيات جلده على نحو ما ـ مع فارق ملحوظ في الدرجات تزيد كثيرًا لدى المعارضة الخارجية التي تسولت تدخل الغرب لضرب الجيش العربي السوري وإسقاط نظام الحكم بالقوة الخارجية، وهو ما يراه الطرف الرسمي خيانة وتآمرًا ووكالة عن أعداء الوطن لضرب الوطن .. وفي هذا ظلال وارفة من الحقيقة تشمل فريق المعارضة المحكومة برؤى ومواقف خارجية، أما فريق الدولة الذي لا يخلو من تعاون بعض الفرقاء معه فيستظل بظلال سلطة الدولة وسيادتها ومسؤوليتها عن حماية الشعب والوطن وبسط الأمـن ـ وعلى هذا يصبح الحل السياسي والاتفاق اللذان يريدهما الشعب السوري “سوريين خالصين”، يصبحان مدخولين على نحو ما بارتباطات وتحديات وإرادات وسياسات وتأثيرات ومصالح خارجية.
5ـ فريق المعارضة الموجود في جنيف لا يمثل المعارضات السورية، بل هو لا يمثل كل المعارضة داخل الائتلاف، فأربعة وأربعون شخصًا من هيأته تعتبره غير شرعي أو تخرج عليه كليًّا، الأمر الذي يجعله يزداد ضعفًا على ضعف، فلا هو يمثل الائتلاف ولا المعارضات السورية المسلحة وغير المسلحة من جهة .. ولا المعارضات السورية كلها تمثل الشعب السوري كله من جهة أخرى، وهي أي المعارضات ذاتها في تنافر وتدابر وتناحر وعدم اتفاق على أهداف نهائية ووسائل أداء مقبولة لتحقيق الأهداف، وبينها وبين من لا يجوز أن يحسب من المعارضة السورية أو أن يدخل في نطاق المعارضات السورية أصلًا؛ صدام وقتال ودموية بلغت حدود الممارسات الوحشية .. والأهداف العامة لأولئك جميعًا تصبح بالنتيجة النهائية ليست أهدافًا سورية خالصة بطبيعة الحال..
6 ـ المعارضة التي يملك زمامها الأميركيون مع وكلائهم الحصريين في المنطقة لا يمكن أن تمثل شيئًا سوريًّا بل تمثل واجهة للتدخل الحارجي في سوريا .. والوضع العام للمسلحين على الأرض السورية يحمل سمات الصراع المذهبي ومواصفاته، والإرهاب الخالص وخصوصياته، والتكليف الخارجي بالقتل والاقتتال لتدمير سوريا وجيشها وتدمير المقاومة ومقوماتها، والقضاء على المصنفين إرهابيين من العرب والمسلمين، بأيدي بعضهم بعضًا وبتكاليف مغطاة عربيًّا، وكل ذلك لمصلحة إسرلئيل والغرب والأميركيين.
7 ـ الوفد الذي يمثل الجانب السوري الرسمي في جنيف يمثل الشرعية للدولة السورية، وقد لا يكون مؤيدًا بنسبة 100% من الشعب السوري، فهناك من يخرج على هذا الإجماع، ولكنه يمثل إضافة إلى الشرعية أكثرية الشعب.
8 ـ يتطلع المشرفون على المؤتمر، في العلن على الأقل، إلى وقف جزئي لإطلاق النار، وإلى فتح ممرات آمنة لإيصال الغذاء والدواء إلى المحتاجين والمحاصرين، كما يتطلعون إلى إطلاق سراح بعض المعتقلين والمعتقلات في الجانبين المتقاتلين .. وهذا الثلاثي من التطلعات كان موضوع موافقة من سوريا سبقت انعقاد المؤتمر وأعلن عنها في موسكو، ولم أسمع أنها ذكرت في خطاب الوفد السوري في الافتتاح على أهميتها كمبادرة لحسن نية ومد جسر ثقة، مع أنها أبلغت للمشرفين على المؤتمر.. وهذا أمر نتطلع إليه جميعًا، ويتطلع إليه كل شريف ليس في سوريا والوطن العربي فقط بل وفي العالم أجمع.. ولكن مقاربة الأمر عمليًّا تشير إلى أن الجانب الرسمي السوري يمكنه أن يصدر أمرًا ملزمًا للجيش والقوات المسلحة ولأجهزة حفظ النظام بالتقيد بذلك، وفي التوقيت والأماكن المحددة، إذا ما تم الاتفاق عليه .. ولكن كيف يستطيع وفد المعارضة، على ما ذكرناه من شأنه، أن يلتزم بذلك وينفذه على أرض الواقع وهو لا يسيطر على كل المسلحين، ولا على الجزء الأعظم منهم .. وإذا كان الجيش الحر كله أو بعضه سيلتزم بأمره فإن هذا الجيش ذاته في صدام دامٍ مع مسلحين محسوبين على المعارضة يقاتلونه؟! وهناك جهات أخرى لا تقر بسلطة المعارضة “الجنيفية” عليها، ولا توافق على الوفد الجنيفي المعارض ممثلًا لها، فضلًا عن تلك التي تقاتل الجيش الحر ومن ذهب إلى جنيف، كما تقاتل الجيش العربي السوري، تحقيقًا لأهداف متعددة ومتضاربة أحيانًا، وتختلف عن أهداف مؤتمر جنيف2..!؟ الأمر إذن يدخل في العبثية السياسية، ويجب أن نرى منه حقيقة فشل الولايات المتحدة الأميركية والغرب ومن يواليهما من العرب، الفشل في إحضار المعارضات إلى جنيف في وفد موحد وانحيازها إلى معارضة رعتها لتكون ممثلًا للمعارضات السورية وحتى “للشعب السوري؟!”، وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد التزمت به أمام الروس والأمم المتحدة بوفد موحد للمعارضة فجاءت بوفد لما يقرب من نصف الائتلاف، وهذا فشل صريح إن لم يكن تواطؤًا في الأصل لكي يستمر الذبح في سوريا.
إن موضوع وقف إطلاق النار غاية في الصعوبة والتعقيد، وقد يكون أسهل منه جزئيًّا إيصال الغذاء والدواء لبعض المحتاجين إليه في بعض الأماكن المحاصرة، وإطلاق بعض المعتقلين، أما وقف إطلاق النار وتوقف العنف وهما أساس الأمر والهدف الرئيس للمؤتمر فيبدو أنهما من “شبه المستحيلات في هذه الظروف” حسب المعطيات الحالية، إلا إذا تغير ما في نفوس الكثيرين الكثيرين الكثيرين ممن حضروا جنيف2 وممن تطلعوا إلى حضوره، فقرروا الأخذ بالصدق والسلم وحق الدول بالأمن والإنسان بالحياة، وأخذوا تقوى الله ومراعاة الجوانب الأخلاقية والإنسانية فعملوا بجد وحزم وعزم على وضع حد للعنف الدامي بوسائل وأساليب هم يدركون نجاعتها..
ولكن من يقنعنا أن الأفعى الصهيونية التي تلتف أميركيًّا حول سواعد وأعناق، وتنفث سمها في مواقع وعقول وأجساد كثيرة، وتهدد السلم والأمن والروحي في العالم كله، سوف تتوقف عن الاستثمار في نوع من الإرهاب يخدمها ليتوقف عن الفعل ما لا يخدمها وما يخدمها منه، أخذا بقيم إنسانية وأخلاق لا تؤمن بها، فهي الذرائعية والمكيافلية والعنصرية والصهيونية والعدوان والإرهاب في قرن واحد، وهي شر العالم وبؤسه الروحي.
ومع ذلك كله، مع ذلك كله .. نتمنى أن تحدث معجزة في جنيف فيتغير شيء لصالح البؤساء والضعفاء والأبرياء والأطفال والجرحى والمعوقين والأرامل والأيامى والمعذبين والمقهورين والمظلومين من السوريين على الخصوص، في عالم يعمه الظلم والقهر والقتل والفساد والجوع أكثر مما تنفذ من مسام سياساته القيم الروحية السامية فتشيع الأمن والطمأنينة بين أكثرية بني البشر.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 48 / 2165540

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

4 من الزوار الآن

2165540 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010