الجمعة 24 كانون الثاني (يناير) 2014

محاولة إحياء شارون كرجل سلام

الجمعة 24 كانون الثاني (يناير) 2014 par رغيد الصلح

تعليقاً على وفاة أرييل شارون، قال أحد الصحفيين الأوروبيين إن رئيس الحكومة “الإسرائيلي” قضى ثماني سنوات في حال “الكوما” لأن السلطات المعنية في جهنم لم تقبل بإعطائه تأشيرة دخول! قيل في تفسير هذا الموقف أن الجحيم هو للسيئين الذين ارتكبوا في حياتهم المعصيات ولكن ليس في حجم الشرور التي ارتكبها شارون في حياته!! ولكن النظرة تجاه أفعال شارون مثل الفصول التي ارتكبها في قبية وصبرا وشاتيلا، تختلف من وسط سياسي أو إعلامي إلى آخر، فمقابل الأوساط التي تقيس أعمال شارون بمعايير إنسانية فتنزلها في منزلة الجرائم والارتكابات الشائنة، هناك أوساط تجدها مسوغاً لاضفاء شتى أنواع التمجيد والمديح على صاحبها . هذه الأوساط لا تقول صراحة ما تبطنه ولكن المرء لا يحتاج إلى ذكاء كبير لكي يكتشف أن هذه الأوساط لا تعد التنكيل بالعرب خروجاً عن القيم الإنسانية ولا ترى سلب الفلسطينيين حقوقهم ومستقبلهم وآمالهم انتهاكاً للحقوق البشرية .
إن هذه المواقف في نظر هذه الأوساط المفعمة بروح “الآرابوفوبيا”، هي أقرب ما تكون إلى الدفاع عن الحضارة الغربية وعن رسلها وأبنائها وكياناتها . إذا لم تكن كذلك فكيف نفهم توني بلير، رئيس الحكومة البريطانية الأسبق، عندما يصف شارون بأنه “الدافئ القلب، الظريف، الساحر، الوجداني” وبأنه “ولد بروح عظيمة وقلب كبير”؟! لسنا نعلم أين كان هذا القلب الكبير، الذي يتحدث عنه بلير بصفاقة نادرة، عندما كان شارون يشرف على تنفيذ مجزرة صبرا وشاتيلا من برج قريب من المخيم، وعندما كان يتابع المذبحة التي ارتكبت بحق من تبقى فيه من الأطفال والنساء من دون أن يتحرك قلبه ومن دون أن تتدخل العواطف والمشاعر الوجدانية فتدفع بشارون لكي يصدر أمراً بإيقاف المجزرة .
يصل العداء للعرب وللفلسطينيين إلى ذروته عندما يتحدث بلير والبليريون عن شارون وقضايا السلام . فشارون تميز، في رأي بلير، “بالعناد الحديدي الذي رافقه كدبلوماسي كما رافقه كمحارب، ومارسه في ساحة القتال مثلما اعتمده كصانع سلام” . وفي مقاربته للسلام، لم “يعمل شارون من أجله كحالم، ولكنه كان يحلم به كنهاية للحرب” هذا ما يقوله مندوب الرباعية إلى محادثات السلام في الشرق الأوسط الذي لم نسمع منه في أي يوم من الأيام رأياً في ياسر عرفات أو في غيره ممن دفعوا ثمناً باهظاً جراء التنازلات التي قدموها من أجل سير المفاوضات الفلسطينية - “الإسرائيلية” . أما شارون فقد سمعنا بإنجازاته الحربية الكثيرة ومنها بالطبع قبية وصبرا وشاتيلا، فهل يفيدنا بلير أو غيره عن الإنجازات التي حققها شارون في ميدان السلام؟
تشير مجلة “الايكونوميست” في افتتاحية لها إلى الإنجاز الكبير الذي أتمه شارون عندما أجبر المستوطنين في غزة على الانتقال منها إلى قرى “إسرائيلية” . ولكن هذا كان بداية الطريق . فبعد إنهاء الاستيطان “الإسرائيلي” في غزة، كان شارون، كما تقول المجلة، عازماً على استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين . من أجل هذا عمل شارون على التخلص من ياسر عرفات والتمهيد لبروز قيادة فلسطينية “معتدلة” ومن أجل ذلك أيضاً أسس شارون حزباً جديداً (كاديما) بزعامته .
لكي تكتمل الصورة، صورة شارون كرجل سلام، كان لا بد من التأكيد على أنه كان براغماتياً ولم يكن دوغمائياً . هذه الصفة تؤكدها بداية حياته السياسية إذ كانت في صفوف حزب العمل “الإسرائيلي” وليس في صفوف معارضيه . ولكنه ولأسباب سياسية أكثر منها عقائدية، انتقل إلى ليكود فأصبح واحدًا من قادته . إذن، ليس في حياة شارون ما يدل على أنه متصلب في مواقفه أو أنه كان متمسكاً بالعقائد السياسية على نحو يحول بينه وبين تقديم التنازلات إلى الفلسطينيين .
يستطيع متعهدو تبييض سجلات الزعماء “الإسرائيليين” الأحياء والأموات أن يقولوا ما يشاؤون ولكن روايتهم عن آرييل شارون كرجل سلام لا تقنع عاقلاً . فإخراج بضع مئات من المستوطنين “الإسرائيليين” من غزة لم يكن إنجازاً كبيراً . لقد أثار المستوطنون ضجة إعلامية كبرى حينما اعتصموا بالمستوطنة ورفضوا مغادرتها إلا بالقوة . أما الحقيقة فإنهم استجابوا إلى إغراء الجزرة وليس إلى الخوف من العصا . فقبضوا الثمن غالياً وفي صورة تعويضات جزيلة بعد أن استقروا في مساكنهم الجديدة . ثم إن إخراج المستوطنين من غزة لم يكن خطوة على طريق إخلاء الضفة الغربية والقبول بقيام دولة فلسطينية مستقلة، بالعكس كان عملاً قصد به إحكام قبضة السيطرة على الضفة الغربية . إخلاء القطاع كان مظاهرة إعلامية بقصد إضفاء مصداقية على موقف “إسرائيل” “الإيجابي” من مفاوضات السلام مع الفلسطينيين . إنه موقف تكتيكي يقصد منه ترسيخ وتعزيز استراتيجية شارون والصقور “الإسرائيليين” الرامية إلى تحقيق “إسرائيل الكبرى” .
لم يكن شارون في حياته رجل سلام، بل كان رجل حرب وعدوان وتوسع . وخلال وقوعه في الكوما لم يتغير شارون . وبعد وفاته فباستطاعة أنصاره والمعجبين به من “الإسرائيليين” وغير “الإسرائيليين” أن يبقوا على إعجابهم به كرمز للأفكار والسياسات العنصرية، ورمز للعداء للعرب وللفلسطينيين . أما محاولة إحيائه كرجل سلام، فإنها محاولة فاشلة ولا تقنع إلا الأغبياء



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2178688

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2178688 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40