الأربعاء 22 كانون الثاني (يناير) 2014

تعريف بهدف التحريف

الأربعاء 22 كانون الثاني (يناير) 2014 par محمد عبيد

زدواجية المعايير السائدة في عالم اليوم، وما تفرزه من تناقضات هائلة بين النظرية والتطبيق، وما هو كائن وما يجب أن يكون، وانتهاج معظم القوى العالمية هذا المنهج القائم على الكيل بمكيالين تجاه قضية أو قضايا معينة، لا يمكن إلا أن يرى في إطار طبيعة النظام العالمي ككل القائم على شكل معين للعلاقات بين الدول، والمستند إلى نظريات الهيمنة والقوة فحسب .
ونتيجة لهذه الموازين المختلة، لم يستطع العالم الحديث إيجاد الحلول لعدد كبير من القضايا المصيرية والمهمة، ولم يتمكن من إطفاء الحرائق التي راحت تشتعل هنا وهناك، إما بتدخل مباشر من القوى الدولية الكبرى، وإما بإيحاء منها إلى قوى تابعة لا تحسن إلا إطاعة الأوامر وتطبيق الأجندات الدخيلة .
لكن الأنكى من اختلال الموازين وضياع المفاهيم وسط طوفان القوة الغاشمة، هو ذلك التوجه الذي برز منذ مدة ليست بطويلة، من القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة بالتأكيد، الذي هدف إلى تعريف مفاهيم ومصطلحات عامة، لا ليجلو عنها ضبابية العموميات، بل ليحرّفها بما يتناسب مع مصالحه وأهدافه .
في عالم اليوم تبرز الحاجة إلى تعريفات واضحة لكثير من المصطلحات، على رأسها طبعاً الحقوق، سواء كانت إنسانية أو سياسية أو مدنية أو غيرها، إضافة إلى الحاجة إلى تعريف أو إعادة تعريف مصطلح الاحتلال والاستعمار، وإيجاد تعريف واضح ومحدد لمصطلح “الإرهاب”، وغيرها كثير من المفاهيم التي بات تفسيرها أو وصفها رهين الحالة، أو القوة الدولية المعنية، من دون أن يكون للموضوع علاقة بتوحيد التعريفات والمصطلحات، ما ينطوي في النهاية على صون الحقوق وحفظ العالم ككل من تغوّل قوة أو تفردها استناداً إلى تعريف هدفه التحريف وتلبية مصالح ذاتية .
ولو أردنا تطبيق نموذج الازدواجية في التعريفات على أكثر القضايا وضوحاً وتاريخية في عالم اليوم، وهي القضية الفلسطينية بالتأكيد، لوجدنا التالي؛ الولايات المتحدة مثلاً التي تطرح ذاتها “وسيطاً” في عملية التسوية، ترى مقاومة الفلسطينيين للاحتلال وجرائمه وسياساته أياً كان شكلها “إرهاباً”، في حين تعتبر المجازر والجرائم بحق الإنسانية التي يرتكبها الكيان المحتل يومياً شأناً متعلقاً ب“الدفاع عن النفس”، أو “الحفاظ على الأمن”، وذلك ليس غريباً، ذلك أن المفهوم يلبس أقنعة يُزال بعض منها أو يعاد آخر لمحاكمة أحد وجوه القضية، أو تعريف آخر، ولعبة الأقنعة هذه مقنعة للعالم الحديث، الذي لا يرى سوءاً في التزوير والتحريف، خصوصاً إن ألبسه رداء الحقوق الإنسانية وغيرها .
هذا الوضع الناشئ عن غطرسة القوة المتفردة والوحيدة في العالم، آخذ في الزوال، ولن يطول الزمان حتى نجد أن المصطلحات بدأت تأخذ تعريفات أكثر وضوحاً، لا لأخلاقية القوة أو القوى الدولية الصاعدة التي ينتظر أن تتشارك إدارة العالم، بل كون ذلك متطلباً موضوعياً للحفاظ على موازين القوى، وتوازن العالم، لكنه رغم ذلك سيكون أفضل بكثير من تعريف قوة وحيدة مصطلحات مهمة بهدف التلاعب بها وتحريف مفاهيمها الحقيقية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 43 / 2165278

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165278 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010