الثلاثاء 21 كانون الثاني (يناير) 2014

صوت الريح

الثلاثاء 21 كانون الثاني (يناير) 2014 par د. حياة الحويك عطية

بالمنظور التاريخي، ثمة تغيير يحدث بقوة على خريطة الشرق الأوسط والعالم العربي . تغيير لا نقصد به ما حصل في تونس أو في ليبيا، بل ما يحصل في المشرق العربي والشرق الأوسط . فبمقاييس الأيام والأسابيع قد لا يبدو التبدل كبيراً، ولكن بمقياس كتابة التاريخ، نحن نسير إلى مصير قد لا نتبين ملامحه بوضوح . بؤرة التحول كانت في سوريا، ولولاها لما حصل ما حصل في مصر وغيرها .
لكن صمود النظام السوري لا يعني ان الأزمة الدموية يمكن أن تنتهي بالعودة بالأمور إلى ما كانت عليه، ففي المقابل هناك تنام سرطاني للقوى الإرهابية التي يذهل المرء لسماع عددها ولا يمتلك أن يسأل: من المسؤول عن الاستعداد النفسي لدى كل هؤلاء للتحول إلى إرهاببين تكفيريين، من أوروبا إلى افغانستان مروراً ب85 جنسية؟ ثم من الذي ينفق هذه المبالغ الطائلة التي يستوجبها تمويل حربهم؟
المنطقة تتجه إلى الحلول، بدا الأمر بصفقة التراجع عن الضربة الأمريكية لقاء التخلي عن الكيماوي، وها هي بوادر اخرى تلوح في البحرين، عبر لقاء المعارضة مع ولي العهد . مثلها يتبدى واضحاً في لبنان عبر المصالحة غير المباشرة بين حزب الله وسعد الحريري، حيث تراجع الحزب في شروطه لتأليف الحكومة وتراجع الحريري عن مقاطعته، ربما ثمنا لعودته من منفاه الاختياري أو القسري الى ترؤس وزارة جديدة بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة . في حين لا تأتي زيارة الجنرال عون إلى الفاتيكان خارج هذه الأجواء . ولعل أبلغ دليل - غير التصريحات - الهزال الذي صبغت به جلسات المحكمة الدولية، هذا في لبنان . أما في تركيا فالأمور ترقص على إيقاع آخر لكنه يأتي ضمن السيمفونية نفسها .
هذا طبعاً بعد ان كانت قطر أول منصة للتأقلم والتكيف، هي التي كانت السباقة في بداية التسعينات بالتأقلم مع النظام الدولي الجديد الذي نشأ آنذاك، بتغيير يطول الأشخاص ولا يطول النظام .
وإذا كان كل ذلك يأتي تحت مظلة التغيير الكبير بين الأمريكي والإيراني، فإن المظلة الكبرى هي تلك القائمة بين الكبيرين كيري ولافروف . من هنا يتشكل السؤال: لقد دخلنا مرحلة نظام عالمي جديد رسى على أنقاض النظام العالمي
الجديد الذي نشأ عام ،1990 وإذا كان إعلان استقرار النظام الأول قد جاء على ركام العراق، وتكيف معه العرب، فهل إن
إعلان ولادة الجديد ستأتي على ركام سوريا، وسيتكيف معه العرب؟
سؤال مرّ، لكنه واقعي ويفرض طرحه سؤال آخر: من الذي ربح من الأزمة السورية؟ الروسي عاد إلى موقعه على الساحة الدولية لاعباً أول إلى جانب الأمريكي، الأمريكي احتفظ بمصالحه، الصيني انتقل من مجرد قوة اقتصادية إلى كونه قوة سياسية، الإيراني حل مشكلته مع الأمريكي، ومن ثم العالم، الأوروبي خرج بكم من المكاسب بمليارات هي أشد ما يحتاجه في أزمته الاقتصادية، و“إسرائيل”، الرابح الأكبر، الأكبر دائماً كما كان الحال في العراق، تخلصت من قوة سوريا الاقتصادية والعسكرية ومن نموذجها في التعدد والتعايش والانصهار، النموذج المحرج للدولة اليهودية .
الخاسر الأول هو سوريا ولكن العرب كلهم خاسرون، صرفوا المليارات لقتل بعضهم بعضا وزرعوا فيما بينهم أحقاداً لن تمحوها عقود وقرون، وربطوا أنفسهم بإرادات خارجية لن تترك لهم يوماً أن يرفعوا رؤوسهم . أما الإسلاميون الذين يدُعون الإسلام فقد قتلوا الجيش السوري وهو أيضاً قتلهم، ثم انتقلوا إلى قتل بعضهم بعضاً، لتصبح سوريا مصفاة تتخلص فيها كل دول العالم منهم على حساب السوريين والعرب . وتحت ضجيج ذلك كله ضاعت القضية المركزية وكدنا ننسى فلسطين، بل كادت تنسى نفسها .
سيأتي جنيف، ليطلق شيئاً ما، وستتطور الأمور بعد جنيف إلى ما يشبه الطائف بالنسبة إلى لبنان مع فارقين: الأول أن الدولة السورية ما تزال متماسكة بمؤسساتها ما يؤهلها لتلقف الحلول والتغيير، والثاني أن هذا الحل سيحقق خطة أمريكية معلنة بتحويل الجيوش إلى مكافحة الإرهاب بدلاً من محاربة “إسرائيل” . وسنجدنا جميعاً مضطرين إلى تأييد ما لا منه بد . وفي كل هذه الحتميات ترتسم خريطة سياسية جديدة ونظام إقليمي وعالمي جديد .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2165236

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165236 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010