الثلاثاء 21 كانون الثاني (يناير) 2014

لغة الضاد والسياسة

الثلاثاء 21 كانون الثاني (يناير) 2014 par أمجد عرار

قبل فترة وجيزة خاطب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عمداء ورؤساء الكليات والأقسام الحقوقية والدستورية في المعاهد الروسية بشأن مغالاة بعض المثقّفين والموظفين في استخدام المصطلحات الأجنبية في المخاطبة والكتابة، ظناً منهم أنهم بذلك يضعون أنفسهم بذلك في مصاف فئة أعلى وأكثر تحضراً، وأن هذه الفذلكة تجعلهم أكثر شهرة، وتعطي أفكارهم وأحكامهم طابعاً أكثر رسوخاً وشمولية . لكنّه رأى بالمقابل أن المغالاة في استخدام المصطلحات الأجنبية، إن دلت على شيء، فإنما تدل على عدم الثقة بالنفس، وعلى ضعف مهني على أقل تقدير .
الكلام عن كون اللغة حجر الأساس لوحدة الشعوب وانسجام الأمم فيه درس لكل من يتعامل مع لغة قومه بمنطق دوني، لأن هذا ينطوي على عدم احترام للذات والأمة والتاريخ، وتملّق ل “الآخر” وأحياناً لمعسكر معاد ليست لغته بالضرورة أكثر تاريخية ورسوخاً وقدرة تعبيرية من اللغة التي يحاول المتفذلكون الانتقاص منها . وهذا ينطبق على بعض الفلسطينيين الذين أدخلوا مصطلحات عبرية في كلامهم، وعلى كثير من العرب المتأثّرين بالحقبة الاستعمارية، وبخاصّة الفرنسية، في شمال إفريقيا، وكذلك الأمر على شرائح واسعة من الأكاديميين وأدعياء الثقافة الذين تخرج أحاديثهم خليطاً من لغات على نحو استعراضي مقيت .
اللغة ليست مجرّدة بل لها تجليات في الحياة العملية، لكن بعضنا ربط عربة اللغة بحصان السياسة المهزوم، وبات للغة لديهم وجوه أخرى وأبعاد غير أبعادها . لقد هجروا الفعل منذ زمن، وأصبحوا ينتمون للأمة والدين إسمياً، مبتدؤهم مصالح شخصية وأجندات، وخبرهم من شاهد لم ير شيئاً . هذا النوع استمرأ الهزيمة واستدخلها في ثنايا وتفاصيل حياته، وتخلّى عن الدور الفاعل وفضّل أن يكون مفعولاً به على الدوام .
في بلادنا بات القتل بالجملة والحال تزداد سوءاً كل يوم . فقدنا القدرة على التمييز بين العدو والصديق، والبعض يسعى لجعل أسباب البؤس مبنية للمجهول فيما الفاعل معلوم . لم يبق من الرفع سوى ما يرفع من شكاوى لمجلس الأمن، والنصب أصبح سيد الموقف في الأكل والشرب والبيت والسوق والفضائيات . كل خيباتنا نعلّقها على مشجب الظرف، وضمائر الانفصال تنشئ لنا دويلات جديدة، ويبدو بعضها مستتراً خلف المصالح أو متّصلاً بمصدر الصرف الذي تضبطه حركات مقدّرة يمنع من ظهورها تعذّر التفكير المستقل .
الفعل العربي معتل في الأول والوسط والآخر، همزة الوصل انقطعت، والخطوط بين المعرفة والنكرة ضاعت، وفعل التعدّي على التاريخ ظل على إطلاقيته من دون استثناء، بعد أن ضاع العطف بين التابع والمتبوع، وطرب العدو لأن كل شيء أصبح مفعولاً لأجله، وبعد أن أصبح المصير العربي مجروراً بعربة أعدائه لا بعروبة أبنائه .
مؤسف أن نرى المجرّد من الانتماء يجرّنا إلى المزيد من المستنقعات الموحلة والأنفاق المظلمة والأفعال الشائنة والأسماء الوهمية وحروف بلا نقط وكلمات أعجمية يوجد بدلاً منها تعبيرات أشد وضوحاً وتعبيرية . إن هربنا من اللغة إلى الرياضيات ضعنا في طلاسم لوغاريتمية، ولا يصمد منها إلا ما حفظته جلودنا من جدول الضرب، وإن عدنا ثانية للغة، لم نجد منها إلا ما كان وما زال فعلاً ناقصاً، أما مفعول الكرامة فممنوع من الصرف .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165272

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2165272 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 2


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010