الجمعة 17 كانون الثاني (يناير) 2014

هل سقط الإخوان في الاستفتاء؟

الجمعة 17 كانون الثاني (يناير) 2014 par رغيد الصلح

يسخر الإخوان المسلمون كل ما يملكونه من أرصدة سياسية وتعبوية وعلاقات إقليمية ودولية في المعركة ضد القيادة المصرية الحالية التي أطاحت سلطة الرئيس المصري السابق محمد مرسي . فهل حققت الجماعة نجاحاً على هذا الصعيد؟ إنها لا تدل على أن الإخوان خاضوا حملة ناجحة على هذا الصعيد . لماذا؟
* أولاً، لأن الإقبال على الاستفتاءات والانتخابات التي تنظم في دول الجنوب والديمقراطيات الناشئة يكون محدوداً عادة بالمقارنة مع المناطق الأخرى في العالم . هذا ما خرج به تقرير أعدته منظمة “ايديا” الدولية عن حجم الإقبال على مثل هذه الامتحانات في العالم بين عامي 1945 و2001 . وبحسب النتائج التي توصل إليها التقرير، فإن معدل المشاركين في الاقتراع على امتداد هذه السنوات بلغ ذروته في الإقليم الأسترالي حيث بلغ ما يفوق 83% من مجموع المقترعين ووصل الى حده الأدنى في الإقليم الإفريقي حيث بقي في حدود 5 .64% . أما في إقليم الشرق الأوسط فإنه وصل إلى 2 .72% من عدد المقترعين المسجلين على جداول الاقتراع . هذا بين الأقاليم العالمية . أما بين دول العالم فإن نسبة المقترعين في نفس الفترة الزمنية بلغت في مصر 3 .45% بحيث احتلت مصر مرتبة الدولة الأربعين من أصل 43 دولة إفريقية شملتها المقارنات .
إن ظاهرة تدني نسبة المقترعين تتطلب تفحصاً ودراسة خاصة في مصر، وهي من الدول التي تمتلك تجارب سياسية رائدة . ولكن في كافة الحالات فإن انخفاض نسبة المشاركين في الاقتراع - اذا حدث ذلك فعلا - ليست شيئاً جديداً، ومن ثم ليس من السهل نسبتها إلى الحراك التعبوي الذي نظمته جماعة الإخوان المسلمين ضد الاستفتاء على الدستور .
* ثانياً، تحسب قيادة الإخوان أن كل من لم يشارك في الاقتراع، هو ممتنع عن المشاركة، أي أنه اتخذ موقفاً سياسياً معارضاً للقيادة السياسية المصرية ورافضاً للدستور، وبالتالي فإنه يؤيد الإخوان ويتبنى وجهة نظرهم بصدد “عودة الشرعية” وتقييمهم للوضع المصري الراهن . بديهي أن هذا التقييم في غير محله . فمن المرجح أن نسبة عالية من الذين لم يسهموا في الاقتراع هم من الذين لا يؤيدون الإخوان وأن امتناعهم عن المشاركة، سواء في الاقتراع على الدستور المصري، أو في الاستفتاءات المشابهة في أي بلد من بلدان العالم قد يكون لأسباب متعددة ومتنوعة منها أحياناً التقاعس عن القيام بالواجب الوطني .
في هذا النطاق، ولو كان الإخوان يريدون فعلاً تحويل الاستفتاء إلى مظاهرة لتأييدهم وللتعبير عن معارضة الرأي العام المصري للقيادة المصرية، لكان حرياً بهم أن يدعوا المواطنين، سائر المواطنين، إلى الرفض الإيجابي للوثيقة الدستورية، أي للتصويت بلا للوثيقة الدستورية بحيث يمكن اعتبار الأصوات الرافضة للوثيقة مؤشراً على حجم التأييد للإخوان وللحكم السابق . بالمقابل فإن ابتعاد الإخوان عن الأخذ بهذه الطريقة يدل على أنهم غير واثقين بمدى استجابة المقترعين للنداءات التي أطلقوها، ومن ثم يمكن اعتباره بمثابة مؤشر على انحسار في شعبيتهم وعلى فشل مسبق في إدارة الحملة ضد الاستفتاء على الدستور .
* ثالثاً، إن طرفي الصراع في مصر أكدا أن نتائج الاستفتاء على الدستور سوف تكون بمثابة صك تأييد ومبايعة للجهة التي رعت الوثيقة الدستورية أو عارضتها . بمعنى آخر، فإنه لو حظيت الوثيقة بتأييد شعبي كاسح، فإن هذا التأييد يمتد لكي يشمل الجهة الراعية للوثيقة، أي القيادة المصرية . وإذا لم تحظ الوثيقة بمثل هذا التأييد، فإن هذا معناه أن هذا الموقف ينسحب على رأي المقترعين في الإخوان المسلمين . وهذه النظرة غير دقيقة . فهناك من قد لا يؤيد الدستور ويرى ضرورة إدخال تعديلات جذرية عليه . لذلك آثر عدم المشاركة في الاقتراع ولكن هذا لا يعني، بالضرورة، أنه يؤيد الإخوان المسلمين، ويعارض القيادة السياسية . وهناك من قد يؤيد الدستور فيشارك في الاقتراع ويعبّر عن رأيه الإيجابي في الوثيقة الدستورية لشتى الأسباب منها، أنه يفتح الباب أمام عودة الاستقرار والحياة الطبيعية في مصر، وأنه يمكن تعديل الدستور في المستقبل . ولكن هذا الموقف لا يعني أنه يؤيد، بالضرورة، القيادة السياسية ويعارض الإخوان المسلمين .
* رابعاً، من المرجح أن نسبة مهمة من المقترعين تخلفت عن المشاركة في الاقتراع بسبب الأجواء المتوترة التي رافقت الاستفتاء . ويقول ناقدو الإخوان هنا إن الجماعة هي المسؤولة عن هذا التوتر إذ إنها نظمت حملة واسعة من الشائعات وروجت عبر وسائل الاتصال الاجتماعي العديد من الأخبار والروايات التي تقول إن الأراضي المصرية سوف تكون مسرح مجابهات حامية خلال أيام الاستفتاء . بل ويذهب معارضو الإخوان إلى تحميلهم مسؤولية أعمال العنف التي تخللت الاستفتاء .
ولكن ما يمكن أن يرجع إليه المرء، كرأي أولي في هذه المسألة، هو المنطق البسيط الذي يقول إن مصلحة القيادة السياسية تقضي باستقرار الأوضاع وانتهاء مظاهر ومفاعيل العنف في الحياة العامة، وإعادة تشغيل آلة السلطة والحكم وتحقيق الازدهار الاقتصادي والانفراج السياسي . هذا كله يلتقي ويتطابق مع ما يتمناه المصريون وأي شعب مهدد في أمنه السياسي والاقتصادي . استطراداً فإن الحكمة السياسية تقضي بأن تسعى إلى ترسيخ مناخ الهدوء والأمن الذي يشجع المقترعين على الاقتراع وعلى توسيع دائرة مؤيدي الوثيقة إلى أبعد مدى ممكن . بالمقابل فإن المصلحة الموضوعية للإخوان هي في حمل أكبر عدد ممكن من المصريين على مقاطعة الاستفتاء، وأن الأجواء المتوترة، تخدم، في نهاية المطاف، مصلحتهم وأهدافهم .
لقد بذلت القيادة السياسية المصرية جهداً كبيراً حتى تأتي نسبة مؤيدي الدستور عالية . على العكس من ذلك، حاولت قيادة الإخوان حث المصريين على مقاطعة الاستفتاء . على الأرجح أن تكون استجابة المقترعين المصريين، مرتفعة بسبب العوامل التي ذكرناها، وأن تتحول الحملة التي خاضتها الجماعة ضد الاستفتاء إلى محطة جديدة من محطات التراجع الإخواني في مصر .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165248

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165248 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010