الخميس 16 كانون الثاني (يناير) 2014

ما بعد الاخوان... مصر عند مفترق طرق

الخميس 16 كانون الثاني (يناير) 2014 par خيرالله خيرالله

قطعت مصر خطوة أخرى في الاتجاه الصحيح. خطوة أخرى، يفترض أن تستتبعها خطوات أخرى. كان الاستفتاء على الدستور، الذي شهد اقبالا أكثر من معقول على الصناديق، دليلا على امتلاك “ثورة الثلاثين من يونيو” شرعية شعبية حقيقية. لم تؤثر في الاستفتاء مقاطعة الاخوان المسلمين له من جهة والعنف الذي لجأوا اليه هذا التنظيم لترهيب المواطنين وحملهم على البقاء في منازلهم من جهة أخرى.

تبيّن أن الشعب المصري يمتلك وعيا، على الرغم من كلّ الظلم الذي تعرّض له خلال حكم العسكر وخلال حكم الاخوان الذين ارادوا وضع اليد على البلد العربي الاكبر وعلى مؤسساته عن طريق نشر البؤس والجهل.

لم يكن لدى محمّد مرسي، وهو ليس في الواقع سوى واجهة للاخوان، ما يقدّمه للمصريين أو لمصر. لم يكن يمتلك مشروعا سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا. لم يكن لديه سوى مثل أعلى واحد ينظر اليه. كان يستعين فقط بالتجربة المتخلّفة لحركة “حماس”، التي هي جزء لا يتجزّأ من الاخوان، في قطاع غزّة.

تطلق “حماس” شعارات، تتحدّث عن تحرير فلسطين كلّها بصفة كونها “وقفا اسلاميا”. في الواقع، تستفيد “حماس” من الحصار الاسرائيلي الى ابعد حدود وتعمل من أجل ديمومته بغية تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني في العمق وتطويعه وجعله أسير ثقافة الموت التي تنادي بها. انها ثقافة بديلة من تلك التي اعتاد عليها واعتمدها الشعب الفلسطيني. انّها الثقافة التي مكّنت هذا الشعب من المحافظة على هويته الوطنية. انها ثقافة الحياة التي تقوم على الانفتاح على كلّ ما هو حضاري في العالم وعلى العلم الحقيقي.

باقبالهم على صناديق الاقتراع والمشاركة في الاستفتاء على الدستور الجديد، أراد المصريون توجيه رسالة واضحة. فحوى الرسالة أن مصر لم تنته بعد. مصر بنسائها قبل رجالها، تحدّت الاخوان في وقت تخلى عنها العالم، على رأسه الولايات المتّحدة حيث ادارة لا تعرف ماذا تريد في الشرق الاوسط باستثناء حماية أمن اسرائيل.

يؤسس الاستفتاء على الدستور لمرحلة جديدة بدأت بنزول المصريين الى الشارع في الثلاثين من حزيران-يونيو الماضي. تميّزت هذه المرحلة بظهور قوى عربية، على رأسها دولة الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ودولة الكويت والمملكة الاردنية الهاشمية، تعرف تماما ماذا تريد. أخذت هذه القوى علما بأنّ ليس في الامكان التخلي عن مصر وأنّ ذلك لا يجوز... وأن مصر كانت ولا تزال حاجة عربية.

نعم، مصر القوية مصلحة عربية عليا نظرا الى أنها عنصر أساسي في اعادة التوازن الى المنطقة في ظلّ جهل أميركي شبه كامل بالشرق الاوسط. ولذلك، كانت هناك مسارعة عربية لدعم الشعب المصري وثورته من منطلق أن المصلحة العربية تتقدّم على أي مصلحة أخرى بغض النظر عمّا تريده الولايات المتحدة بادارتها الحالية.

المهمّ الآن أن يتابع المصريون ثورتهم. وهذا يعني في طبيعة الحال ادخال البلد في مرحلة جديدة تختلف كلّيا عن حكم العسكر الذي استمر ستة عقود وحكم الاخوان الذي لم يدم، لحسن الحظ، أكثر من سنة. الاكيد أن هناك مخاوف من أن يمهّد اقرار الدستور في الاستفتاء الشعبي، ثم انتخاب وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي رئيسا للجمهورية، للعودة الى الماضي، أي لمرحلة 1952-2011.

الاكيد أيضا، أن الفريق السيسي يمتلك شعبية كاسحة وأنه مؤهّل للموقع الاول في مصر. لكنّ ما يحتاجه البلد العربي الاكبر والأهمّ هو الى عقلية مختلفة تساعد في التأسيس لدولة حديثة بالفعل ذات نظام ديموقراطي حقيقي.

يبدو ذلك التحدي الاوّل أمام الفريق السيسي الذي سيترتب عليه اظهار أن مصر لم تنقلب على حسني مبارك من أجل العودة الى نظام مشابه. يفترض به تأكيد أن مصر، بما في ذلك المؤسسة العسكرية فيها، تغيّرت في العمق وأنّ مصر الجديدة ستلبي تطلعات الشباب المصري الذي قام بـ“ثورة الخامس والعشرين من يناير” التي خطفها الاخوان.

سيكون سهلا على أي رئيس مصري جديد، خصوصا اذا كان هذا الرئيس عبدالفتّاح السيسي، تأمين أول ما يطالب به المصريون حاليا. انهم يضعون الامن والأمان في طليعة أولوياتهم... وهذا ما يجعل كثيرين يحنون الى أيّام حسني مبارك، أي الى الماضي القريب.

لكنّ تأمين الامن والأمان لن يكون كافيا، على الرغم من وجود قوى خارجية عدّة تعمل على تشجيع العمليات الارهابية في ظلّ بيئة حاضنة يوفّرها التعاون والتنسيق القائم بين الاخوان و“حماس”.

تبدو مصر بمشاكلها الكثيرة والضخمة عند مفترق طرق. ما نشهده اليوم بداية مرحلة ظهر فيها رجال يستطيعون بالفعل أخذ البلد الى مكان مختلف بدل جرّه في اتجاه التخلّف، كما كان يفعل الاخوان. المكان المختلف هو مصر المتصالحة مع نفسها، مصر الآمنة، التي تعترف بالحاجة الى نظام ديموقراطي يؤمن تداولا على السلطة من جهة وبداية معالجة ما يعاني منه البلد من جهة أخرى. فمصر كانت ضحية الديكتاتورية العسكرية والنمو السكّاني العشوائي وهي في حاجة الى خطة اقتصادية تشمل، بين ما تشمل، تطوير القطاع الزراعي وقطاعات أخرى. اضافة الى ذلك، هناك مشكلة، بل أزمة، البرامج التربوية التي لم يعرها النظام السابق اهتماما يذكر. على العكس من ذلك، عمل الاخوان المسلمون على التسلل الى التعليم والسيطرة على المدارس كي ينشروا فكرهم...

بصراحة، هل في استطاعة القيّمين على المرحلة الراهنة في مصر التأسيس لنظام جديد يتفادى السقوط في كلّ ما سقط فيه نظام حسني مبارك بحسناته وسيئاته؟

في حال امكن التوصّل الى مثل هذا النظام، الذي لا يكتفي باستعادة الامن والاهتمام بما يعانيه المواطن العادي، ستزداد الحاجة الى مصر على الصعيد الاقليمي. يكفي التفكير بالجوار المباشر للدولة المصرية، أي بقطاع غزة وما يدور في سيناء، ثمّ بالوضع في ليبيا والسودان لتصوّر حجم التحديات التي تواجه الشقيق الاكبر الذي يحتاج العرب اليوم اليه أكثر من أيّ وقت...



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 38 / 2165286

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165286 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010