الخميس 16 كانون الثاني (يناير) 2014

“الانقلاب المدني” الذي ينفذه أردوغان

الخميس 16 كانون الثاني (يناير) 2014 par د. محمد نور الدين

حجم الاجراءات الانتقامية التي ينفذها رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان بحق معارضيه، ولا سيما من جماعة فتح الله غولين، يعكس الحجم الكبير للضربة التي تلقاها جراء انفجار فضيحة الفساد بوجهه وبوجه حزب العادلة والتنمية والحكومة في آن .
كان أردوغان ينتقل قبل العام 2011 من إنجاز إلى إنجاز على الصعيد الداخلي في قضايا الحريات والديمقراطية والتنمية . ولكن بعدما قام بتعديلات دستورية جذرية أقرها استفتاء العام 2010 ومن بعدها فوزه في انتخابات العام 2011 انتهج أردوغان مساراً جديداً قوامه التفرد والاستئثار بالسلطة على طريقة حكم “الرجل الواحد والحزب الواحد” بعدما بات يستشعر في نفسه القدرة على التخلص من جميع خصومه ومن حلفائه أيضاً الذين مشوا معه منذ العام 2002 إلى العام 2012 .
ومن هذا المنطلق كانت رغبته الجامحة في التخلص من أقرب وأقوى حلفائه، رجل الدين والداعية فتح الله غولين المقيم في الولايات المتحدة وجماعته المعروفة ب“الجماعة” أو ب“الخدمة”، على أساس أنها تقدم خدمات واسعة النطاق اجتماعياً وتربوياً وطبياً، ومعيشية، فقرر البدء بإغلاق مدارس مسائية تشكل أحد ركائز ثقل غولين . وكانت هذه القشة التي
قصمت ظهر البعير . رد غولين على أردوغان بتفجير فضيحة فساد ضخمة جداً كانت مفاجأة كاملة لأردوغان .
الصدمة التي تعرض لها أردوغان كانت غير متوقعة والأكثر تأثيراً فيه، إذ أنها تصيبه في العنوان الأحب على قلبه الذي كان يفاخر به على امتداد حياته السياسية منذ العام 1994 عندما انتخب رئيساً لبلدية اسطنبول، وهو “نظافة الكف” .
اتهام أردوغان بالفساد هو ووزرائه وحاشيته والأرقام التي تم تداولها وتصل إلى مئة مليار يورو، كانت لتشكل نقطة تحول في الحياة السياسية التركية وتؤدي بأردوغان الى خارج اللعبة وبالتالي نهايته السياسية .
غير أن اردوغان لم يتردد في أن يركب المركب الوعر وأن ينقلب على جميع شعاراته من أجل مواجهة الفضيحة والبقاء في السلطة .
يتساءل بعض الكتاب في تركيا عن الفرق بين الانقلاب العسكري والانقلاب المدني؟ يقولون إنه في حال حدوث انقلاب عسكري يتم إلغاء الفصل بين السلطات وإخضاع أو تعطيل القضاء لمصلحة السلطة الانقلابية . ويعطل العمل بالدستور ويطرد أو يقال جميع قادة الأجهزة المعارضة للانقلاب . وتفرض الرقابة الصارمة على الحريات، ولا سيما الصحافة .
في التطبيق العملي قام أردوغان بانقلاب مدني لا يختلف في مضمونه بشيء عن الانقلاب العسكري .
فور انفجار فضيحة الفساد لم يبادر أردوغان إلى أي إجراء يعكس تنديده بأية حالة فساد أو أي وعد باجتثاث الفساد من جذوره، بل اعتبر بعض ما جرى مجرد “خطأ” . وبادر أردوغان في المقابل إلى تجريد حملة تصفية شاملة لخصومه الجدد من جماعة غولين . فقام بتغيير جميع قادة الشرطة على امتداد البلاد وعين موالين له بدلاً منهم . وقام في البداية بالتدخل في عمل القضاء وتعيين قضاة إضافيين إلى جانب الموجودين الذين يحققون في قضايا الفساد، ومن ثم عزل القضاة المحققين ولا سيما القاضي زكريا أوز . وبعد ذلك عمل على تقديم اقتراح لتعديل هيكلية المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين وحصر صلاحيات التعيين والعزل بيد وزير العدل . أي إخضاع السلطة القضائية للسلطة السياسية ومن بعد ذلك سن قانون لفرض رقابة صارمة على مواقع الإنترنت . وإذا اضفنا لذلك تقييد الحريات الصحفية منذ سنوات، لكان ما يقوم به أردوغان هو الانقلاب على كل الإنجازات التي كانت تركيا قد حققتها . وأكثر من ذلك لم يتردد في التودد إلى المؤسسة العسكرية التي كان ضربها عبر المحاكمات والاعتقالات التي طالت المئات من ضباطها، ومن بينهم آخر رئيس أركان للجيش، ودعا (أردوغان) إلى إعادة المحاكمات ليكسب ود الجيش وبالتالي إعادته، ولو تكتيكياً، إلى الواجهة هو الذي اعتبر بتر تدخله في السياسة إنجاز العمر من أجل تركيا ديمقراطية .
لقد تجاوز أردوغان كل الخطوط الحمر وأطاح كل الإنجازات السابقة، وبات التساؤل أكثر من منطقي، عما إذا كان هناك من فرق بين الانقلاب العسكري المباشر الذي كان ينفذه العسكر والانقلاب المدني الذي ينفذه أردوغان حالياً؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165427

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165427 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010