الأربعاء 15 كانون الثاني (يناير) 2014

الاستراتيجية . . مصدر إلهام صانعي السياسات

الأربعاء 15 كانون الثاني (يناير) 2014 par عاطف الغمري

في أيامنا الراهنة، لم تعد دول كثيرة تتحمل رفاهية التخلي عن مفاهيم الفكر الاستراتيجي، كأحد أهم أعمدة إدارة شؤون الدولة، أو اقتصارها على إصدار قرارتها السياسية يوماً بيوم، وبحسب ما تواجه من مشكلات وتحديات .
منذ سنوات طويلة، والكثير من الدول التي استوعبت معنى الفكر الاستراتيجي، وهي تأخذ في كثير من نواحي حياتها بما فيها، شؤونها الداخلية، بما يسمى بقانون أو بنظرية الاحتمالات . بمعنى افتراض حدوث أشياء، ولو غير متوقعة، أو مستبعدة الحدوث، في إطار الظروف المرئية، لكنها تجهز الخيارات الكفيلة بالتعامل معها لو حدثت .
وضمن هذا التوجه في التفكير، فإنها تعطي مساحة مهمة ومتميزة للدراسات المستقبلية التي تضع تصورات ورؤى، لما يحدث خلال العشرين أو الخمسين سنة القادمة، سواء في المجال الداخلي أو الخارجي، من توافر فرص لمصلحتها لم تكن متاحة، أو ظهور مخاطر وتحديات مستجدة، لم تكن أيضا ظاهرة
حالياً .
وتضع ذلك كله في إطار استراتيجية أمن قومي للدولة، تستوعب ما تواجهه في وقتها الحاضر، وأيضاً ما هو متوقع أو محتمل، بما في ذلك ما هو مستبعد، طالما أن هناك مؤشرات ولو كانت ضعيفة، وتجعل حدوثه ممكناً .
وفي إطار مثل هذه الاستراتيجية، توضع خطط وتصورات ومبادئ عامة، لتكون متاحة أمام نظر كافة قطاعات الدولة، وتكون مصدر إلهام لوضع السياسات، بمختلف نوعياتها اقتصادية واجتماعية، وثقافية، وغذائية، وسكانية، وصحية، وتعليمية وغيرها .
وحتى لو تغيرت الحكومات، واختلف بعضها عن بعض في تفكيره، ونهجه السياسي، تظل الدولة تتحرك فكراً وسلوكاً في الإطار العام الذي يحكم الأمن القومي للبلاد .
وهذا أمر نلاحظه في مختلف الدول التي كان لها السبق زمنياً في امتلاك مفاهيم استراتيجيات الأمن القومي، كالولايات المتحدة، أو دول أوروبا على اختلافها . فالحكومات والرؤساء، يتغيرون، وتوجهاتهم قد تتبدل، لكن الإطار العام يظل هو مجال الحركة للجميع . ولم يعد هذا الأمر قاصراً على هذه الدول فحسب، بل إنه أصبح ظاهراً في الدول الناهضة في آسيا وأمريكا اللاتينية التي عرفت بدورها معنى أن تمتلك الدولة استراتيجية للأمن القومي .
والاستراتيجية يمكن أن تبقى سنوات طويلة من دون تغيير، طالما بقيت الأوضاع الداخلية، والظروف الدولية، كما هي . وهو ما حدث مثلا بالنسبة إلى الولايات المتحدة، التي دام زمن استراتيجيتها للأمن القومي لأكثر من خمسين سنة، منذ التصديق عليها رسمياً عام ،1947 عقب نهاية الحرب العالمية الثانية . فعلاقة التحالفات سياسياً وعسكرياً، بين الولايات المتحدة وحلفائها بقيت كما هي، والصراع مع الكتلة الشرقية بزعامة الاتحاد السوفييتي، ظل هو محور عمل هذه الاستراتيجية . لكن سقوط الأنظمة الشمولية حليفة السوفييت، في أوروبا الشرقية عام ،1989 وتفكك الاتحاد السوفييتي عام ،1991 أبطل عمل الاستراتيجية الأمريكية .
وعلى الرغم من محاولات في عهود رؤساء أمريكيين، من بعد هذا التحول، منذ جورج بوش الأب، وبيل كلينتون، لصياغة استراتيجية جديدة، إلا أنهم فشلوا في صياغتها، لأنهم تأكدوا أن العالم مازال في حالة سيولة، ولم تستقر ملامحه بعد . وهو ما اعترف به مستشارا بوش الأب وكلينتون، وهما برنت سكوكروفت، وأنتوني ليك .
ووقتها قال جيمس ستينبرغ مدير التخطيط السياسي بوزارة الخارجية أيام كلينتون، إن العالم الذي نواجهه اليوم، شديد التعقيد بحيث لا تصلح نظرية واحدة، لصياغة استراتيجية للتعامل معه .
حتى إن بوش الابن عندما أعلن استراتيجيته الجديدة للأمن القومي لأمريكا في 20 سبتمبر/أيلول ،2002 فإنها سقطت بعد 6 سنوات فقط . بعدها اتفق الخبراء في أمريكا على أن أي استراتيجية جديدة لابد أن تضع في اعتبارها نهاية عصر القطبية الواحدة، وأن هناك دولاً صاعدة في آسيا وأمريكا اللاتينية، ستكون - رضينا أم أبينا - شريكاً في إدارة النظام الدولي . مع ملاحظة أن استمرار الولايات المتحدة لفترة سنوات بلا استراتيجية نهائية، عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية هو أمر يخص الدول العظمى التي تملك ما يسمى بالاستراتيجية العالمية grand Strategy التي تباشر دورها خارج حدود الدولة، وفي المناطق البعيدة التي ترى أن لها فيها مصالح استراتيجية وحيوية . لكن الوضع يختلف عند الدول الأخرى التي لا تدخل في هذا النطاق العالمي، ومن ثم سارعت جميعها بأن تكون لها استراتيجية أمن قومي تلائمها وتعزز وتعظم مصالحها .
إن التطورات المتلاحقه في الفكر الاستراتيجي، ظلت الشغل الشاغل لمختلف دول العالم، غرباً وشرقاً، وكلها تدرس الفرص والمخاطر الحاضرة، والمستقبلية، وتضع لنفسها استراتيجية، تضمن بها لنفسها مكاناً مؤثراً في إدارة النظام الدولي . وكثير منها يضع استراتيجيات للسنوات العشرين والخمسين المقبلة .
ولم يعد هناك في عالم اليوم، مكان للتخيل بإمكان إدارة شؤون الدولة بلا فكر استراتيجي شامل، وبعيد النظر، يرصد الحاضر، ويستشرف المستقبل . . فالعالم في حالة حركة لا تتوقف، والتغييرات تشمل كل شيء .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2165531

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2165531 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010