الثلاثاء 14 كانون الثاني (يناير) 2014

المطبّعون ومآلهم الأخير

الثلاثاء 14 كانون الثاني (يناير) 2014 par أمجد عرار

عندما زار فنانان عربيان فلسطين المحتلة منتصف التسعينات، خرج علينا مدافعون عن التطبيع بتخريجاتهم الممجوجة بأن زيارة الضفة الغربية هدفها كسر الحصار “الإسرائيلي” عن الفلسطينيين، وفي الوقت ذاته كسر حاجز الخوف لدى بعض العرب من اتهامات التطبيع . ربما اقترب بعض البسطاء من تصديق التبرير إلى أن شوهد الفنانان العربيان يشاركان في جنازة إسحاق رابين، أحد مؤسسي الكيان الصهيوني، ومحطّم عظام الأطفال الفلسطينيين .
بعد اتفاق أوسلو، تزايدت زيارات بعض المثقفين العرب لفلسطين المحتلة، وبتنسيق مع الاحتلال، تحت عناوين إجراء ندوات ومحاضرات أو إحياء مهرجانات غنائية . ربما يكون بعض هؤلاء على غير وعي ودراية عميقة بالأبعاد التطبيعية لزياراتهم، لكن الأغلبية تدرك هذه الأبعاد وتنجرف خلف مغريات جهات دولية لا هم لها إلا التطبيع مع المحتل .
أحد الزائرين الأكاديميين في دفاعه عن نفسه، سأل ساخراً: هل زيارة قبر خالتي وقراءة الفاتحة على قبرها تعد تطبيعاً؟ لو كان الهدف من هكذا خطوة يقتصر على زيارة قبر أم أو أب أو قريب متوفى، لأمكن التماس العذر، لكن منظمات ال “إن جي أوز” لا تموّل زيارات الأقارب ولا النشاطات الشخصية، بل تموّل كل نشاط تطبيعي، وكل بعثة لفلسطينيين إلى أمريكا وأوروبا للمشاركة في ندوات مسح دماغ تحمل مسميات التنمية والديمقراطية والمجتمع المدني ومسلسل طويل من هذه العائلة المصطلحاتية التي تبطن أكثر مما تظهر . إنهم يسوقون أعذاراً تشبه ما يتغطى به بعض فلسطينيي ال 48 اللاهثين للوصول إلى “الكنيست”، ليصبحوا جسراً للتطبيع وبث الفتن وتفتيت العرب .
منذ نعومة أظفارنا ونحن نعرف بالفطرة أن المطلوب من الأمة العربية لنصرة فلسطين هو دعم شعبها ومقاومتها ورفض الاعتراف باغتصابها والكيان الغاصب الذي أنشئ بمبادرة غربية، وبتواطؤ من بعض العرب . لكن بعض المطبّعين يخترعون مفهوماً انهزامياً لعروبة فلسطين ويختزلونها بزيارة تجري بموافقة الصهاينة والمرور من معابرهم .
مؤخراً، تسببت زيارة ثلاثة صحفيين مصريين للأراضي الفلسطينية بتصريح “إسرائيلي” حجب عن آخرين، جدلاً واسعاً لدى الإعلاميين والمثقفين والنشطاء في مصر . فعلاوة على كون التطبيع جريمة في الأنظمة الداخلية للنقابات المهنية المصرية، فإنه أيضاً جريمة بمقياس الوجدان الشعبي العربي والمصري، وكل مراقب موضوعي يدرك أن مصر بأغلبيتها الساحقة وبملايينها العاشقة لتراب فلسطين، ترفض التطبيع مع الكيان وكل نشاط يصب في خانة التطبيع . وهذا يتضح بكل جلاء من الغياب شبه التام للعمالة المصرية في الكيان، رغم حالة الفقر والعوز التي تعيشها أغلبية المصريين . وحتى في الأوساط الثقافية والفنية المصرية، فإن أولئك الذين قاموا بزيارات تطبيعية يعدون على الأصابع، ولنا أن نتذكر الضجة الصاخبة التي أثارتها زيارة المفتي السابق في مصر إلى القدس، والأمر نفسه ينطبق على أبناء الأمة العربية الذين لا يمثّلهم المثقفون وأشباههم، مهما غلّفوا مواقفهم المشبوهة بالشعارات، ولعلّ أوضحهم و“أجرأهم” ذلك الإعلامي “العربي” الذي دعا الصهاينة لإبادة غزة بالأسلحة الكيماوية .
مهما يكن من أمر، فإن التاريخ لا يعترف ببائعي المواقف لأعدائه وأعداء أمتهم، كما أن العدو نفسه، في لحظة ما، وعندما تنفد العصارة من الليمونة، يضيفهم إلى قائمة اللحديين الهاربين من لبنان، وتحولوا إلى متسولين في طرقات الكيان .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2165350

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165350 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010