الاثنين 13 كانون الثاني (يناير) 2014

الحقوق لا تجزّأ

الاثنين 13 كانون الثاني (يناير) 2014 par محمد عبيد

الحقوق لا تُجزّأ، خصوصاً إن كانت مرتبطة بقضية شعب بأكمله، لا قضايا فردية أو سياسية بحد ذاتها، ولذلك فإن مأساة تاريخية كبرى كالتي مر ويمر بها الشعب الفلسطيني، لا يمكن إلا أن تعامل كشأن واحد، وأن يكون حلها مرتبطاً بهذه الصفة العمومية، لا أن يتم اللجوء إلى تجزئتها، وتحويلها إلى ملفات وقضايا فرعية يغرق الساعون إلى إيجاد حل في تفاصيلها التي تكاد لا تحصى .
حقوق الإنسان أيضاً كل لا يتجزأ ولا تقبل القسمة على أي رقم، وهي كذلك حقوق لا تسقط بالتقادم ولا برحيل طرف من أطرافها، خاصة إن كان الأمر متعلقاً بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، أو أي شكل من أشكال الحط من كرامة الإنسان وامتهانه واستعباده، وكونها بهذه العمومية فإنها تعني قيمة عالمية، هي الأخرى لا يمكن أن تجزأ حسب الجغرافيا السياسية للعالم، أو حسب نفوذ جهة ما على حساب أخرى، أو حسب العرق أو اللون أو الموقع في سلم التطور والتخلف .
ما يحق لإنسان يعاني الموت جوعاً في أي بقعة من العالم، ولا تتوفر له أي من المتطلبات الدنيا للعيش، هو ذاته ما يحق لآخر يعيش في إطار دولة رفاه اجتماعي، وذلك ناتج بالضرورة عن تساوي بني البشر في القيمة الإنسانية المجرّدة من أي اعتبارات سياسية أو اجتماعية أو غيرها .
مع ذلك فإن الواقع يؤكد عكس هذه المسلّمات، ويجعل منها مجرد نقاش نظري صرف خالٍ من المضمون، عندما ننتقل إلى قياس مدى تطبيق والتزام المجتمع الدولي الحفاظ على هذه الحقوق، وعلى رأسها الحق في الحياة، فنجد آلاف البشر يقضون يومياً في أكثر من بقعة من العالم، لأسباب تأتي على رأسها الحروب والصراعات والفتن المتنقلة، إلى جانب الكوارث الطبيعية، وغيرها من مسببات الجوع والأمراض والفقر، ونجد أن القيمة الإنسانية تغدو أمراً نسبياً لا مطلقاً، فقيمة الإنسان تحددها في معظم الأحيان قوة الدولة التي ينتمي إليها، أو قوة الدعم الدولي الذي يتمتع به، أو حتى عرقه ولونه ولغته .
العالم المتقدم يزعم يومياً أنه يحارب كل أشكال التمييز بين بني البشر، لكن مَن يحاربون هم أنفسهم مَن يميّزون، ومَن يجعلون من القيمة الإنسانية رهينة لمطامع ومطامح سياسية أو اقتصادية، أو مشروعاً لاستعراض العضلات وإظهار القوة أمام الخصوم، وفي سبيل ذلك تتحول المسألة الإنسانية المحصورة في إقليم أو دولة ما إلى ساحة صراع دولي، لا يعبأ بالمسألة المعنية أساساً .
هكذا يغدو تعالي الأصوات المنادية بحماية حقوق فئة من الناس ويغفل أخرى، مجرد شكل من أشكال النفاق الدولي، وهي كثيرة، لا يهدف إلا لستر عورة نظام عالمي لا يعترف إلا بالأقوياء، ولا يعبأ بعذابات الشعوب وحقوقها وأحلامها، ولا يتبنى إلا القضايا التي يراها “رابحة” أو تصب مباشرة في مصلحة زيادة نفوذ قوة عالمية على حساب أخرى، أو تسجيل نقاط لقوة ما على حساب قوة منافسة، ولذلك فإن الشعوب المعذّبة لا تملك إلا مواصلة النضال لإحقاق الحقوق .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 49 / 2165326

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165326 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010