الاثنين 13 كانون الثاني (يناير) 2014

مات شارون وبقي مشروعه

الاثنين 13 كانون الثاني (يناير) 2014 par أمجد عرار

هناك من وصف موت أرييل شارون ب “اللحظة التاريخية” . طبعاً هذا التوصيف أصيب بالدوخة الأبدية لكثرة ما تكرر ذكره على ألسن عربية تستسهل تنميق المصطلحات . أعني أن وفاة شارون مريضاً في فراشه نتيجة طبيعية يمكن أن تحصل مع أي شخص سواء أكان مناضلاً أم مجرماً . أحد المثقفين يقترح تحويل يوم موت شارون إلى ذكرى سنوية يحتفل بها الفلسطينيون والعرب . ربما كان هذا بدافع الانفعال اللحظي والعاطفي المستند إلى تاريخ دموي لهذا القيادي الصهيوني والعدو الذي لم يغيّر قناعاته إزاء قضية مخترعة، فيما هناك من العرب من انقلب على قضية عادلة .
في التوصيف السياسي والإنساني والأخلاقي، شارون مجرم ومرتكب مجازر عديدة، وهو يمثّل حركة ساهم في تأسيسها وتنفيذ أيديولوجيتها على أرض فلسطين، سواء من موقعه في العصابات الأولى التي تحوّلت إلى جيش، أو من مواقعه السياسية في أكثر من منصب وزاري ثم كرئيس حكومة . إذاً، لو كانت القضية مع شارون صراعاً مع شخص، لجاز لنا أن نحتفي بموته، ولكانت حلّت أصلاً بموت بن غوريون وغولدا مائير وموشي ديان والإسحاقين شامير ورابين . ولو كانت نهايته في سياق اشتباك نضالي، كما حصل للوزير الترانسفيري رحبعام زئيفي، لكان للاحتفاء معنى، لكنّه نفذ ما تبنى من أفكار ومات ميتة عادية كما يموت أي شخص . وإذا كان عانى على فراش المرض، فإن الكثير من الخيّرين يمرضون أيضاً .
ليس في مصلحة صراعنا مع الكيان الصهيوني أن نمسك بتلابيب رمزية ونبني عليها مواقف احتفالية، فهذا لا يؤسس لمشروع نضالي حقيقي يوصل إلى الأهداف . صراعنا مع حركة صهيونية صلبة ومتماسكة وتعرف ما تريد، مدعومة من قوى دولية نافذة وتدير ماكينة إعلامية ناجحة، حققت نجاحات مبهرة في اختراق الوعي العربي وزرع الشارع العربي ببذور الفتن والصراعات، كما نجحت في إيجاد شريحة عربية واسعة نسبياً من السياسيين والأكاديميين والمثقفين والإعلاميين، تساعدها على تحقيق أهدافها، وبخاصة الآن حيث تحرف وجهة الصراع بعيداً عن هذا الكيان، وجعلت البوصلة لا تشير إلى القدس وفلسطين، والرصاص ينطلق من سلاح العربي إلى صدر العربي، ومن سلاح المسلم إلى صدر المسلم، و“إسرائيل” تمن علينا ب “علاج الجريح” .
شارون ساهم في إنشاء الكيان على أرض فلسطين، وحارب وقصف وأجرم واحتل وبنى مستوطنات ونفذ مجازر، مثل قبية وصبرا وشاتيلا . بدلاً من أن نطلق رصاص الفرح وتعبيراته علينا أن نسأل كيف نواجه المشروع المستمر بعد شارون، كما استمر بعد هيرتزل وبن غوريون . بدلاً من أن نتلهى بعد أن مات من دون تدخّلنا، يجب أن نبحث في ذواتنا عن العوامل التي ساعدت مشروع شارون على الاستمرار والتقدم والتوسع والتمدّد تحت أقدامنا . علينا أن نبحث في أوساطنا عن أولئك الذين يحملون ملامح عربية وأفكاراً شارونية . ينبغي لنا، احتراماً للجدية والموضوعية وصلب القضايا، أن نبذل الجهود في توحيد الفلسطينيين وإنهاء انقسامهم، وفي البحث عن وسائل لوقف الانتحار الذاتي لأمة كاملة مصممة على الخروج من التاريخ والجغرافيا . إذا نظرنا إلى أوساطنا وحدّقنا في شاشاتنا، ونحن نقرأ خبر موت شارون، سنتأكد أن “اللي خلّف ما مات” .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2165622

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2165622 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010