الاثنين 13 كانون الثاني (يناير) 2014

مؤتمر جنيف “السوري” هو وثيقة “جنيف 1”

الاثنين 13 كانون الثاني (يناير) 2014 par محمود الريماوي

مؤتمر جنيف “السوري” هو وثيقة “جنيف 1”، ولا شيء آخر .
أمين عام الأمم المتحدة بدأ بتوجيه الدعوات لنحو ثلاثين دولة عربية وفي الإقليم وفي العالم، محدداً الغرض من عقد المؤتمر بتفعيل وثيقة جنيف، أي تطبيقها .
أطراف في المعارضة منها المجلس الوطني ترفض المشاركة في المؤتمر لأنه أقل من مطالبها . النظام في دمشق يقبل بالمشاركة في المؤتمر مع سعيه العلني لتغيير مضمون وثيقة جنيف بحيث تتحول إلى “مكافحة الإرهاب” .
بان كي مون يترك المتصارعين يتخذون ما شاؤوا من مواقف، مشدداً على أن رعاية المنظمة الدولية تنبع من الحرص على تطبيق وثيقة جنيف، وعلى هذا الأساس تتم الدعوات للمؤتمر، وكذلك يتحدد الهدف من انعقاده .
بعد 34 شهراً من الصراع المحتدم، ومن أجل قطع الطريق على العنف المتمادي، اتجه الروس والأمريكيون نحو اعتماد حل سياسي لا يحظى برضى الأطراف الرئيسية المتصارعة . حتى إنه لا يرضي موسكو وواشنطن، فالأولى تتبنى وجهات نظر النظام، والثانية أقرب إلى رؤى المعارضة، لكن التنازع الطويل في مجلس الأمن بينهما أدى إلى شلل المجلس وعجزه، ما أدى لقبولهما معاً حلاً وسطاً . وقد سبق للمبعوث العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي أن أطلقه باسم الأمم المتحدة ووافقت عليه الجامعة العربية، ويقضي بتشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات على مرافق الدولة ومؤسساتها لتسيّر أمور الدولة، وتضع دستوراً جديداً، وتهيء لانتخابات برلمانية ورئاسية .
المعارضة وفي مقدمها الائتلاف الوطني تضع ثلاثة مطالب لتسهيل مشاركتها بالمؤتمر تتعلق بوقف القصف، ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، وهي مطالب تجد عادة قبولاً لدى دول في حالة حرب بينها، فكيف وأن الأمر يتعلق بالشعب نفسه والوطن ذاته الذي يتنازع الطرفان على تمثيله؟
أما وثيقة جنيف ومبادرة الإبراهيمي فتقرأها المعارضة على أنها تؤدي لتنحية الرئيس الأسد، وتميل للمشاركة في المؤتمر على هذا الأساس انطلاقاً من أن هيئة الحكم تتولى كل السلطات والصلاحيات في المرحلة الانتقالية ما يجعل موقع الرئاسة في حُكم الشاغر . الأوربيون والأمريكيون والدول العربية المدعوة تميل إلى هذا الموقف بينما ترفضه روسيا . الفترة المتبقية على انعقاد المؤتمر حتى 22 يناير/كانون الثاني الجاري تشهد مداولات روسية أمريكية على مستوى وزاري حول هذا الأمر . وفي ضوء مواقف الطرفين على امتداد الأزمة، فإنه يصعب تصور العثور على مساحة مشتركة من التفاهم، باستثناء إحالة الأمر على مفاوضات الطرفين الرئيسيين: النظام والمعارضة، ثم على جهود المبعوث الإبراهيمي الضامن لوثيقة جنيف، وكذلك على الاتصالات والمداولات التي سيجريها مع الدول المشاركة . ومن هنا يأتي الحرص الروسي على مشاركة إيران في المؤتمر . ومشاركة هذه الدولة على جانب من الأهمية باعتبارها من دول الإقليم الرئيسية ذات الكلمة المسموعة لدى الحكم في دمشق . غير أن ما لا يقل أهمية عن ذلك هو أن تعلن طهران تبنيها لوثيقة جنيف محور المؤتمر، وهو ما لا تفعله طهران أبداً والتي يعتقد مسؤولون فيها أن الحكم في دمشق “انتصر على الإرهاب وليست به حاجة لتقديم تنازلات” وهو ما عبّرت عنه رئاسة أركان الجيش الإيراني والحرس الثوري في تصريحات لمسؤوليها بمناسبة زيارة نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد لطهران (صحف الخميس 10 يناير الجاري) . وأكثر من ذلك يقول المسؤولون أنفسهم إن المؤتمر لن ينجح من دون مشاركة إيران، التي ترفض عملياً حتى تاريخه وثيقة المؤتمر الحاكمة! وذلك خلافاً لبقية الدول المدعوة بما فيها روسيا، لكن المسألة لا تخلو من سيريالية، فموسكو المتحمسة لمشاركة طهران لا تدعو هذه الأخيرة لقبول وثيقة جنيف لتسهيل مشاركتها في المؤتمر العتيد .
ومغزى ذلك أنه يراد وفق البعض تحويل “جنيف 2” إلى مؤتمر إقليمي دولي، مفتوح للخطابة وبغير مرجعية، تعود فيه الأمور على مستوى الحل السياسي المأمول إلى نقطة الصفر، وكأن كل ما أصاب سوريا والسوريين من استنزاف وتدمير وتهجير لا يكفي ولا يثير قلقاً يذكر، وكل الوساطات والتحركات الإقليمية والدولية التي بذلت على مدى الفترة الطويلة الماضية لوقف لمحنة السورية هي مجرد حبر على ورق، وكلمات في الهواء .
يقول المرء بذلك مع الشك بجدوى انعقاد “جنيف 2” في سويسرا حتى لو التزمت طهران أو الائتلاف الوطني المعارض بوثيقة المؤتمر الحاكمة، فالكارثة السورية تكمن في الاستخفاف بأرواح آلاف البشر، وإدارة الظهر لمحنة لجوء ما يزيد على ثلاثة ملايين سوري، ودمار الحواضر السورية الرئيسية: حلب وحمص وحماة، وحين تخلو التحضيرات الجارية للمؤتمر على قدم وساق في موسكو وباريس ونيويورك، من أية دعوات لوقف إطلاق النار، فمن الواجب حينها أن يتحلى المرء بأقل قدر من التفاؤل، وسوريا التي يعرفها حق المعرفة 23 مليون سوري التي يمتد تاريخ شعبها إلى نحو 7 آلاف سنة، هي كما يبدو ليست سوريا نفسها التي تدور صورتها في خُلد بعض صانعي السياسات المحلية والإقليمية والدولية الذين يتصارعون على النفوذ والسلطة والدور والموقع والجيواستراتيجيا، ولكن مع طرح الشعب جانباً والإغفال عن حقه البسيط و“المقدس” بالحياة .
على أن انعقاد المؤتمر مع هذه التوقعات المنخفضة يظل أفضل من عدم انعقاده، وذلك بأمل أن يحمل انعقاده بذور دينامية سياسية وتفاعلات ايجابية تحدّ تدريجياً من هول الكارثة، وتضع المتصارعين أمام حتمية القبول بحلول واقعية تنطلق من الوثيقة التي لا وثيقة مرجعية غيرها، وهي وثيقة جنيف 1 الصادرة برعاية الأمم المتحدة في يونيو/حزيران 2012 .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2178755

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2178755 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40