الجمعة 10 كانون الثاني (يناير) 2014

عن جولة كيري العاشرة: المرجعية الدولية أم المنظور الصهيوني للحل

الجمعة 10 كانون الثاني (يناير) 2014 par محمود الريماوي

ذكرت صحيفة “هآرتس” الاسرائيلية الأربعاء الماضي 8 يناير الجاري أن وزير الخارجية الأميركية جون كيري طلب من مسؤولين أردنيين وسعوديين التقاهم في بحر هذا الأسبوع “دعم السلطة الفلسطينية للاعتراف بإسرائيل دولة يهودية”. الخبر يوحي أن السلطة وافقت وأنها تطلب دعماً عربياً لموقفها هذا.
غير أن شيئا من ذلك لم يحدث، فمجمل تصريحات مسؤولي السلطة ترفض هذا الأمر، ولا تمانع أن تصف إسرائيل نفسها بما تشاء. في خبر الصحيفة مع افتراض صحته (ويبدو أنه صحيح استناداً إلى موافقة واشنطن على الطرح بخصوص يهودية الدولة)، يلفت الانتباه أن الأردن تبادل الاعتراف مع الدولة العبرية ضمن اتفاقية وادي عربة لعام 1994 دون أن يشمل ذلك الاعتراف بيهودية الدولة، فكيف يُنتظر أن يطلب الأردن من السلطة ما لم يرتضيه لنفسه؟
أما السعودية فلم تعترف بالدولة الصهيونية بمسماها: “اسرائيل” فهل يُعقل والحال هي هذه أن تطلب من غيرها الاعتراف بما هو أكثر من هذا؟

طلب حكومة نتنياهو يخالف الأعراف الدولية، فالدول تتبادل الاعتراف ما بينها أو تعترف دولة ما بدولة ناشئة، دون أن يقترن ذلك بحمل الطرف الذي يقوم بالاعتراف على أن يُقِر هوية ما للدولة التي يتم الاعتراف بها. علما بأن منظمة التحرير سبق أن اعترفت بالدولة الصهيونية وفق اتفاقية أوسلو لعام 1993 .فإذا كان هناك اعتراف إضافي، فإنه يتم حُكما بين دولة فلسطين ودولة اسرائيل، ولما كانت الدولة الأولى لم تقم بعد ولم تبسط سيادتها على أرضها، فإنه من السابق لأوانه تقديم طلب الاعتراف هذا.

إنه ضربٌ مـــن المصادرة على المطلوب.

والمطلوب هو تنفيذ قرارات الشرعية وأحكام القانون الدولي بإنهاء الاحتلال الاستيطاني والعسكري للضفة الغربية ورفع الحصار عن قطاع غزة، وحل مشكلة اللاجئين وفقا للقرارات الدولية، ووضع ترتيبات تكفل أمن الطرفين.
من السخف أن يتبنى الأميركيون هذا المطلب. فهو مطلب يقع خارج قضايا الصراع ويتعلق بنظرة الإسرائيليين إلى أنفسهم وإلى كيانهم، وإذا كانوا أحراراً في ذلك، فإنه لا شيء يحمل الآخرين على تبني هذه الرؤية وإدراجها في بروتوكولات الاعتراف. وهو إلى ذلك مطلب تعجيزي يراد به استنزاف الوقت وتبديد الجهد بعيدا عن القضايا الفعلية، جريا على أسلوب صهيوني تقليدي في المناورة، دون أن يتوقف الأمر عند حدود المناورة، فهذا الطرح يشتمل على ما هو أسوأ منها، وهو حمل الطرف الفلسطيني ممثلاً في السلطة ومنظمة التحرير على تمكين الصهاينة الأشد تطرفا من بلورة هوية دولتهم على أنها دولة يهودية طاردة لكل ما هو غير يهودي.

وهو ما يجعل نحو مليون وربع مليون عربي فلسطيني مقيمين على أرضهم في فلسطين التاريخية في منزلة غرباء وطارئين على الكيان اليهودي، بما يسهّل دفعهم إلى الخروج من وطنهم باتجاه الضفة الغربية مقابل مستوطنين قد يتم إجلاؤهم في أية تسوية نهائية، فإذا ما رفضوا مغادرة وطن الأجداد، وهم سيرفضون ولهم ملء الحق في رفضهم هذا، فسوف يتخذ الجانب الاسرائيلي من ذلك ذريعة “ذهبية” للطلب من الجانب الفلسطيني القبول بوجود دائم لأكثر من مليون مستوطن يهودي في الضفة الغربية، مقابل وجود عدد مماثل من العرب الفلسطينيين في إطار دولة اسرائيل.
أوساط كيري تتحدث عن عزمه وعزم إدارته على التوصل إلى حل نهائي هذه المرة للصراع الفلسطيني (العربي) الإسرائيلي. الإسرائيليون يفهمون الحل النهائي على أنه اكتساب هوية يهودية خالصة لدولتهم، تنفي الوجود غير اليهودي القائم عبر التاريخ، والسابق على نشوء دولتهم على أرض الغير.

في زيارته الأخيرة وهي العاشرة إلى المنطقة تحدثت أوساط الوزير كيري عن موافقة إدارة بلاده على إحياء مبادرة السلام العربية التي سبق أن تقدمت بها الرياض وتبنتها القمة العربية (فحواها: اعتراف عربي شامل مقابل انسحاب اسرائيلي كامل) وربما في سياق السعي إلى حل نهائي، وهو سعي أميركي ما زال لفظيا، فالحال أن تل أبيب لم تُبد أو تُلمّح ولو لمرة واحدة لاستعدادها الانسحاب وإنهاء احتلالها للأراضي العربية، ما يجعل من وعود كيري للمسؤولين السعوديين تعهدات في الهواء، وخاصة مع تفادي واشنطن ممارسة أي ضغط على حليفها الصهيوني.

إن معضلة المقاربة الأميركية لحل الصراع أنها تستند إلى شبكة المصالح الأميركية الاسرائيلية بالمفهوم الأمني المباشر، مع الاستخفاف عملياً بأهمية المصالح الأميركية العربية بمفهومها الإستراتيجي، كما تستند هذه المقاربة إلى المنظور الصهيوني التوسعي ذي الطبيعة العنصرية ومحاولة تلطيفه والحدّ منه، وتكييفه مع حاجات التسوية العتيدة، مع القفز عن موجبات احترام الشرعية الدولية وقراراتها، كمرجعية لا غنى عنها ولا بديل لها لحل الصراعات والنزاعات وكفالة الحلول والتسويات. وهو ما يفسر سعي واشنطن الثابت والحثيث لإقصاء الأمم المتحدة وبالذات مجلس الأمن، بل حتى الشركاء الأوربيين عن جهود حل الصراع، وقصر الرعاية الدولية للمفاوضات على واشنطن حليفة المحتل الاسرائيلي.

مع المآخذ الكثيرة على السلطة الفلسطينية وأدائها في غير مجال، فإنه يُحسب لها أنها ما زالت تتمسك بالتوجهات الوطنية الأساسية، وخاصة لدى فريقها المفاوض برئاسة صائب عريقات، رغم الضغوط الهائلة التي تتعرض إليها السلطة من الجانب الأميركي وبعض الأطراف الأوروبية، وها هو السيد كيري يحاول ويسعى لاجتذاب ضغوط عربية على السلطة، ولا يتعلق الأمر بموضع يهودية الدولة الاسرائيلية بل يتعداه إلى التفاوض حول حدود الدولة الفلسطينية، علما بأنه ليس للضفة الغربية من حدود برية سوى مع الأردن، ثم مع مصر من جهة قطاع غزة، وتتكاثر التسريبات الإسرائيلية عن مناورات لمنح الأردن دوراً في ترتيبات مستقبلية، مقابل أن توافق عمّان على وجود اسرائيلي على حدودها، وهو ما نفته الأوساط الأردنية وبالذات وزير الخارجية ناصر جودة، الذي أكد على تمسك بلاده بحل الدولة الفلسطينية المستقلة التي تبسط سيادتها على أرضها وحدودها، وتعزز هذا الموقف بلقاء جمع برلمانيين أردنيين وفلسطينيين الأربعاء 8 يناير، أكد على التوجه ذاته والرفض التام للمناورات الإسرائيلية على هذا الصعيد، وإسناد الموقف الفلسطيني المتمسك بالحقوق الثابتة.. فيما جاءت زيارة رئيس السلطة محمود عباس إلى عمّان في اليوم ذاته ولقاؤه بالعاهل الأردني الملك عبدالله لتتوج هذا التوجه، حيث وصف عباس الاجتماع بأنه قد “تركّز على تبادل وجهات النظر حول توحيد الموقفين الفلسطيني والأردني إزاء مبادرة كيري”، علماً بأن المبادرة المقصودة ما زالت في مرحلتها التمهيدية، من أجل ما يسميه الوزير الأميركي صياغة “اتفاقية إطار”.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2165391

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165391 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010