الجمعة 10 كانون الثاني (يناير) 2014

القمة العربية في نصف قرن

الجمعة 10 كانون الثاني (يناير) 2014 par رغيد الصلح

بعد أيام قليلة ينقضي نصف قرن على انعقاد مؤتمر القمة العربي الأول . كان قيام “إسرائيل” بتحويل مجرى نهر الأردن وما حمل ذلك من أخطار جديدة على مستقبل القضية الفلسطينية، السبب الرئيسي المعلن للقمة . إلى جانب ذلك كانت هناك الحاجة الملحة والدائمة إلى تمتين التضامن العربي، درءاً للمطامع الاستعمارية، وتحقيقاً للمصالح العربية المشتركة، ورفعاً لمستوى السواد الأعظم من العرب عبر تنفيذ مشاريع الإعمار . لهذه الأسباب نفسها نشأت جامعة الدول العربية قبل القمة العربية بعقد من الزمن، ولكن الجامعة لم تعد قادرة على إنهاء الخلافات المتزايدة وتصفية الجو العربي من الشوائب المتفاقمة، وإيقاف الحملات العنيفة والمتبادلة لأجهزة الإعلام العربية، فكان لا بد أن يتولى القادة العرب أنفسهم معالجة هذه الأوضاع المتدهورة وأن يأخذوا على عاتقهم هم كتابة صفحة جديدة في العلاقات العربية-العربية . أين نحن اليوم من هذه الأهداف الموعودة؟
بديهي أن واقع الدول العربية بعيد عن الحال المرتجى يوم تأسست القمة العربية . فالتوسعية “الإسرائيلية” باتت أمراً واقعاً وليس خطرًا محدقاً، ولقد استولى “الإسرائيليون” على مياه الأردن وغير الأردن وتحولت “إسرائيل” من كيان معزول في المنطقة، إلى لاعب إقليمي ودولي رئيسي فيها . أما التضامن العربي فقد بات مغيباً فضلاً عن أنه لم يعد عربياً . علاوة على ذلك فإن هناك رفعاً لمستوى المعيشة ولكن - للسواد الأقل - على حساب السواد الأعظم . فلماذا هذا التدهور الذي طرأ على الأوضاع العربية خلال نصف القرن المنصرم؟
البعض يفضل أن يضع اللوم كل اللوم على “الداخل”، أي على العرب أنفسهم . مقابل هؤلاء، يضع البعض الآخر مسؤولية هذا التدهور على “الخارج” ولسنا نعرف سر هذه الأحادية في تحديد الجهة المسؤولة عن تراجع الأوضاع العربية، ولكننا نعتقد أنه ما من سبب منطقي يمنع توزيع هذه المسؤولية بصورة عادلة على الجهتين معاً . ذلك أن الخارج عموماً ودول الغرب بصورة خاصة لعبت، كما يرى فريق واسع من المعنيين بالعلاقات العربية-الأطلسية دورًا كبيراً في الحيلولة دون قيام تكتل إقليمي عربي .
من هؤلاء الذين يحملون الغرب مسؤولية كبرى في تعطيل هدف التضامن والتكامل بين الدول العربية باري بوزان أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد-جامعة لندن . يعتقد بوزان أن الدول العربية تمر اليوم في مرحلة تمزق وانقسام تشبه المرحلة التي مرت بها أوروبا في مطلع العصر هذا مع الإشارة إلى فارق كبير، بين الدول الأوروبية والدول العربية يتمثل في التدخل القوي الذي يمارسه الخارج في الديناميكية الأمنية العربية على نحو يرسخ الواقع الراهن المتأزم . ومن هؤلاء أيضاً ايان لوستيك، الأكاديمي الأمريكي المختص بالشرق الأوسط الذي يرى أن الغرب منع قيام قوة مهيمنة (مصر، العراق تحديداً) تتمكن من دمج قوى المنطقة في كيان واحد . سواء كانت هذه التقديرات في محلها أم لا، فإن هذا لا يعفي من السؤال عن الأسباب التي مكنت دول أوروبا من التحكم في علاقاتها البينية وحرمت الدول العربية من هذه الميزة .
السبب الأهم، في تقديري، هو أن دول أوروبا الرئيسية التي تمثلت في مؤتمر فيينا (روسيا، بروسيا، فرنسا، النمسا، بريطانيا) كانت آنذاك قوى كبرى وعالمية . أي أنها كانت تملك القوة الاقتصادية والعسكرية لكي تتصارع فيما بينها، ولكن لكي تمنع أية قوة خارجية -غير أوروبية- مثل الإمبراطورية العثمانية من التدخل في هذا الصراع أو من حسمه لمصلحتها . أما الدول العربية فكانت قوى متوسطة أو صغيرة . هذه القوى كانت تملك القوة الكافية لكي تتصارع ولكنها لم تملك القوة لمنع القوى الخارجية وخاصة الأوروبية من التدخل لضمان سير هذه الصراعات على نحو يخدم مصالحها وليس مصلحة المتصارعين .
لعله من المفيد هنا التذكير بأن القمتين الأولى والثانية لم تتمكنا من حسم الصراعات وحروب الاستنزاف العسكرية والأمنية بين الدول العربية، فكانت هذه الصراعات من الأسباب التي جرأت “إسرائيل” على شن الحرب على الدول العربية وعلى مضاعفة مساحتها ثلاث مرات عام 1967 . ولم يتغير هذا الحال ولم يتحسن وضع العرب نسبياً إلا بعد قمة الخرطوم التي نجحت في وضع حد للصراع بين القيادات العربية، وبعد أن تمكنت الدول العربية من تحقيق حد متقدم من التنسيق والتعاون العسكري والاقتصادي والسياسي فيما بينها خلال حرب أكتوبر .
إن التخطيط لحرب أكتوبر لم يتم في إطار القمة العربية، بل تم بين مصر والسعودية وسوريا . ولكن المبادرة إلى الحرب جاءت استناداً إلى إطار القمة الجماعي، أي أن الذين كانوا يخططون للحرب كانوا يقدرون أن الدول العربية ستقف معهم، بالضرورة ضد “إسرائيل” . كما قدروا أيضاً أن التضامن العربي الذي سوف تطلقه الحرب جدير بأن يوفر للدول الثلاث مناخاً دولياً ملائماً لكي تشن الحرب وتستمر فيها حتى تحقق أهدافها، أو البعض منها على الأقل .
وكان هذا التوقع لجهة تحريك التضامن العربي في محله . فحتى الدول العربية التي كانت تعارض الحل السياسي للصراع العربي- “الإسرائيلي” مثل العراق وليبيا، وجدت أنه لا بد من الانضمام إلى الصراع العسكري ووضع كل مقدراتها ومصيرها في خدمة المعركة . وكان هذا التوقع في محله لجهة التنبؤ بالموقف السوفييتي، إذ وقفت موسكو، رغم خلافها مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات، إلى جانب الدول العربية وقدمت لها السلاح الذي مكنها من استعادة التوازن مع “إسرائيل” . ولكن الجانب العربي-المصري بصورة خاصة، لم يتمكن من التنبؤ ومن تقييم ردود الفعل الأمريكية على حرب أكتوبر بدقة . فبدلاً من الحفاظ على التضامن العربي وترسيخه كإطار للتحرك بقصد الحد من تدخل الخارج على مسار الصراع مع “إسرائيل”، آثر السادات أن يطبع علاقاته مع واشنطن ومع “إسرائيل” وأن ينضم إلى دائرة المرضي عنهم في واشنطن مقابل التخلي عن التضامن العربي وعن دور مصر التاريخي في المنطقة العربية والعالم الثالث .
إن الدرس المستفاد من حرب أكتوبر ومن مواقع مهمة وتاريخية خاضها العرب هي أن قدرة الدول العربية على الحفاظ على مصالحها الوطنية مرهونة إلى حد بعيد بقدرتها على تعزيز وتنسيق التكتل في ما بينها . في هذا السياق بإمكان القمة العربية أن تكون لاعباً إقليمياً ودولياً مهماً . شرط ولادة أو إحياء هذا اللاعب هو الالتزام بالمصلحة العربية المشتركة والحرص عليها .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2165433

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2165433 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010