الأربعاء 7 تموز (يوليو) 2010

يبغونه عوجاً، ونريده قويماً

الأربعاء 7 تموز (يوليو) 2010 par سوسن البرغوتي

في فلسطين المحتلة وباء لو انتشر بالعالم لما وُجد له علاج ولا شفاء مرجو منه، فالمتمترسون وراء السلطة الوهمية، أشبه بظل يفقد ظله، وكائنات لا هي حية ولا هي ميتة، تُساق لمفاوضات مهمتهم تحقيق مكاسب “إسرائيلية” وتنازلات فلسطينية في آن، وسوف يكون آخرها إسقاط حق العودة وشطب القدس “الشرقية” لتعزيز (يهودية الدولة) من ما يُسمى الوضع النهائي.

لنختصر المسافة بين المناورات عديمة الجدوى وبين الحق الكامل، فـ“إسرائيل” تفاوض نفسها، ولم تحدد بعد حدود إمبراطوريتها!.

المفاوض الفلسطيني يُساق إلى طريق مجهول، وإنقاذ ما تبقى معدوم، وتحرير كامل أرض فلسطين ليست في قاموسه، فهو مذ دخل في نفق مليء بالألغام الصهيونية بما يُسمى العملية السلمية والتسوية والاعتراف، لا توجد أية ورقة قوية بيده، بل هو منزوع من الاعتبار الوطني بالكامل.

لم تعد لديهم أية ورقة توت، يخفون سوءاتهم بها، وليس لهم من القرار السيادي بشيء، اللهم إلا الحفاظ عليهم، كرموز محنطة. يمدونهم بالمنشطات والأموال والقصور الفارهة، وبشتى أنواع السيجار الفاخر والسيارات وملابس “الماركات” المميزة، وبطاقات السفر الخاصة، للتحرك وقتما تتطلب مهمة انتشار الوباء في مدن وقرى فلسطينية أخرى، وفي أوكار السفارات بالخارج، والشللية والمحسوبية تجهز على مسؤولية التعريف بالنكبة الفلسطينية، وجوهر صراعنا مع المحتل.

إنهم حقاً ظاهرة أنفلونزا الحمير، تدعو للاستفادة منها وتصديرها، بدلاً من ابتداع أوبئة في المختبرات الأمريكية، فالوصفة جاهزة ومقبولة على صعيد عربي رسمي، يتهافتون للارتماء بأحضان الصهيونية العالمية والهيمنة الأمريكية.. لكن لم يعد الوباء من اختصاص “علية القوم”، بل تعداه إلى انحرافات فكرية وتشوهات وطنية وأخلاقية!.

إن ما يجري في الساحة الفلسطينية، وتحرك بعض الشخصيات “الاعتبارية” وغيرها في الشتات العربي والغربي، سعياً لتفكيك قضية التحرير، مدعاة إلى رصد تلك المحاولات، والتعرف على انحرافاتها، والخطورة تكمن في معنى تلك التحركات والدعوات.

- ظهور تجمعات سياسية وإعلامية، تدعو إلى وقف “العنف” المتبادل، تساوي القاتل بمن يدافع عن وجوده وأرضه، واستبداله بـ“النضال السلمي”.

ساد الخلط كثيراً، منهم عن سابق إصرار، بهدف تمييع وتفكيك القضية الفلسطينية، بحيث أصبح هاجس “الشرعية القانونية” مسيطراً على أفكار ممن يدعم - تحت غطاء ما يُسمى القانون الدولي- وجود الاحتلال الصهيوني على أرض فلسطين العربية. وصبوا جام تركيزهم على “المستوطنات الإسرائيلية” في الضفة الغربية المحتلة والقدس “الشرقية” تحديداً، فسواء توقف أو تجمد الاستيطان، سيان، لأن الاحتلال موجود بقوة على الأرض الفلسطينية، والسؤال المطروح، هل الاحتلال لأي أرض بالعالم مشروع، وهل المحتلون ليسوا مستوطنين غزاة؟!..

ومنهم من دعا إلى اقتداء الحركات الإسلامية، لتفعيل أدوارهم، انسجاماً مع بيان صدر عن مجالس الكنائس العالمي، يشير إلى أن (الاستيطان المتواصل في الأراضي خارج حدود إسرائيل)، مما يدلل على الاعتراف الرسمي للمجلس بالاحتلال الإستيطاني- الإحلالي من أساسه، ناهيك عن إستراتيجية صهيونية عسكرية ثابتة وممنهجة، بهدف استعماري بحت. كما وجه المجلس للطوائف الأعضاء نداء (بخصوص مرافقة وتشجيع الانخراط الفاعل والسلمي في مفاوضات سلمية تؤدي إلى سلام شامل وعادل يستطيع بموجبه أن تعيش أمتان في تجاور وأمن وداخل حدود معترف بها دولياً).

خطورة النداء يكمن في جانبين، الأول: الاستمرار بعملية المفاوضات، من أجل “حل الدولتين” كي يعيش الشعب الفلسطيني والتجمع اليهودي جنباً إلى جنب بسلام، متجاهلاً باقي الحقوق الفلسطينية في الشتات والداخل المحتل عام 1948، والثاني: الإشارة إلى وجود أمتين، وهنا يعني أن الشعب الفلسطيني الذي ينتمي إلى الأمة العربية، أمة منفصلة تماماً عنها، وليست جزءاً منها، وأن الشعب الآخر من قوميات متعددة، غازية ومحتلة، هي أمة واحدة!. معنى ذلك أن نقر بوجوب التعايش مع المحتل ضمن حدود متعارف عليها دولياً، ليحل الأمن والسلام - حسب البيان-. أما التهويد وحفر الأنفاق تحت المسجد الأقصى وفوقه، وجر الشباب إلى تهلكة المخدرات، والهدم ومصادرة الأراضي والبيوت العربية، وإلغاء كل ما يمت للثقافة العربية الإسلامية والمسيحية بصلة بالمدينة المقدسة، يطالب المجلس الأعلى الدولي، باعتماد المقاومة السلمية بمقاطعة المنتجات “الإسرائيلية” في القدس المحتلة عام 1967. هؤلاء الدعاة، يتجهون إلى ما يُسمى بـ“حل الدولتين”، بذريعة تطبيق الشرعية والقانون الدولي!.

- تفرعت سلطة أوسلو، إلى فروع ووكالات تهجين وتدجين، بفعل تقادم الزمن واستفحال الوباء، منها ما يدعو إلى تقبل التعايش مع محتل، كل غايته تطهير الأرض من سكانها الأصليين. فالتطبيع لم يعد مجرد دعوات من هنا وهناك، ولكن أصبح له “مفكرون وصناعة قادة” يكرسون جلّ اهتمامهم وجهودهم، لإقناع “الإسرائيليين الشجعان”، بأننا شعب ننشد غاية السلام معهم، كعملية تسويقية مكشوفة الأهداف والأبعاد.

بالفعل إنها (دولة إسرائيلية واحدة)، هذا ما ورد على لسان أحد دعاتها. نعم هي كذلك، ولكنها محتلة لأرض فلسطين العربية، وليس “إسراطين”. تلك النظرية الكارثية، التي تشطب اسم فلسطين نهائياً، وتنزعها من كينونتها العربية، وتشكل دولة بـ“أقلية عربية”، تناضل من أجل حق المواطنة داخل دولة استعمارية، تتوسع في أطماعها إلى أبعد من “إسرائيل الغربية”، فأين هو شرقها وشمالها وجنوبها؟!.أما موضوع “الأقلية”، فهم يراهنون على التأكيد على حق العودة للمهجرين الفلسطينيين، والتفوق الديموغرافي الفلسطيني، بعد تحقيق العودة.

جيد، ولكن ما فتئنا نسأل إلى أين العودة، إلى (الدولة الإسرائيلية)؟، هو كذلك بالنسبة لهم، لتبدأ مرحلة النضال ضد اضطهاد التمييز العنصري، وهل ثمة عوامل ترجح نجاح عودة الملايين، تحت احتلال؟، يجيبون بسذاجة سياسية: إن النضال السياسي أحد مقومات النجاح، وكأن “إسرائيل”، من البلاهة بمكان، لتتراجع عن حلمها الاستعماري وأطماعها في الوطن العربي، أو كأنها تستجدي “الحل السلمي” وتقبل بتجريدها من الهوية اليهودية، لتقيم دولة أفلاطونية، وتلغي مشروع “الشرق الأوسط الجديد” سلمياً، ويعم السلام والأمن!. مع ذلك تعاموا بقصد، تفوق “إسرائيل” على جميع الأصعدة، بالإضافة إلى أطماعها بمياه وأجواء وموانئ عربية، وتجاهلوا كل ما تقوم به “إسرائيل” من إجراءات يومية، لتعزيز مكانة “إسرائيل” كدولة متفوقة كبرى على الصعيد العربي والعالمي.

- تعود فئة أخرى لتجادل، بأمر محسوم ومعروف لدى شعوب أبت إلا أن تتصدى للاحتلال، والشعب الفلسطيني ليس أقل عزيمة وإرادة من كل الشعوب التي تحررت، أو ما تزال تحمل لواء التحرير كهدف، وتفرق بين “الاسرائليين” وبين الصهاينة، وكأن ليس كل يهودي بفلسطين أو خارجها، يساند ويدفع الأموال لضمان بقاء واستمرارية الكيان ليس صهيونياً و“اسرائلياً”!. السؤال، الأكثر سذاجة، إلى أين نذهب بهم، هل نرميهم في البحر؟ والجواب سؤال آخر، هل رمى الجزائريون أو الفيتناميون المحتلين في البحر، وهل سترمي المقاومة العراقية، القوات الغازية في البحر، أم ستندحر وتعود خائبة لبلدانها؟.

- فئة متأرجحة بين الثوابت والمكتسبات، وتعمل مع جميع الأطراف الفلسطينية، وهذه لا يمكن تسميتها إلا بالمراهقة السياسية، وعدم حسم الأمور لصالح ما هو فوق كل اعتبار، بالإضافة إلى عدم الشعور بمسؤولية الوضع المتهالك الذي وصلنا إليه. فتارة يعملون على خط التسوية وأي حل تسووي، وتارة يطالبون سلطة محلية بالعودة لمراعاة المصلحة والمصالحة الوطنية، وكأنها معنية بها، ولو كان كذلك، لما اعتمدت نهج التفريط منذ أوسلو وتوابعها، ولما قبلت التنسيق الأمني مع العدو بقيادة دايتون!.

حسناً.. يقولون ما العمل؟. لم يعد هناك خيارات وبدائل لشعب فلسطين، في ظل تقزيم القضية الفلسطينية، بتفرع ملفات الأسرى والاستيطان وفتح المعابر واللاجئين والقدس“الشرقية”، والتي بدت كل منها قضية في حد ذاتها، مع أن جميع الملفات تتعلق بقضية احتلال كل فلسطين ولا شيء غيره. إذاً لنعد إلى الطريق الأول، وإصلاح بيتنا بإغلاق أبواب تأتي منها رياح تدمر القضية وشعبها، فهل هناك من لا يقر بأن الاحتلال أسوأ وأحقر وسيلة تنقض على أراضي شعوب أخرى وتسلبها حريتها في تقرير مصيرها، فما بالك إن كان كهذا الاحتلال الأبشع في العالم، وماذا لو تعرض أي بلد في العالم لاعتداء خارجي، هل سيكون بالتعايش مع المعتدين وتقبلهم أو اقتسام أرضهم معهم؟.

إن هؤلاء وغيرهم، كمن يحرث البحر الهائج بريشة، فلم نسمع بدولة ولا ما يحزنون قبل سلطة أوسلو، وإنما كان التحرير هو المشروع الوطني الوحيد، فلماذا تتغير أبجدياتنا، ولماذا ندور في حلقة مفرغة، ولا حل إلا باعتماد إستراتيجية مقاومة ثابتة، وما يستجد من متغيرات إقليمية أو دولية، نوظفها لصالح قضية الوجود، ولا نبقى تحت رحمتها، وفي مهب التيارات المتنازعة عربياً وعالمياً.

الوقت كحد السيف، إن لم يتم القضاء على هؤلاء، سيستشري الوباء في نفوس ضعاف النفوس، منهم من يستسلم لـ“الأمر الواقع”، ومنهم من يقايض الوطن بالمكتسبات الشخصية، ولم يكن الانتماء والهوية أي مكان في أجندة من ترعرع في مستنقع ظاهره العفونة وباطنه العمالة. فإن لم يحن موعد معركة التحرير الحاسمة، على أقل تقدير، يجب أن نرص الصفوف الوطنية، لتصحيح مسار، يبغونه عوجاً، ونريده قويماً، فمتى نبدأ جدياً بتحرك على الأرض قبل إصدار التصريحات والبيانات، دون أن نحرك ساكناً؟، ولنعيد البناء كما يليق بقضيتنا العادلة، ولا ننسى أن بناء الصرح يبدأ بحصى صغيرة، ولكن على أسس وأعمدة سليمة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 45 / 2177863

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2177863 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40