الأربعاء 7 تموز (يوليو) 2010

عن بعض أوهام الدور التركي عربياً..!!

الأربعاء 7 تموز (يوليو) 2010 par هوشنك أوسي

النخب والمجتمعات العربيّة، من العسير جدّاً أن تقنعها بخلاف ما تتوهّمه. ولعلّ الأكثر عُسراً وصعوبة، أن تلفت انتباهها لصوتٍ يلمِّح إلى ما يغاير ذهنيَّتها، حين تستبدُّ بهذه الذهنيّة الأوهام - الأغلال. وعليه، ربما بات من الصعوبة بمكان، أن تناقش الواقع والدور التركي مع أيّ عربي، بطرح وجهة نظر مغايرة!. ذلك أن هذا الهيلمان، ومعمعان المديح والتهافت العربي على تركيا، قد أحكمَ شدَّ العُصاباتِ على العقول قبل الافئدة. وربما جزء من هذه “الممانعة” لتقبّل خلاف ما يُظنُّ ويُعتقد حول تركيا عربيّاً، إنْ جاز الوصف، ربما منشأه، الخوف من أن يكتشف العربيّ، بأن كان مخدوعاً بأنقرة. لذا، نراه يستميت في الهرب من الخديعة، بخداع الذات، ويستميت في إقناع نفسه؛ أنه يعيش “الحقائق” - الأوهام!. يعني، وسط ضوضاء وضجيج الاحتفاء العربي بتركيا وأردوغانها، طبيعي أن يضيع الصوت المختلف، وترجح كفّة الزوابع، التي بالمحصّلة، “ليست اكثر غبار”، بتعبير حازم صاغيّة.

لا يختلف اثنان على أن الحركات الإسلاميّة الراديكاليّة، خرجت من المطبخ الاميركي في افغانستان، في سياق الحرب الباردة على القطب الشيوعي السوفياتي وحلفائه. ثمّ انفلت الحركات من العقال الأمريكي، وانقلب السحر على الساحر!. ولا يختلف اثنان على أن الإسلام السياسي المعتدل، خرج من المطبخ الأميركي في تركيا. حصراً، بعد احداث 11 أيلول. وهل يمكن تصديق أن يكتسح حزب سياسي إسلامي تركي ناشئ الانتخابات البرلمانيّة سنة 2002، دون أن يكون هنالك مظلّة أميركيّة _ اسرائيليّة تغطّيه وتغذّيه؟. كيف لحزب سياسي، لم يمضِ على تأسيسه سنة، أن يفعل ما فعله “العدالة والتنمية” بتركيا، دون روافع خفيّة، أمريكيّة واسرائيليّة، إذما استوعبنا الدور اليهودي التاريخي في تركيا، منذ عهد السلطنة ومروراً بجمعيّة الاتحاد والترقّي، وصولاً لتأسيس تركيا الحديثّة على يد مصطفى كمال أتاتورك، الذي هو من يهود الدونما؟!. لماذا لا تتم مناقشة فرضيّة؛ أن “العدالة والتنمية”، وعلى “إسلاميّته واعتداله” هو منتوج أميركي، وأنه من غزاس الحقبة البوشيّة، حتّى تقطف الأوباميّة ثمارها؟.

وتقاطعاً مع هذه الفكرة، ما أتى عليه الزميل حسين جمو في مقاله “تركيا نسخة جديدة من نموذج عربي فاشل؟” (“النهار” 14/6/2010)، إذ قال: “بدأ الفصل السياسي للشرق الأوسط الجديد رسمياً بعد قرب الانتهاء من الفصل العسكري بالانسحاب الأميركي من العراق”. وربما تكون هذه الفكرة، هي نقطة الأولى التي يمكن وضعها في أعلى الصفحة، لبدء النقاش، حول خفايا الدور التركي والأوهام العربيّة حياله. وإذا خصلنا لنتيجة تناقض هذه الأوهام، أيضاً من الأهميّة طرح التسؤال التالي: أثناء طهي أو تغذية واشنطن للحركات الإسلاميّة المتطرّفة في أفغاسنتان، لم يكن هنالك ضمانات تحول دون انفلات هذه الحركات من العقال الامريكي - الإسرائيلي، وحدث ما حدث، فهل ثمّة ضمانات ألاّ ينفلت الإسلام السياسي، “المعتدل”، متمثّلاً بأردوغان وفريقه السياسي، من العقال الأمريكي - الإسرائيلي؟.

قيل الكثير من القدح والذم في الحقبة البوشيّة. وقيل الكثير من المدح والإطناب والإعجاب، بشكل مباشر أو بغيره، في مطالع التجربة الأوباميّة. ولا أحد يلمّح إلى أن البوشيّة والأوباميّة هما وجهان لعملة واحدة. وأن الإدارات الأميركيّة تختلف فقط، في حساب كلفة الخسائر والأكلاف الواجب دفعها تعزيزاً وتعديماً للمصالح الامريكيّة والحضور الامبراطوري لأمريكا في العالم. وبالتالي، الإدارات الأمريكيَّة، هي أدوات مختلفة، لتحقيق وتثبيت وترسيخ استراتيجيّة واحدة. وبالتالي، مشروع الشرق الأوسط الكبير، هو تفصيل هام، على هامش الاستراتيجيّة الأمريكيّة حيال ترتيب أوضاع العالم، بما ينسجم والمصالح والنفوذ الاميركي، بخاصّة في المناطق الجيواستراتيجيّة كالشرق الاوسط. وعليه، الشرق الاوسط الكبير، كمشروع، لم يفقد صلاحيّته، بانتهاء الحقبة البوشيّة. وإذا كانت الأخيرة، هي الطور العنفي، لتحقيق هذا المشروع، عبر الهدّ والهدم والعنف، فأنّ الطور الأوبامي، سيكون قوامه الاحتواء وإعادة الهضم والانتاج والترتيب، بشكل ناعم وهادئ وخفي، حتّى يتستيقظ الشرق الأوسط فجأةً، ليجد نفسه، وقد وصل الحال به الى مرحلة اللاعودة في الأمركة، المتمثّلة بالشرق الأوسط الجديد. حينئذ، تكون واشنطن وتل أبيب، قد أنجزت مشاريع جديدة للعالم والمنطقة، بينما شعوب وانظمة ونخب الشرق الأوسط، تسعى لفهم ما جرى، واستيعاب الغيبوبة التي كانت تعيشها هذه الشعوب بمعيّة نخبها، وتخلص إلى تفسيرات منصفة وعقلانيّة، متأخّرة، للظاهرة الأردوغانيّة، باعتبارها منتوج أو منجز أمريكي - اسرائيلي، غزى السوق السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة وحتّى النفسيّة، العربيّة، بشراهة وضراوة!. وأن الإعلام العربي، لم يكن إلا شركات، تقدّم مجّاناً، الدعاية والإعلان لهذا الغزو. لتصل إلى حقيقة دامغة مفادها: إذا كانت الدماء السياسيّة والاقتصاديّة والإعلاميّة تجري في في الجسد العربي ملوّثة بالفيروس الاردوغاني، هذا يعني أن واشنطن وتل أبيب، باتت مطمئنّة تماماً تماماً، لسلامة مصالحها وسلطتها وسلطانها ونفوذها في العالمين العربي والاسلامي.

ولئن العرب، وبقيّة شعوب الشرق الأوسط، عاطفيّة، وتستهوي الخطب والشعارات الطنّانة، كان من الطبيعي أن تدفع واشنطن وتل أبيب بالظاهرة الاردوغانيّة نحو السوق التركيّة والعربيّة والإسلاميّة، هذه المرّة، عبر شتم وانتقاد امريكا واسرائيل، وإثارت الزوابع والعنتريات الكلاميّة حيالها. ولعلّ الإجابة الهادئة على تساؤلات: لماذا تمّ اختيار تركيا، كمنصّة لإطلاق الإسلام السياسي المعتدل نحو العالم العربي؟ ولماذا يتم ذلك على حساب مصر والسعوديّة؟، وتراجع دورها في العالم العربي والإسلامي؟... وأسئلة أخرى، خارج ركام وصخب المديح والاطناب والاعجاب والمجاملات والتسويقات، وبل التسويفات، ربما أمكن الإمساك ببعض رؤوس الخيوط التي تقود الى فهم ناضج ومنصف لما يجري من حولنا، دون الانزلاق نحو الضديّة الفجّة، والغبيّة، أو التهافت الفجّ والسطحي، والغبيّ، حيال التعاطي مع الدور التركي، وأوهامه وحقائقه. وصولاً لفهم ورؤية صورة بعيدة من الشواش لأردوغان، بمنأى عن التأثير النفسي لخدعه السينمائيّة، وحركاته المسرحيّة وقنابله الصوتيّة!.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2165295

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

27 من الزوار الآن

2165295 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 27


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010