قبل سنة راق للتونسيين إنهاء العام 2012 بتنظيم مزاد علني لمقتنيات الرئيس السابق زين العابدين بن علي . ظن البعض في ذلك الوقت، وبخاصة في تونس، أن كل ما يربط بن علي بالبلاد هو بعض المقتنيات الشخصية، وبمجرد بيعها ينتهي عهد النظام ويصبح بائداً . وها هي سنة ثالثة مرت على انتفاضة أبناء الشعب التونسي، ولم يتحقق، بعد، شيء مما انتفضوا لأجله، بل إن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والأمنية أسوأ من الفترة التي سبقت الانتفاضة .
الآن تعيش تونس مخاضاً حقيقياً، حتى إن بعض النشطاء هناك يقولون إن ثورة تبدأ الآن، حيث يدور جدل يرقى إلى مستوى الصراع على تحديد هوية تونس وشكل نظامها السياسي، وخطها العام وموقفها من الأوضاع الداخلية والإقليمية والدولية، وعلاقتها ببعدها العربي والإسلامي .
بعد فرار بن علي، وهي النتيجة الأوضح للحراك، لم يكن هناك أحزاب حقيقية في تونس، حيث قتل النظام السابق الحياة السياسية واحتكرها وحوّل نفسه إلى محور تدور البلاد والعباد حوله، وصورهم كمن يشكر رئيسه على قبول الترشّح في كل مرة لولاية جديدة . وكانت “مصائب قوم عند قوم فوائد”، إذ استغلت قيادة حركة النهضة باعتبارها الفرع الإخواني القائم والعائدة قياداته من خارج البلاد ببركة الحراك الشعبي، ولا شك في أن كونها عانت من حقبة بن علي وعائدة من المنفى، إضافة لما تتمتع به القوى التي لم يجرّبها الشعب في السلطة، كل هذا ساهم في منحها الرصيد الكافي الذي يجعلها تستعجل إعادة تشكيل الحياة السياسية على مقاسها، وبخاصة سرعة إجراء الانتخابات للمجلس التأسيسي، كبرلمان يفترض أنه مؤقت .
يوم بعد يوم يتفاقم الجدل حول النظام السياسي، وتصاعد هذا الجدل بعد سقوط حكم الإخوان، الحركة الأم، في مصر، حيث شعرت حركة “النهضة” بالخناق يلتف حول عنقها، فلم تمانع في الدخول في حوار مع القوى السياسية، لكنّها في الوقت ذاته أخضعت الحوار لمعاييرها، وحاولت ليّ مساره في الاتجاه الذي يحفظ مكتسباتها الناتجة عن عملية سلق النظام السياسي المؤقّت لمصلحتها .
التقارير تؤكد أن الوضع الاقتصادي في تونس هو الأسوأ منذ الخمسينات، والأنكى أنه يواصل التدهور في غياب المؤشّرات على إمكان تعافيه في الأفق المنظور، سيما وأن الجدل السياسي يتمحور حول السلطة، ويأخذ شكل الصراع على حساب الطبقات الشعبية التي لم تنزل إلى الشارع وتنتفض من أجل دستور جديد، أو من أجل شكل جديد للحكومة، إنما احتجاجاً على الأوضاع المعيشية البائسة التي كانت تعيشها، بما فيها انعدام الديمقراطية والحريات، وحتى هذه لم تتحقّق .
لكن كما يقول المثل “من يرى مصيبة غيره، تهون عليه مصيبته”، فالحال في تونس أقل وطأة من شقيقاتها ليبيا والعراق وسوريا والسودان، وبقدر أقل مصر، حيث تشهد هذه الدول وضعاً داخلياً يتسم بالخطورة الشديدة، وتسيل في شوارعها الدماء . صحيح أن الوضع الأمني في تونس ليس مريحاً بسبب الجماعات التكفيرية، إلا أن المعيار الذي فرضته حقبة “الربيع” يجعل من كمية الدم المسال معياراً للحالة العامة . كل ما في الأمر أن تبدي، القوى السياسية، وبخاصة النهضة، موقفاً يأخذ في الاعتبار مصالح الوطن، وعندها ستنطلق مسيرة بناء تونس في الاتجاه الصحيح .
الأربعاء 8 كانون الثاني (يناير) 2014
مخاض يتجدد
الأربعاء 8 كانون الثاني (يناير) 2014
par
أمجد عرار
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
11 /
2178696
ar أقسام الأرشيف أرشيف المقالات ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
12 من الزوار الآن
2178696 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 8