الاثنين 6 كانون الثاني (يناير) 2014

اليمن: مخاض سياسي عسير

الاثنين 6 كانون الثاني (يناير) 2014 par محمود الريماوي

ماذا لو انفصل جنوب اليمن، واستعيدت دولة اليمن الجنوبي كما ينادي متشددون في الحراك الجنوبي؟
ستنشأ على التو صراعات مع القاعدة ومع القبائل في حضرموت خصوصاً، وسترتفع دعوات للعزل السياسي تطال مَن عملوا مع دولة الوحدة، وستتقدم دول عدة لتقديم دعم للجمهورية المستعادة بخزينتها شبه الخاوية، الجمهورية التي ستصبح جزءاً من تجاذبات إقليمية حادة وستعود العلاقات إلى توترها التاريخي مع الشمال، وسترتفع أصوات تطالب باستعادة الوحدة ضمن صيغة جديدة مع الشمال، ويتم إسكات أصحاب هذه الأصوات .
مقابل ذلك ماذا لو استمر وضع جنوب اليمن على حاله؟ .
سوف تستمر مناوشات مسلحة يقودها الحراك ومسلحو القبائل تستهدف مرافق الدولة خصوصاً مراكزها الأمنية، وتتواصل احتجات صاخبة ترفع علم دولة اليمن الجنوبي، وتطالب بإقليم يتمتع بحكم ذاتي كامل يمهد لاستفتاء عام حول الانفصال أو البقاء في دولة الوحدة، وسيرفض الحراك خططاً تنموية تطرحها الدولة ويعدها رشوة .
مشكلة الجنوب في اليمن سوف تتواصل بالتوازي مع مشكلة الحوثيين والقاعدة، وفي أذهان كثير من الجنوبيين ان الوحدة وإن بدأت طوعياً بين شطري البلاد إلا أنها تعمدت بالدم والقسر، وتسريح نحو 100 الف موظف مدني وعسكري من الخدمة بإحالتهم إلى التقاعد، وكانت تلك هي أولى ثمار الوحدة . فيما تساور قادة في الحزب الاشتراكي الآمال بعودة دولتهم كي تملأ “فراغاً” تركته في الساحة العربية .
ومن المفارقات أن الحراك الجنوبي الذي يتصدره الحزب الاشتراكي يضع رِجلاً في الحوار الوطني الدائر منذ مارس/آذار الماضي ورِجلاً خارجه . يقف مع التحركات السلمية ومع التلويح باستخدام السلاح . يضع الانفصال هدفاً استراتيجياً له لكنه يوافق على دولة اتحادية بإقليمين، يستبطن النطق باسم جميع الجنوبيين فيما تنازعه قوى عدة هذا التمثيل المفترض، وعلى الأخص القوى التقليدية من سلفيين وقبائل لا يمحضون النموذج الاشتراكي أي قبول .
وبينما انتهى الحكم الذي كان مقروناً بالمظالم، وصعد إلى الرئاسة في صنعاء رئيس جنوبي بمستشار رئاسة جنوبي (ياسين نعمان الاشتراكي)، فإن الحراك الجنوبي يتصرف كأن لا شيء كبيراً قد وقع في اليمن خلال الأعوام الثلاثة الماضية . واقع الأمر أن اليمن يشهد مخاضاً من دون أن تتوقف عجلة الحياة فيه . وجلسات الحوار الوطني التي امتدت على فترات أولت الجنوب اهتماماً خاصاً، وكان نصف أعضاء مؤتمر الحوار من الجنوب، وهؤلاء شكلوا لجنة كي تضع تصوراً عن الأقاليم فإما أن تكون أربعة شمالية وإقليمان جنوبيان، أو إقليم في الشمال وآخر في الجنوب ضمن دولة اتحادية فيدرالية، إلى جانب العمل على صياغة الدستور وطرحه على استفتاء عام، والانتقال إلى وضع قانون للانتخابات في البرلمان .
وفي حين يستمر الصخب في الجنوب، فإن البلد ضمن المخاض المشار إليه يتهيأ لأن يكون العام الجاري عام الانتهاء من المرحلة الانتقالية التي صاغتها المبادرة الخليجية، والتي يفترض أن تنتهي في فبراير/شباط المقبل، لكن الظروف لا تسمح الالتزام بهذا الموعد، وهو أمر أشار إليه مبعوث الأمم المتحدة جمال بن عمر، الذي اعتبر أن إنجاز المرحلة الانتقالية بدستور جديد مُستفتى عليه وقانون الانتخاب ثم انتخابات برلمانية ورئاسية هو مضمون المرحلة الانتقالية، الذي يتقدم في الأهمية على الجدول الزمني . . ومن الملاحظ أن الطرف الوحيد الذي يُصرّ على الجدول الزمني هو حزب المؤتمر الشعبي الذي ما زال يقوده الرئيس السابق علي عبدالله صالح . ويتردد في الأوساط اليمنية إن الإصرار على هذه المسألة يعود إلى الرغبة في المساومة على بنود مرتقبة في الدستور قد تتعلق بالعزل السياسي .
في نهاية الأمر فإنه لا مناص من إشباع تطلعات الجنوبيين لأن يحكموا أنفسهم بأنفسهم، ضمن إقليم ذاتي الحكم، وفي إطار فيدرالي يسمح لهم أن يكونوا أيضاً شركاء في مراكز عليا للدولة الاتحادية .
نموذج دولة حنوب السودان يستحق أن يشكل معياراً تقاس به أمور المستقبل بالنسبة للجنوبيين، رغم أن الجنوب السوداني يتمتع على المستوى العرقي واللغوي والديني بخصائص تميزه بالفعل عن الشمال، وشيء من هذا لا وجود له في جنوب اليمن . ومع الأخذ في الاعتبار أيضاً أن نشأة ومسار الانفصال الجنوبي السوداني، ذات شبه بمسيرة جنوب اليمن من حيث الاحتكام إلى العنف واستخدام السلاح بين الفصائل، فلننظر إلى ما آل إليه وضع دولة جنوب السودان .
اليمن متحداً يعاني مشكلات جمة اقتصادية واجتماعية (القات، انتشار السلاح، الاستقطابات القبلية والمناطقية) وهيكلية على مستوى الإدارة الحكومية، وأي كيان جديد في الجنوب سوف يختزن هذه المشكلات بصورة مضاعفة، ولن يعود الوضع إلى ما كان عليه قبل نحو عقدين، فقد نشأت قوى جديدة في خضم التغيير الذي أدرك البلاد، وتسللت القاعدة إلى الصفوف، وحتى الحزب الاشتراكي بات أقرب إلى أحزاب تتنازع اختطاف راية الحزب، الذي دأب على الحكم منفرداً طوال أكثر من عقدين (السبعينات والثمانينات)، ويفتقد إلى رؤية عصرية وإرادة سياسية لقبول التعددية، ولن يجد “معسكراً اشتراكياً” يدعمه كما كانت الحال في الماضي “الذهبي” .
لا يشكل هذا الحزب وحده عقبة في الطريق، بل إن عناصر وازنة معتدلة فيه شاركت في الحوار الوطني، وتمثل ضمانة لانتشال البلاد من أزماتها الخانقة، فهناك سلفيون وحوثيون وتنظيم القاعدة وفريق الرئيس السابق ممن تراودهم الآمال بعودة عقارب الساعة إلى الوراء بطريقة أو بأخرى، غير أن النسبة الأكبر من القوى السياسية والاجتماعية تؤمن بالوفاق الوطني وتسعى حثيثاً إليه، وتحتكم إلى المبادرة الخليجية التي سبق أن ارتضاها الجميع .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2181821

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

2181821 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40