السبت 4 كانون الثاني (يناير) 2014

قرار ضم الأغوار

السبت 4 كانون الثاني (يناير) 2014 par عوني صادق

القرار الخاص بضم الأغوار الفلسطينية إلى “إسرائيل” وتطبيق القانون “الإسرائيلي” عليه، الذي أقرته وصادقت عليه اللجنة الوزارية المكلفة بسن القوانين في حكومة بنيامين نتنياهو، والذي سيقدم للكنيست للتصويت والمصادقة عليه، يحمل معنى يتجاوز الأكاذيب اليومية التي يلوكها القادة “الإسرائيليون” ليصل إلى عمق النوايا والأطماع الماثلة منذ عقود . وهو بهذا المعنى مختلف عن كل الإجراءات “الإسرائيلية” التي أقدمت عليها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ حرب يونيو/حزيران 1967 .
عندما عرض وزير الخارجية الأميركي جون كيري، في إحدى جولاته المكوكية إلى فلسطين المحتلة، ما سماها “الخطة الأمنية” أثناء بحث قضية “الأمن والحدود”، التي تحولت بناء على الطلب “الإسرائيلي” إلى بحث لموضوع “الأمن الإسرائيلي”، دافع الوفد “الإسرائيلي” عن ضرورة بقاء الجيش “الإسرائيلي” في الأغوار لمقتضيات أمنية، ورفض وجود قوات دولية فيه، واقترح أن تستأجر “إسرائيل” الأغوار لمدة أربعين سنة تبقى فيها السيطرة فيه للجيش الإسرائيلي، كضمانة وحيدة مقبولة لدى الحكومة “الإسرائيلية”!
ومن لم يفقد ذاكرته يعرف أنه مضى على وجود الجيش “الإسرائيلي” في الأغوار أكثر من (46) سنة، ولم يتحقق “أمن إسرائيل” بوجوده . لكن الأهم من ذلك، هو ما فعله وجود هذا الجيش على غير صعيد الأمن في هذه الفترة . وفي جولة له مع السلك الدبلوماسي الأجنبي في منطقة الأغوار في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، في إثر هدم قرية مكحول البدوية الفلسطينية وتهجير أهلها، قال صائب عريقات: “نتنياهو قال إنه يريد أن يبقى في الغور (40) عاماً، وأنا أقول إن الأرباح التي تجنيها”إسرائيل“من الاستيلاء على الأرض والمياه في الغور تجعل”إسرائيل“ترغب في البقاء”400 عام“! وذكر عريقات أن أرباح مجلس المستوطنات في العام 2012 فقط بلغت (612) مليون دولار، وأضاف:”انظروا إلى المستوطنات في الغور، إنها لا تشبه المستوطنات في الضفة الغربية، إنها مشاريع استثمارية بحتة" .
وبالرغم من أن أكثر من قائد أمني “إسرائيلي” صرح بأن الغور لم تعد له أهمية أمنية، في ظل تطور التكنولوجيا العسكرية والمتغيرات الدولية والإقليمية، إلا أن للغور أبعاداً استراتيجية لا يمكن تجاهلها . وإذا كان القيادي الصهيوني يغئال آلون هو واضع “النظرية الأمنية” للغور، عندما كان نائبا لرئيس الوزراء في أغسطس/آب ،1967 إلا أن كل مَن آلت إليهم السلطة في “إسرائيل” تبنوا نظريته بصرف النظر عن انتماءاتهم الحزبية والسياسية، وذلك لأنهم كلهم يشتركون في أحلامهم التوراتية وأطماعهم التوسعية .
إن التوقيت الذي عرض فيه هذا القرار، وما كشف عنه من نوايا، كانت دائماً معروفة ولكن يتم التضليل حولها والتحايل عليها، ثم المعنى الاستراتيجي المترتب عليه، يعطيه أهمية خاصة ومعنى مختلفاً . فمن جهة، يأتي القرار وسط مفاوضات قيل إنها تستهدف حل “قضايا الوضع النهائي” للصراع في إطار “عملية سلام” ترعاها وتقودها الولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجي والضامن الأول لوجود “إسرائيل” وأمنها . ومن جهة ثانية، يتعلق القرار بجزء من الأرض الفلسطينية المحتلة عام ،1967 وجزء من الأرض التي تعود للدولة الفلسطينية التي اعترف بها العالم ومنحها صفة “دولة مراقب” في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بما يعنيه ذلك استهانة بالقانون الدولي و“المجتمع الدولي”، والأهم، أن حكومة نتنياهو لا تريد ولا تسعى إلى السلام، بل تسعى إلى تحقيق ما يتفق مع أطماعها وأحلامها التوراتية التوسعية . وفي الوقت الذي يكذب نتنياهو ويعلن أنه يوافق على حل “دولتين لشعبين”، إلا أنه في الحقيقة هو كأسلافه ضد قيام دولة فلسطينية، ويعمل لمنع توفر شروط قيامها ومن ذلك مضمون هذا القرار الذي يحرم “الدولة الفلسطينية” الموعودة من أراضي الغور التي تبلغ أكثر من مليون دونم، ومن كل ثرواته، فضلاً أن حرمانها منه يمنع عنها الاتصال بالعالم الخارجي، ويبقيها كانتونات مقطعة الأوصال! ولم تكن زلة لسان ممن صاغوا القرار أن جاء في حيثياته أنه “يشكل خطوة استباقية لاحتمال أن تعلن السلطة الفلسطينية، في المستقبل، بصورة أحادية الجانب عن قيام دولة فلسطينية”!
ويبقى السؤال: ماذا بعد؟ كيف سترد السلطة الفلسطينية، المتورطة في مسلسل المفاوضات العبثية على هذا العدوان الاستراتيجي السافر؟ وماذا ستفعل الفصائل الفلسطينية المتناحرة الداعية إلى إنهاء الاحتلال والتحرير؟!
في تعليقه على القرار، ولدى استقباله الدفعة الثالثة من الأسرى القدامى في مبنى المقاطعة، قال الرئيس محمود عباس: “إن منطقة الأغوار خط أحمر، وإذا ما قام”الإسرائيليون“بضمها فلن نسمح لها بذلك” ! وأضاف: “ولكل حادث حديث”! نعرف أنه لن تكون الأغوار أول خط أحمر، فما أكثر الخطوط الحمر التي اخضرت! وماذا يعني “لكل حادث حديث”؟ هل ننتظر ليوافق الكنيست على القرار، وماذا ساعتئذ سيحدث؟
أما صائب عريقات، فاعتبر القرار تدميراً “لجهود السلام”، وقال: “إن مجرد ضم الأغوار بهذه الطريقة، هو دليل على أن حكومة نتنياهو تضرب القانون الدولي بعرض الحائط”! هل كان يريد “طريقة” أفضل؟ ومتى احترمت الحكومات الإسرائيلية القانون الدولي، أو سعت إلى السلام؟! ودعا الى اللجوء إلى المؤسسات الدولية لأن ذلك هو “السبيل الوحيد”!
إن الرد المطلوب في حده الأدنى، وفوراً، هو إنهاء المفاوضات الجارية، وإنهاء اتفاق أوسلو، وإنهاء التنسيق الأمني، وإطلاق يد الجماهير الفلسطينية لتمارس كل أشكال المقاومة لإنهاء الاحتلال . أما آخر ما يحتاجه الموقف، فهو بيانات الإدانة والاستنكار، والاستنجاد بالمؤسسات الدولية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 28 / 2165779

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165779 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010