الجمعة 3 كانون الثاني (يناير) 2014

أردوغان والمهمة الصعبة

الجمعة 3 كانون الثاني (يناير) 2014 par د. محمد نور الدين

دخل الصراع على السلطة في تركيا مرحلة جديدة وأكثر تعقيداً . فقد شكلت فضيحة الفساد والرشوة مفترق طرق في خريطة ما ستكون عليه تركيا في المستقبل .
من الواضح أن تركيا ودّعت سنوات الصعود الصاروخي في الداخل والخارج . والبلد الذي حقق إنجازات غير مسبوقة في التنمية الاقتصادية تحديداً وفي التفاعل والتكامل مع محيطه الخارجي يجد نفسه الآن أمام ظروف ومعطيات مختلفة تفتح على احتمالات متعددة جميعها مغاير لما كانت عليه .
ولا شك أن فضيحة الفساد قد شكلت مقتلاً لصورة رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان ولحزب العدالة والتنمية بعد عشر سنوات من الوصول إلى السلطة . فنظافة الكفء كانت الصفة الأكثر افتخاراً من قبل أردوغان لكن تورط وزراء مقربين في فضائح فساد قد تصل إلى مئة مليار يورو ليس بالأمر الذي يمكن تجاوزه بسهولة ومن دون تداعيات سلبية . ذلك أنها المرة الأولى التي تنفجر فيها مثل هذه الفضيحة . من هنا كانت المفاجأة التي ارتبك أردوغان وحزبه في طريقة التعامل معها . وقد أخطأوا عندما أعطوا انطباعاً أنهم يغطون عملية الفساد من خلال القاء التهم مباشرة على “المؤامرة الخارجية” بدلاً من التصدي للمتورطين وتنظيف صفوف حزب العدالة والتنمية منهم تأكيداً على مبدأ الشفافية وخدمة الناس .
استقالة الوزراء المتورطين وإقالة سبعة وزراء آخرين وتعيين عشرة وزراء بدلاً منهم خطوة جاءت متأخرة أسبوعاً بالكامل ولم تحدث التأثير الذي يأمل منه أردوغان .
كيفما تطورت الأمور، فإن سلطة حزب العدالة والتنمية ناءت تحت حمل عشر سنوات من السلطة حتى لو لم تحدث فضيحة فساد فكيف هو الأمر في ظل حدوثها؟
يسابق أردوغان الوقت من أجل تدارك الانعكاسات السلبية للفضيحة على حزبه وشعبيته هو . فبعد ثلاثة أشهر فقط ستجري الانتخابات البلدية وستكون اختباراً مهماً لهذه الشعبية . وفي الصيف المقبل الانتخابات الرئاسية وأردوغان مرشح قوي محتمل لها . وحتى لو ربح حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية فإن اي تراجع في النسبة ستعتبر نكسة لأردوغان لأنه تعوّد منذ العام 2002 وفي كل الانتخابات على أن يحرز تقدماً في نسبة الأصوات عن الانتخابات التي كانت تسبقها .
حزب العدالة والتنمية ليس حزباً متماسكاً أيديولوجياً . هو أقرب إلى تجمع قوى جمعها العداء للعلمانية وحكم العسكر . لذا وجدت القوى الليبرالية والطرق الدينية والفئات الاقتصادية المهمشة فرصتها عندما ساهمت في إيصال حزب العدالة والتنمية إلى السلطة وتعزيزها مع السنوات . لكن النهج الآحادي من جانب والمتشدد دينياً من جانب آخر، الذي اتبعه أردوغان لاحقاً ولا سيما بعد انتخابات 2011 جعلت غالبية هذه القوى تنفضّ من حوله وآخرها الصدام مع جماعة فتح الله غولين القوية والتي يقيم زعيمها الديني في الولايات المتحدة . ثم إن بقاء الحزب في السلطة مدة طويلة خلق تلقائياً اهتزازات وصراعات داخلية ليس أقلها بين أردوغان من جهة وكل من الرئيس عبدالله غول ونائب رئيس الحكومة بولنت ارينتش من جهة أخرى . واذا لم تتم اعادة هيكلة الحزب جذرياً، وهذا منطقياً غير ممكن بالنسبة لبناء متصدع، فإن مصير العدالة والتنمية لن يكون أفضل من “حزب الوطن الأم” بزعامة طورغوت أوزال الذي حكم وبأكثرية ساحقة تركيا من العام 1983 إلى ،1991 لكنه انتهى إلى التفكك والتلاشي نهائياً من الحياة السياسية .
غير أن البعد الخارجي من التطورات التي تجري في تركيا ستشكل مقتلاً أكبر لحزب العدالة والتنمية ورجب طيب أردوغان في ظل اتهامه علناً ومباشرة لحليفته الأساسية، الولايات المتحدة بأنها تقف مع اللوبي اليهودي وراء فضيحة الفساد من أجل الانتقام منه بعد حادثة “سفينة مرمرة” مع “إسرائيل” ومحاولته ايجاد حل للمسألة الكردية . ولعل اعتبار أردوغان أن المستهدف هو دور تركيا وموقعها في خريطة المنطقة المقبلة سوف يدخله في مواجهة شرسة مع واشنطن التي أبدت انزعاجاً كبيراً من الاتهامات، ومن محاولات تركيا عرقلة الخطط الأمريكية لتسوية العديد من الملفات الإقليمية . وبين ترهل حزب العدالة والتنمية وتعبه في الداخل وبين عدم القدرة على الانسجام مع اتجاهات الرياح الجديدة في المنطقة تبدو مهمة أردوغان صعبة ومفتوحة على كل الاحتمالات .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2177866

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2177866 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40