الخميس 2 كانون الثاني (يناير) 2014

وحدتنا ونهضتنا وفلسطيننا... أو الذل

الخميس 2 كانون الثاني (يناير) 2014 par صالح عوض

لقد تحرك المستعمر الغربي منذ مطلع تاريخنا الحديث نحو إسقاط معاقل حضارتنا ونهضتنا ودفع بجيوشه لتأمين إخضاعنا لسياساته ليتحقق له ما يريد من نهب ثرواتنا وإدماجنا في سوقه الرأسمالي وتحويلنا الى أدوات في مشروعه الإستكباري.. وكان لابد له من تحقيق جملة أهداف إستراتيجية لكي يتم له ما يريد من غايات.. وهنا كان على صناع الرأي والفكر والإستراتيجيا في الغرب إن ينجزوا أفكارا أساسية صارمة يتم العمل على جعلها واقعا وأن ينتخبوا من الأدوات والوسائل والأساليب ما يكفي لهذه المهمة.. ومثل الإعلام والمثقفون عموما أهم أدوات المشروع الاستعماري.
تحرك الغربيون على الأرض لإنجاز أهدافهم الحقيقية في بلداننا المتمثلة بالتجزئة والتغريب وذلك ليتسنى لهم النهب السهل لثروات الأمة فيما دفع بالإعلاميين وأصحاب الفكر الغربيين للعمل على إيجاد خطاب مخصص لأهل البلاد المنكوبة منطلقا من مهمة إستشراقية على محورين، الأول إقناع العرب والمسلمين بنمطية معينة حول تاريخهم وحضارتهم تفقدهم الإحساس بروحها وقوتها ومعالمها الإنسانية، وكأنها كلها تدور حول الخمر والإماء والقصور أو القتال والعنف، والمحور الثاني إقناع النخب في البلاد العربية والإسلامية بمركزية الحضارة الغربية وثقافتها وشعاراتها من الديمقراطية إلى حقوق الإنسان.
واستطاعت الإدارات الغربية ان تحقق اختراقا خطيرا في أكثر من مجال لاسيما في ثقافتنا ومفاهيمنا.. ونظرتنا نحو الغرب.. وصار كثير من أبنائنا ينظرون إلى تاريخنا حسب الرواية الغربية، بل وصار كثير من أبناء النخبة السياسية والثقافية ينظر للعلاقات البينية العربية والإسلامية حسب المفاهيم والأطر الثقافية الغربية، الأمر الذي كرس التجزئة وأصبح كل من يحاول كسر المنظومة المفروضة يتهم بالتطرف والتخلف والرجعية او على الأقل بالأحلام والأوهام.. ويصل الأمر أحيانا بأن يلقي دهاقنة الفكر والسياسة على كل من يحاول الإنعتاق من منظومة المفاهيم المفروضة صفة الإرهاب.
وبالمنهجية الغربية نفسها وانسجاما مع سياق الهجوم الغربي يتم التعامل مع الموضوع الفلسطيني.. فهنا كما في التجزئة التي رسم حدودها الاستعمار الحديث بين بلداننا العربية، وكما التبعية الاقتصادية والسياسية التي صنع ركائزها الاستعمار بموجات التغريب.. بهذه المنهجية وتساوقا معها تم التعامل مع الموضوع الفلسطيني.. حيث صارت كلمة اسرائيل مستساغة كدولة ولو على مضض لدى غالبية الساسة العرب، بل والمثقفين العرب ويتم الحديث بتكثيف عال على المستوى النظري حول ضرورة التسوية بين الفلسطينيين وإسرائيل، وصارت الدعوة إلى حل الدولتين، اي تنازل الفلسطينيين عن 80 بالمائة من ارض فلسطين تلقى الترحاب على اعتبار أنها تمنح الفلسطينيين “حقهم”.. ووصل الأمر إلى إن يتقدم حكام العرب بمبادرة سلام تقر ذلك علنا.
من يدعو للوحدة بين العرب الشعب الواحد يتم اتهامه بالخيال والأوهام ويشنع به بألفاظ وعبارات جاهزة وكأن التجزئة والتفرقة والتنافر هي البديل الأفضل.. ومن يدعو للنهضة والتقدم والتحرر من التبعية الاقتصادية والسياسية يتم اتهامه باللاعلمية واللامنطقية وانه يضرب في الوهم والمستحيل.. ومن يدعو للأصالة واستنهاض قيمنا الحضارية وإعادة الاعتبار لمفاهيمنا المتولدة من منظومة قيمنا فإنه سيلقى أشد الاتهامات قسوة فهو في عرف الإدارات الغربية وصنائعها متهور ومتطرف ورجعي وإرهابي.. وفي ملف فلسطين فلا يجوز حسب قواعد اللعبة السياسية في المنطقة والتي يشرف عليها الغربيون ان يتكلم أحد عن فلسطين الا بالتوصيف المعتمد حاليا لدى المؤسسات الاستعمارية.. وكل من يتصدى لهذه الجريمة المسلحة بالأكذوبة والبطش فسيكون من السهل تصنيفه متطرفا ومتعصبا وإرهابيا او على الأقل خياليا ومقيدا بالأحلام.
لمواجهة هذا الثلاثي الشيطاني ولإسقاط محاور الشر في المخطط الغربي لابد من اعتماد النضال على مستوى الأضلاع الثلاثة المتصلة ببعضها اتصالا وثيقا: الوحدة والنهضة وفلسطين.. كما هو واضح نحن نحتاج بداية إلى الاستعانة بمنظومة قيمنا ومنظومة مفاهيمنا لنكون “نحن” بدل ان نكون أدوات لآخرين.. فمثلث الوحدة والنهضة وفلسطين بدون الارتكاز إلى قيمنا ومفاهيمنا يكون مجوفا فارغا من اي قيمة او معنى ولن يستطيع الصمود أمام أي هجوم على اي ضلع منه..
ان دفاعنا على حدود أضلاع المثلث الوحدة النهضة فلسطين يتكشف بوضوح عندما ندرك انهم صنعوا لنا التجزئة ليحرمونا من النهضة وحرمونا من النهضة لكي تستمر اسرائيل.. ثم انهم زرعوا اسرائيل لتحبط مشاريعنا النهضوية وتخترق أمننا القومي وتثير الفتن في بلداننا وتحرس مصالحهم الإستراتيجية وتمنعنا من الوحدة.. وهم يعرفون ان لا نهضة بدون وحدة، وان لا قيمة للوحدة بدون نهضة، وان لا فلسطين بدون وحدة ونهضة.
إنني لا أظن أن هناك عاقلا من سياسيي العرب او مثقفيهم يعتقد بإمكانية نهضة اي إقليم عربي اقتصاديا وصناعيا دون تكامل مع بلدان عربية او على الأقل تعاونا إقليميا يصل إلى درجة التحالف والشراكة والتعاون.. كما أنني لا أظن ان هناك عاقلا من مثقفي العرب او سياسييهم يعتقد انه بالإمكان ان يكون لوحدة العرب قيمة إن لم تقم على أسس من العلم والتنمية والتطور والتصنيع.. كما أنني لا أظن ان أحدا من العرب يعتقد انه بالإمكان ان تحصل نهضة للعرب ووحدة فيما هم لا يقتربون من حل القضية الفلسطينية وتحجيم دور الكيان الصهيوني على طريق تفكيكه وإنهائه من المنطقة.
قد نختلف في تحديد الأولويات من حيث وضع الخطط العملية للإنجاز، لكننا بالتأكيد لا نختلف على تداخل عناصر قضيتنا المتمثلة بعزة الأمة وكرامتها والمرهونة بوحدتنا ونهضتنا وفلسطيننا.. ومن ناحية مهمة للغاية ومن حسن حظ الأمة، إننا نمتلك المحرك الروحي للعملية الحضارية الكبرى.
إنها فلسطين.. البعد الروحي المطلوب لكي نتحرك على كل المحاور، وهكذا تبرز جملة وعينا المتكاملة.. الأقصى والمقدسات ورمز كرامة الأمة وعزتها تدعونا للتحرك من اجل السيادة، وهذا بدوره يدعونا لجمع عناصر القوة في نهضة لا قيمة لها، ولن تكون دوما ولن تقوم وحدتنا ونهضتنا إن لم نحدد اين نحن موجودون في العالم ومن هو الصديق والعدو والحليف والخصم، وهذا لا يمكن أن يكون إلا بتمثل فلسطين..

أجل إنها القدس عنوان لكل مشروعنا الحضاري وعلى أضلاع مثلثه ينبغي النضال بعزم وإخلاص وجد.. والله يتولانا برحمته.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2178155

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2178155 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40