الخميس 2 كانون الثاني (يناير) 2014

“إسرائيل” ويهود العالم والتفكك الآتي

الخميس 2 كانون الثاني (يناير) 2014 par علي بدوان

ثمة مُشكلة كبرى خافتة منذ أمد طويل لكنها بدأت تطفو على السطح في “إسرائيل” منذ عدة سنوات وتتعلق بيهود الولايات المتحدة وتزايد التحول في صفوفهم بالنسبة للدولة العبرية الصهيونية. حيث يلحظ المُتَتَبِع لمسار العلاقة بين يهود العالم والدولة العبرية الصهيونية وجود مُنغصات وعلى رأسها توالد حالة العزوف المتزايدة من قبل عموم قطاعات اليهود في العالم وخاصة يهود دول الغرب الأوروبي عن حالة الاهتمام بأوضاع “إسرائيل” أو الانشداد لقضاياها كما كان الحال خلال العقود التي مضت وذلك بفعل عدة عوامل مباشرة وغير مباشرة.
وبالطبع فإن حالة العزوف لم تصل إلى حدود عالية، لكنها تُعبر عن موقف يتشكل ولو ببطء داخل أوساط اليهود في تلك البلدان في ظل الأوضاع الدولية التي تتغير بطبيعة الحال ومنها أوضاع المنطقة الشرق أوسطية. فهناك تحول يجري داخل الأوساط اليهودية في بلدانها الأصلية بدأ يحفر أخاديده على أرض الواقع من خلال ارتفاع نسبة التراجع المتواصل بالشعور باليهودية أولاً، وبالانتماء إلى “إسرائيل” ثانياً لدى الأجيال الناشئة يوماً بعد يوم وعام بعد آخر وهو ما يدفع بأعداد متزايدة من الشبان والشابات من أصحاب الديانة اليهودية للاتجاه نحو الزواج المختلط، بل إن بعضهم ذهب إلى أبعد من ذلك خصوصاً بالنسبة للمواطنين الأميركيين من أصحاب الديانة اليهودية. ففي الولايات المتحدة بقي عدد اليهود ثابتاً بشكل تقريبي، كذلك في دول أوروبا الغربية حيث يتواجد في المنطقتين ما يقارب (5.6) منهم نحو (490) ألفا في فرنسا، و(295) ألفا في بريطانيا ونحو (120) ألفا في ألمانيا. أما في استراليا ونيوزيلندا فقط طرأ ارتفاع في عدد اليهود حيث بلغ وفق إحصاءات الوكالة اليهودية المنشورة مؤخراً نحو (111) ألفا مقابل (70) ألفا في العام (1970).
أما بالنسبة لعدد اليهود في شمال أميركا وتحديداً في الولايات المتحدة والمكسيك وكندا فلم يتغير بعد بشكل كبير، لأسباب معلومة ومنطقية، رغم موجات الهجرة اليهودية الكبرى من شرقي أوروبا باتجاه القارة الأميركية، حيث تبلغ الآن أعداد المواطنين من اليهود في البلدان المذكورة (5.6) مليون مواطن يهودي. أما في أوروبا الغربية، فقد طرأ انخفاض بنحو (5%) في عدد اليهود. ومن المعلوم أن المؤشرات والمعطيات الرقمية الأخيرة قد أشارت إلى أن عدد يهود بريطانيا بلغ (300) ألف مواطن معظمهم يعيشون في مدينة لندن وضواحيها، حيث كان قد غادر “إسرائيل” بصفة مهاجرين إلى بريطانيا (30) ألفاً خلال العقدين الماضيين ضمن هجرة معاكسة أي ما نسبته (10%) من عدد يهود بريطانيا. أما في فرنسا فقد بلغ عدد اليهود (600) ألف وهي الدولة التي تضم أكبر عدد من اليهود في أوروبا، وتأتي في المرتبة الثانية بريطانيا وفي المرتبة الثالثة ألمانيا التي أصبحت تضم (200) ألف من اليهود الذين عادوا أو هاجروا إليها من يهود إسرائيل وروسيا ومن بعض دول أوروبا الشرقية.
ومقابل الانخفاض في عدد اليهود الذين يعيشون في العالم، تضاعف عدد السكان اليهود على أرض فلسطين التاريخية منذ العام 1970، التي باتت تضم نحو (40%) من إجمالي السكان اليهود في العالم. وبالطبع فإن أحد أسباب انخفاض عدد يهود في العالم يعود للهجرة التوسعية الاستيطانية إلى فلسطين المحتلة، ولكن هناك أسباباً قطعية جديدة بدأت تتحدد بالنسبة ليهود أوروبا والولايات المتحدة الذين لم يعودوا يرون بأن “إسرائيل” نقطة اجتذاب لهم، كذلك باقي يهود العالم، حيث برز على السطح وبقوة عامل (التمثل والإندماج)، فقد بلغ معدل التمثل في الولايات المتحدة نحو (50%)، وفي غربي أوروبا نحو (45%). حيث ازدياد ميل اليهود للاندماج في مجتمعاتهم الأصلية وفي المحيط الذي يعيشون فيه.
ومن هنا فإن (50%) من يهود الولايات المتحدة متزوجون زواجا مختلطاً، كما تشير المعطيات إلى أن (50%) من الشباب اليهودي في الولايات المتحدة لا يهمهم مصير “إسرائيل”، بينما نجد أن نسبة (20%) فقط من يهود دول الاتحاد السوفييتي السابق يحافظون على المضامين اليهودية، كما يتشير بعض الاستطلاعات أن نصف يهود الولايات المتحدة اندمجوا وباتوا يوجدون في مراحل متقدمة من الاندماج. ولا سيما في ضوء الميل الشديد للزواج المختلط وتراجع الشعور بالانتماء والأهمية بالنسبة لـ “إسرائيل” خصوصاً لدى الأجيال الشابة الأمر الذي اعتبره البعض مؤشراً على اضمحلال الجمهور اليهودي المؤيد والداعم لـ “إسرائيل” في الولايات المتحدة الأميركية، ومؤشراً على نجاح الاندماج والتماثل اليهودي في المجتمع الأميركي الذي زادت نسبة الزواج المختلط فيه بين اليهود والديانات الأخرى إلى أكثر من (50%) الأمر الذي يفسر تراجع مستوى الشعور بالانتماء، بما يعنيه من تراجع نسبة التأييد والدعم لدولة “إسرائيل” ورؤية أهمية وجودها وبقائها، فقد تبددت قوة جذب “إسرائيل” فمعظم الهجرات اليهودية تمت بفعل سيل الدعاوى الصهيونية وتجاوب معها قطاعات من يهود العالم بسبب تكرار الدوافع التي رفعتها الحركة الصهيونية (اضطهاد، مظاهر اللا سامية، الوضع الاقتصادي الصعب، قوة جذب اقتصادية إلى فلسطين ..إلخ).
ومن هنا، فقد تآكلت قوة الجذب أكثر فأكثر، فتراجعت الولايات المتحدة عن كونها خزاناً للطاقة الكامنة للهجرة اليهودية إلى فلسطين، كذلك بدأ المستودع الروسي بالنضوب، فيهود الاتحاد السوفييتي السابق، والذين اعتبروا كمصدر كامن كبير لتعزيز الانقلاب والتحول الديمغرافي على أرض فلسطين التاريخية، كفوا عن الهجرة، حيث يرى رئيس الوكالة اليهودية، زئيف بيلسكي، في الحياة المريحة التي يعيشها غالبية اليهود في الخارج دافعاً لهذه المواقف حيث إن (90%) من اليهود في العالم يعيشون في بلاد مستواهم المعيشي فيها أعلى من المستوى المعيشي في “إسرائيل” مثل الولايات المتحدة ومن ثم فرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية. بل وأضحت “إسرائيل” من وجهة نظر بعض القطاعات اليهودية الثرية في العالم، دولة من الخطر العيش فيها ووجودها موضع شك، بينما يعتبرها البعض الآخر من اليهود، بلاد لجوء لحين الضائقة، فزالت عند قطاعات من اليهود الصفة التي كانت ترى “إسرائيل” نفسها فيها، وتستند إليها في تحشيد اليهود وراءها كموطن السلامة اليهودية. وعلى هذا الأساس فإن مدير عام معهد ” تخطيط سياسة الشعب اليهودي” أفينوعام بار يوسيف يقترح حلاً لمشكلة الزواج المختلط بتشجيع الهجرة إلى “إسرائيل”، مع تخفيف حدة الشروط للتهود.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 49 / 2165953

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165953 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010