الأربعاء 1 كانون الثاني (يناير) 2014

اليمن: خطوة إلى الأمام وخطوتان إلى الوراء

الأربعاء 1 كانون الثاني (يناير) 2014 par فيصل جلول

شهد المسرح اليمني خلال الأسبوع الأخير من العام المنصرم تطورات جديدة حملت في طياتها إضافات سيئة ما كان اليمن بحاجة اليها . وأعني بذلك تمرد قبائل حضرموت التي هاجمت مواقع الجيش الرسمي وقطعت خط النفط الاساسي الذي ينقل البترول إلى الخارج، وذلك ثأراً لزعيمها الذي قتلته وحدة عسكرية حكومية . وفي أقصى الشمال تقدم الحوثيون في وادي أبوجبارة على خصومهم السلفيين . في هذا الوقت ارتكبت القوات الحكومية مجزرة عن طريق الخطأ في خيمة عزاء في محافظة الضالع الجنوبية .
تزامنت هذه التطورات الدرامية مع خروج “مؤتمر الحوار” بصيغة للحكم تعتمد الدولة الفدرالية الاتحادية من دون أن يعين أقاليمها . وترك لرئيس الجمهورية قرار تشكيل لجنة دستورية تعد اقتراحاً ملزماً بهذا الخصوص الأمر الذي تسبب بانقسامات حادة في كنف التيارات السياسية الأساسية في البلاد . فقد رفض الصيغة كل من حزب المؤتمر الشعبي العام وقبلها نائب رئيس الحزب ورئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي فضلاً عن الدكتور عبدالكريم الارياني ممثل الحزب في هيئة الحوار . وعارضها التيار الناصري، وقسم مهم من حزب الإصلاح بزعامة الشيخ الزنداني ورفضها الحزب الاشتراكي اليمني والحراك الجنوبي وعارضها جزئياً مجلس شباب الثورة .
يذكر أن مبعوث الأمم المتحدة جمال بن عمر وافق على هذه الصيغة معتبراً أنها تفتح الطريق أمام إصلاحات جديدة وتوزيعاً عادلاً للثروة ولا مركزية إدارية وتضع حداً لمأساة الجنوبيين الذين عانوا التمييز .
واللافت أن الوثيقة تعطيهم نصف المقاعد في مجلس النواب وتعطيهم الحق في نصف الوظائف بل ستكون لهم الأولوية في التعيينات وفي الجيش إلخ .
واللافت أيضاً أن الاعتراض على الوثيقة من معظم الأطراف الأساسية في لجنة الحوار لم يبق في حدود التصريحات الهادئة، فقد تلقى جمال بن عمر وهو مغربي الأصل تهديدات بالقتل طالت أيضاً السفارة المغربية . وذلك كله يضع مخرجات مؤتمر الحوار في مازق صعب فهي الوحيدة التي حظيت برضى المبعوث الدولي ورئيس الجمهورية، وربما رعاة الحوار الاجانب لكنها بالمقابل لا تحوز على اجماع يمني، فهل تتحول إلى عقبة جديدة وتضاف إلى التعقيدات اليمنية الاخرى ؟
ليس من السهل تقديم إجابة أو إجابات قاطعة عن السؤال، وإن كانت التقديرات الأولية تذهب في الاتجاهات التالية .
أولاً: لا يمكن الاطمئنان إلى صلاحية الصيغة الفدرالية في حكم اليمن فمن المعروف ان هذا النوع من الحلول تعتمده الدول القوية والثرية القادرة على رعاية تعايش سلمي بين اجزائها والدول التي تملك مؤسسات قوية وقادرة على لعب أدوار ناظمة للمتحدات الفدرالية الامر الذي لا ينطبق على واقع اليمن واليمنيين الذين يمكن لهذه الصيغة ان تباعد بينهم وان تكون سببا في تقاتلهم خصوصاً أن الجنوبي الذي يطمح إلى الانفصال سيعتبرها محطة على الطريق هذا ان قبل بها والاخرون سيعتبرونها شكلية وسيتعاطون معها على
هذا الأساس بانتظار ظروف أفضل لاستئناف الوحدة الاندماجية .
ثانياً: إن نظاماً سياسياً في أية دولة اتحادية يستدعي الارتكاز إلى محور قوي في الحكم والمجتمع فقد صمد النظام الفدرالي الأمريكي لأنه استند إلى انتصار الكتلة التاريخية الشمالية في الحرب الأهلية في القرن التاسع عشر، ولأن الولايات المتحدة أشبه بالقارة التي يصعب حكمها عبر نظام مركزي اندماجي . ونجح النظام الألماني الاتحادي استناداً إلى الثقافة السياسية الالمانية الاتحادية المعمرة، وإلى غنى الشمال ووسائله الضخمة التي وضع القسم الاكبر منها في إعادة تأهيل ألمانيا الشرقية الشيوعية وهو ما تفتقر إليه اليمن التي فقدت مع الربيع العربي كتلتها الشمالية والجنوبية المختلطة التي ربحت حرب العام 1994 من دون أن تخلفها كتلة أخرى يمكن أن يدور حولها النظام الاتحادي . ويفتقر اليمن لثقافة سياسية مجربة في التعايش الطويل الآمد بين متحدات متعددة الحساسيات السياسية . كما أن البلاد تفتقر لثروة طافحة تمتص غضب المتضررين من تفكيك النظام الحالي الاندماجي أو تعالج غضب المتضررين من النظام الشطري السابق .
ثالثاً: تنطوي الصيغة الفدرالية على بؤر توتر ستتسبب بالضرورة باضطرابات خطيرة ولن تسهل عمل النظام الاتحادي واعني بذلك منح الافضلية الوطنية والدستورية لجنوب اليمن كي لا يبادر إلى الانفصال وكي يغري الجنوبيين بالابتعاد عن طروحات البيض الانفصالية . إن اعطاء الجنوبيين الافضلية في الوظائف الحكومية يحل مشكلة ويخلق مشكلة اخرى تماما كقسمة مجلس النواب مناصفة بين الطرفين الذي يطرح مشكلة في التمثيل الديمقراطي لانه يعني أن صوت المقيم في جنوب اليمن يساوي خمسة أصوات شمالية اذا ما اعتمدنا حجم السكان في المنطقتين وهذا من شأنه التسبب بتمييز جديد والتأسيس لمظالم مقبلة وفي ظني إن حل مشكلة التمييز لا يمكن أن يكون عبر تمييز جديد وإنما عبر المواطنة المتساوية بين كافة أبناء اليمن .
رابعاً: لم تتم الإشارة إلى ضرورة المصالحة الوطنية بين اليمنيين، وهي الشرط الأساسي لأية صيغة حكم أو انطلاقة سياسية جديدة . وفي تاريخ اليمن الحديث أمثلة رائدة لعل أبرزها التصالح بين الجمهوريين والملكيين في أوائل السبعينات في المملكة العربية السعودية والتصالح بين كافة الفئات السياسية وتجميعها في المؤتمر الشعبي العام في بداية نشوء النظام السابق . يفصح ما سبق أن الربيع اليمني الذي انطلق عام 2011 نجح في تفكيك النظام السابق وفشل في بناء نظام بديل فاختار أصحابه الهروب إلى الأمام نحو الصيغة الفدرالية وهي الاسم الحركي للخراب المقيم والمرشح للاستمرار ما لم يخرج اليمنيون من هذه اللعبة ويدخلون في مصالحة أهلية هي الشرط الحسام لإنقاذ بلادهم ولانطلاقة وطنية جديدة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 34 / 2165779

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2165779 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010