الأحد 29 كانون الأول (ديسمبر) 2013

لا بوادر انفلا بوادر انفراج في الأزمة اللبنانيةراج في الأزمة اللبنانية

الأحد 29 كانون الأول (ديسمبر) 2013 par سليمان تقي الدين

تمتد الأزمة الحكومية في لبنان إلى ربيع العام 2014 . لن يصدر مرسوم تأليف حكومة له طابع صدامي، ولا تفاهم ممكن الآن على الحكومة . قد تكون الخطوة الحاسمة قبيل انتخابات الرئاسة في 25 مايو/أيار 2014 لتفادي الفراغ الشامل . هناك نقاش وتعارض كذلك حول شرعية حكومة تصريف الأعمال الحالية أو التي تتألف من دون أن تنال الثقة . دستورياً مراسيم تشكيل الحكومة كافية لجعلها حكومة تصريف أعمال ولو لم تحصل على ثقة المجلس . لكن المرجعية الدستورية ليست محل احترام القوى السياسية .
البلد محكوم الآن بتوازنات قوى على الأرض، خاصة لأنها ناتجة عن انقسام طائفي يصعب من خلاله التعامل مع مسألة الأكثرية والأقلية، كما في أي نظام برلماني سليم . هذه الأزمة الضاغطة على الاقتصاد والأمن ليست مرشحة لأي مساعدة خارجية على تجاوزها . فرغم الرهان على مؤتمر “جنيف2” من حيث وضوح الوجهة السياسية، فإن التفاؤل بهذا الموضوع ليس في محلّه . والخطر الأكبر أن تكون التسوية اللبنانية ذاتها مرهونة لخضة كبرى أو لصدام أو لأوضاع أمنية تستدعي اهتمام الخارج .
إن التصعيد السياسي المتبادل بلغ حداَ غير مسبوق من الشروط والشروط المضادة التي تبدو غير قابلة لأي شكل من التنازلات . الشراكة اللبنانية في أزمة، نتيجة سياسات العزل والخلل الذي حصل في علاقة الأطراف والسعي إلى فرض الغلبة . ولعلّ تجليّات الأزمة بدأت مع العجز أو الفشل في الاتفاق على قانون للانتخابات النيابية قبل عام من الآن . فالمسألة الأساسية هي في عدم قبول الطرفين بأية نتيجة تفرزها الانتخابات ولا حتى بنتيجة تعيد إنتاج المناصفة أو التوازن في السلطة، ولو كانت ذريعة كل من الطرفين مختلفة . هكذا تريد الأطراف نوعاً من الأرجحية الكبرى التي تسمح لفريق أن يحكم وحده أو أن يملي شروطه على الفريق الآخر . لقد كان الخطأ الأكبر في عدم التوافق على قانون انتخاب في الظروف الهادئة وغير المتوترة . كما كان الخطأ في جعل قانون الانتخاب محل تفاوض سياسي لاقتسام السلطة، بدلاً من تقديم صيغة مدروسة بالفعل تؤكد أنها ليست هادفة إلى تحقيق نتائج أو مكاسب مسبقة . ومع ذلك كله فإن إجراء الانتخابات في ظل أي قانون كان يمكن أن يحافظ على العملية السياسية بدلاً من نقل الصراع كلياً إلى الشارع .
يقال إن اللبنانيين يعيدون الاصطفاف نفسه خلال الانتخابات إلى حد بعيد يسهم التوتر الطائفي في ذلك . لكن إنكار حجم التغيير الحاصل في الرأي العام ولدى فئات وشرائح واسعة أمر غير صحيح . هناك جمهور لا بأس به لم يعد محصوراً في دائرتي الانقسام، وهناك تجارب ولو محدودة في انتخابات نقابات المهن الحرّة أكدت هذه الواقعة . وليس بسيطاً الاعتراض الذي تعلنه “الهيئات الاقتصادية” والظروف المعيشية التي عبّرت عن نفسها في نشاط وتماسك “هيئة التنسيق النقابية” عملياً ضد كل الطاقم السياسي الحالي . نتحدث هنا عن مئات آلاف اللبنانيين الذين لن يغيّروا المعادلات ولكنهم يستطيعون اختراق هذا التمثيل الحصري لزعماء المجموعات الطائفية ويخلقون مساحات مستقلة للخطاب السياسي . فمنذ بضع سنوات لم يعد في البرلمان اللبناني كتلة نيابية مستقلة ولا نواب مستقلين وهذه ظاهرة غير مسبوقة أبداً .
فإذا كان ثمة من وسيلة الآن لمعالجة هذا الوضع فهي تبدو محصورة في اتفاق 5 أو 6 من زعماء الكتل ولا شيء آخر . لذلك لا مفر من الحوار الوطني بين هؤلاء واتفاقهم، أو من أي إجراء يساهم في خلط الأوراق أو إعادة تكوين السلطة انطلاقاً من البرلمان والانتخابات النيابية . فواقع الحال ليس مقبولاً لدى الطرفين، وليس مسلماً به أن هناك فئة وسطية في الخريطة الحالية . بل إن الوسطية هذه قائمة لأنها تريد أن تأخذ لنفسها دوراً أكبر من السلطة من دون أي وضوح في خياراتها السياسية .
على أي حال، حتى التوافق على تشكيل حكومة وهو مستبعد، لا يحل مشكلة بحجم القول باستحالة التفاهم على بيانها الوزاري وعلى سياسة واحدة خارجية ودفاعية ولا حتى على تدابير أمنية لضبط الوضع الداخلي وأكثر من ذلك على ملء الوظائف الشاغرة الأمنية والإدارية . فيظهر وكأن الفراغ الحكومي يسمح بمعالجة بعض الأمور اليومية والخدماتية أكثر من الجلوس إلى طاولة حكومة فاعلة منقسمة على نفسها . فإذا اقترعت فهناك مشكلة، وإذا سعت إلى التوافق لم يكن ذلك ممكناً . بل إن البعض وهو على حق يعتقد أن ملفات وقضايا جديدة قد تطرح نفسها ولا يمكن التفاهم حولها، من الأمن إلى الحدود إذا ما تطورت الأوضاع، ومن التعامل مع تداعيات انطلاق المحاكمات في المحكمة الدولية منتصف الشهر الأول من عام 2014 . فضلاً عن الموقف من مؤتمر “جنيف2” ومشاركة لبنان فيه . إزاء هذه المعطيات كلها يبدو غريباً رفض أكثرية الأطراف لقيام حكومة من المستقلين ذات سقف سياسي منخفض لإدارة الشؤون اليومية، وترك الأمور الخلافية لهيئة الحوار الوطني . وبالمقابل يبدو كذلك رفض فريق المباشرة في الحوار الوطني تحت ذريعة عدم جدواه وعدم الالتزام بالقرارات . فالحوار الوطني حاجة سياسية وطنية بمعزل عن حجم الرهانات المباشرة عليه، بل هو بات ملحاً في أمور لا تختصرها العناوين السابقة المتعلقة بالأوضاع السياسية الطارئة . وبالفعل فإن الحوار حول قانون الانتخاب وحول أكبر قدر ممكن من تحييد المؤسسات الأمنية والقضائية وبعض المسائل المتعلقة بمالية الدولة هي ضرورة لبقاء فكرة الدولة الواحدة التي تتراجع كل يوم .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 7 / 2165321

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165321 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010